الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسالة مفتوحة إلى أبو محمد الجولاني: أوقفوا الاقتتال في غوطة دمشق؟

رسالة مفتوحة إلى أبو محمد الجولاني: أوقفوا الاقتتال في غوطة دمشق؟

28.05.2016
الطاهر إبراهيم


القدس العربي
الخميس 26-5-2016
انطلقت الثورة السورية من(لا خبرة سابقة) تقتفي أثرها أو تنسج على منوالها.كل ما كان لديها تعتمد عليه هو حماس شبابها الذين كان أكثرهم لم يتخرج بعد من الجامعة. هؤلاء كان يحدوهم في ثورتهم أنهم لم يتخرجوا من مدارس السجون والمعتقلات "العلوية"،وإن كان آباؤهم قد مر أكثرهم على تلك السجون، أو تخرجوا منها بعد سنوات، تطول وتقصر، بسبب مزاجية رئيس فرع التحقيق في الفرع الأمني الذي اعتقله، هذا إذا قدر لهم أن يخرجوا أحياء.
لم يكد يمضي على بدء مظاهرات ثورة آذار/مارس غير أسابيع قليلة حين انضم إليها أبناء الحارات والأحياء على مختلف أعمارهم. تصاعدت المظاهرات رغم أن النظام بدأ يقتل المتظاهرين منذ الجمعة الأولى في 18 آذار/ مارس2011، وسجلت درعا ودوما بدايات سقوط الشهداء.
لم يتأخر الضباط وصف الضباط والجنود، فانشقوا عن الجيش الذي لم يلقنهم كيف يحررون هضبة الجولان، بل فرض عليهم نوعا من إذلال ضباط "الطائفة" لهم. لكن هؤلاء العساكر لم يجدوا الطريق الطبيعي لهم بتشكيل وحدات عسكرية، واكتفى أكثرهم باللجوء إلى تركيا.
بعض الشباب رفض الموت برصاص عساكر "الطائفة" أثناء المظاهرات وانطلقوا يجمّعون بعضهم في سرايا وكتائب، وهاجموا تجمعات الشبيحة، فتشكلت جبهات بمسميات مختلفة، كان منهم "صقور الشام" و"أحرار الشام" و"جبهة النصرة" و"جند الأقصى" وغيرها.
واشنطن التي كانت تتابع الحراك السوري عن كثب لم تتأخر فأعلنت عن وضع جبهة النصرة (التي أعلنت بيانها الأول في كانون الثاني/ يناير 2012 )على قائمة الإرهاب في كانون الأول/ديسمبر2012 . تزامن مع وضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب، انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في مراكش في المغرب. مع أن واشنطن كانت على رأس أصدقاء سوريا، لكن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لم تحضر مؤتمر مراكش فقد كانت في لقاء مع سيرجي لافروف في "دبلن"، ما عزز القناعة لدى الكثيرين بأن ثمة طبخة أمريكية– روسية تجري من وراء الكواليس(وجدنا صدى اللقاء في دبلن فيما تفعله موسكو في سوريا اليوم من دون اعتراض من واشنطن). في حينه ندد أعضاء في الثورة السورية، مثل أحمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المشكل حديثا، وبرهان غليون أول رئيس للمجلس الوطني السوري وآخرين. كان هذا ما فعلته واشنطن، مع أن "الجولاني" لم يكن قد أعلن بيعته لتنظيم "القاعدة" بعد.
الرئيس باراك أوباما الذي يتابع "جبهة النصرة" حيث أحصي لها أكثر من600عملية صغيرة وكبيرة في سوريا حتى تاريخ وضعها على قائمة الإرهاب (حسب (CNN فشل في أن يستطيع تدريب الجيش الحر فدفع 400 مليون دولار لتدريبه، فلم يظفر إلا بـ 60 جنديا، فنفض يده من القضية السورية وباعها إلى بوتين معتقدا أن بوتين لن يخرج من سوريا إلا مهشم الوجه.
قدمت بهذا السرد التاريخي لأذكّر المتابع للثورة السورية بأن السوريين أدركوا أن الجولاني حين بايع الظواهري أراد أن ينأى بنفسه عن الانضمام إلى أبو بكر البغدادي. كما أن السوريين الذين انضموا إلى الجولاني (وهم الغالبية العظمى من جنود الجولاني) بايعوه على قتال جيش بشار وشبيحته، ولم يبايعوا تنظيم "القاعدة". وفي لقائه مع الصحافي أحمد منصور (قبل سنة من الآن في أيار/مايو 2015) الذي بثته الجزيرة، أكد الجولاني أنه اتفق مع الظواهري على قتال بشار وحلفائه في سوريا فقط لتحرير بلاد الشام ولا يتوسع فوق ذلك.
أردت من هذه الإشارة القول إن الثورة إنما هي ثورة السوريين أولا وأخيرا. وأنهم وحدهم من يدفع أثمانها الباهظة، وهم مستعدون للاستمرار في دفع تلك الأثمان. هذا لا يقلل من الجهد الذي يدفعه إخواننا العرب والمسلمون. لكن السوريين لا يريدون أن تتجاوز مساعدة هؤلاء الأشقاء العرب الأمور اللوجيستية، لأن ما ينقص السوريين هو المعونة المادية فحسب. لا يتعدى ذلك إلى من ينظّر لهم فكريا وأيديولوجيا، فأيديولوجية السوريين الأولى قتال بشار الأسد وحلفائه، ولا شيء أكثر أوأقل من ذلك. هذا ينقلنا إلى ما يحصل اليوم في غوطة دمشق الشرقية، حيث تحول القتال فيها من قتال ضد بشار وحلفائه إلى اقتتال بين الأخوة.
دفعني إلى هذا القول أن هناك أخوة من دولة عربية مجاورة جانبهم الصواب من حيث أحسنوا النية، وحولوا المعركة من قتال الشبيحة والميليشيات إلى تنظيرات لا تغني في ساحة القتال شيئا. وبدلا من أن يبذلوا النصح للجميع ويدعوهم إلى التسامح والعفو أصبحوا طرفا في صراع يهلل له النظام. بل تسعى له واشنطن عندما وضعت "جبهة النصرة" على قائمة الإرهاب لأنها أرادت من ذلك اقتتال الفصائل مع بعضها.
لا يفوتني هنا أن أتوجه بالمناشدة إلى الأخ أبو محمد الجولاني بما عرف عنه من حكمة، بأن يبادر إلى تطويق القتال بين الأخوة في الغوطة، ويصلح بين الأخوة، ويكفينا داعش واحد، فهل يسمع رجاءنا؟