الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا تدخل المستنقع الأمريكي في خطوة غير مسبوقة

تركيا تدخل المستنقع الأمريكي في خطوة غير مسبوقة

19.08.2018
سعود معن


القدس العربي
السبت 18/8/2018
في الأعوام السابقة كانت منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي تحت التدخل السياسي الأمريكي فقط. وكانت لها الكلمة الفصل أما الآن وفي الزمن القريب دخلت عدة دول على الساحة السياسية وبقوة، فارضة رأيها بفعل القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية، مما حرك الأطماع لدى تلك الدول ونخص تركيا وإيران على وجه الخصوص فبعد حدوث الحرب السورية عام 2011م دخلت تركيا بدعمها اللا محدود للفصائل المسلحة وكذلك مع العراق في عام 2014م.
وكانت هذه ورقة المراهنة لدى تركيا ضمن هذين البلدين بالإضافة إلى استقبالهم للبترول المهرب من سوريا والعراق كذلك البترول ذو السعر المنخفض من كركوك عبر كردستان ساهم برفع الاقتصاد التركي إلى اعلى مستوى قد شهده الاقتصاد التركي منذ زمن.
وعندما تتدخل أي دولة عسكريا في الشؤون الدولية عليها تحمل العواقب المستقبلية فلكل شيء ثمنه.
ففي سوريا هنالك الولايات المتحدة الداعمة للفصائل الكردية وهنالك روسيا الداعمة للنظام السوري إذ لم يبق لدى روسيا وكيل في الشرق الأوسط غير النظام السوري بعد ان باعت النظام العراقي منذ زمن للولايات المتحدة ولم يعد بأمكانها التخلي عن الورقة الأخيرة لديها مهما كلف الثمن لذلك بدأت الحرب الاقتصادية قبل كل شئ وكانت الخطوة الأولى من البنك الدولي نتيجة لانتقادات اردوغان في إحدى خطبه الماضية وعلى إثر ذلك هبطت العملة التركية إلى مستوى كبير ليخرج بعدها الرئيس التركي معتذرا ومبررا لتعود الليرة إلى وضعها الطبيعي مع ارتفاع طفيف عن المستوى الطبيعي في بعض الأحيان.
بدأت الضربة الثانية عندما حدث الانقلاب العسكري في تركيا من قبل فتح الله غولن الإسلامي المدعوم من الولايات المتحدة والذي تم إفشاله نتيجة التأييد الذي حصل عليه اردوغان وقوة حزب العدالة والتنمية المنتشر بقوة في تركيا والذي أدى إلى الإسراع في تسديد الضربات الأمريكية هو تحويل اردوغان نظام الحكم إلى رئاسي بعد أن كان برلمانيا ديمقراطيا، والذي سيسيطر من خلاله على الحكم وخاصة على أعضاء البرلمان الكرد والذين يشكلون 40% من الشعب التركي اليوم، أي لهم كلمة فصل بالحكم، ولما كان الأكراد فيما يعتقدونه مهمشي الحقوق بين الدول الأربع التي تتوزع فيها أراضي كردستان الكبرى كما يسميها المفكرون الكرد، فسيكونون هم المعارضة الفعالة في نظام الحكم والتهديد الرئيسي للنظام التركي والذي تدعمه الولايات المتحدة كلما اقتضى الأمر وخرجت تركيا عن المسار الأمريكي المرسوم في المنطقة.
ولقد رأينا في وقت سابق ما حدث في تركيا من عمليات داخل المدن عند تعرض الرئيس التركي لحزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية في جبل قنديل فكان الرد قويا من قبل أكراد تركيا وموالي الحزب، إلى حد عام 2000م كانت تركيا من الدول ضعيفة الاقتصاد، إذا انهار الاقتصاد التركي منذ الحرب العالمية الأولى ولم تقم له قائمة إلا عند وصول حزب العدالة والتنمية، فرفع الاقتصاد التركي المنهار ولكن بعد اتخاذ الخطوات الجريئة الأخيرة وتصريحات حول انتهاء معاهدة لوزان التي تنتهي بعد أعوام قليلة، الأمر الذي يجعل تركيا تسترد حقوقها بعد قرن، ومع الديكتاتورية والقرار الواحد ومخاوف حول عودة العثمنة من جديد لما يبثه الحزب من أفكار إسلامية سيكون هذا غير مقبول لدى الولايات المتحدة والدول الغربية. إذ كان من شروط انشاء الجمهورية الحديثة ألا يعود الحكم الإسلامي إلى تركيا.
ولقد حدث في الأيام الأخيرة أن نشطت قضية القس برونسون الذي اعتبره الأتراك جاسوسا للولايات المتحدة وألقت القبض على عدد كبير معه من الموظفين الأمريكان كشبكة للتجسس. ولقد طالبت الولايات المتحدة بتسليم القس الأمريكي الأمر الذي رفضه الرئيس التركي وبشكل قاطع، مما جعل الرئيس الأمريكي يمتعض من السياسة التركية وفرض عقوبات اقتصادية كرفع الجمرك على الحديد الصلب والألمنيوم وأمور أخرى أدت إلى انخفاض الليرة التركية إلى 40% من قيمتها.
فلقد وصلت الليرة إلى حوالي 7.5 ليرة للدولار الواحد وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين لتوجيه تهم إرهابية للقس، وردت تركيا بمقاطعة البضائع الأمريكية وفرض عقوبات على سياسيين أمريكان وخرج اردوغان وصرح "لنا الله ولهم دولاراتهم " لقد أدخل اردوغان تركيا في مستنقع ضحل بعد أن تنفست تركيا الصعداء في الأعوام الماضية بالإضافة أن طبول حرب كبيرة تقرع من بعيد بين دول عظمى نتيجة المشاكل الاقتصادية، وسيكون على تركيا مردودها السلبي الكبير والذي سينعكس أيضا على دول الجوار وخاصة العراق وسوريا للوضع الأمني غير المستتب فيهما.