الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا قسمت عفرين آراء السوريين؟

لماذا قسمت عفرين آراء السوريين؟

08.02.2018
حسام الدين محمد


القدس العربي
الاربعاء 7/2/2018
طرحت قضية الهجوم التركي وفصائل تعمل تحت راية "الجيش السوري الحر" على مدينة عفرين إشكالا سياسيا على السوريين حيث ظهر اتجاهان للنظر إلى المسألة. رأى الاتجاه الأول في الهجوم عدوانا لدولة أجنبية يستبيح مدينة آمنة ويروع مدنييها وسكانها ينفذه مرتزقة سوريون يعملون لصالح دولة احتلال فيما رأى الاتجاه الثاني أن الهجوم جرى بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية العمل على تشكيل جيش شرق الفرات قوامه الأساسي من الأكراد الموالين لحزب العمال الكردستاني.
سردية الاتجاه الأول في قراءة الهجوم على عفرين تستند إلى تاريخ هائل من العنف والقمع والمجازر ضد الأكراد في تركيا، وبالتالي فإن هذه السردية تعتبر لحظة عفرين استكمالا لتاريخ طويل من نضال الكرد في تركيا لنيل حقوقهم، كما ترى في عبور الجيش التركي إلى سوريا استكمالا لهذا التاريخ من القمع والانتقام.
أما الاتجاه الثاني فمرجعيته في قراءة المشهد الراهن هو نظام الاستبداد الأسدي ـ البعثي المسيطر على سوريا منذ 1963 حيث يحضر الأكراد ضمن هذه السردية العامة باعتبارهم مواطنين سوريين تعرضوا، مثل غيرهم من السوريين، لممارسات الطغيان العام الذي روع الجميع، مضافا إليه تعرضهم لاضطهاد قومي بصفتهم أكرادا. كما يرى هذا الاتجاه في حزب العمال الكردستاني اتجاها مضادا للثورة السورية ساهم، بالتعاون مع النظام، في عملية عزل المكون الكردي عن الثورة.
وكما تراكبت مصالح حزب العمال مع مصالح النظام، ولاحقا مع الأمريكيين والروس، فقد تراكبت مصالح للدولة التركية مع خط عام سياسي وعسكري لفصائل الثورة السورية مما أمن خلفية جغرافية وسياسية وعسكرية لهذه الاتجاهات.
وكما حضرت بعض المصالح القومية للأكراد السوريين كحاضنة اجتماعية لحزب العمال الكردستاني التركي فقد حضرت بعض المصالح السياسية والعسكرية للفئات الشعبية السورية الثائرة كحاضنة اجتماعية لاتجاهات سياسية موالية للأتراك وخصوصا في حكومة ذات طابع إسلامي يستعيد خيالات الخلافة العثمانية في مواجهة نخب طائفية "علمانية" متغوّلة.
كل هذا ساهم في انقسام الوسط السوري خلال معركة عفرين بطريقة غير مسبوقة، فحسب الاتجاه الأول فإن القبول بدخول جيش تركي مدجج بالطائرات المقاتلة والدبابات، لمهاجمة مدينة سورية هو شكل من أشكال قبول الاحتلالات الأخرى الروسية والإيرانية، التي لديها بدورها "حواضن" شعبية، كما أن التهليل لهجوم الجيش التركي هو شق إضافي كبير للهوية السورية بين عرب وكرد، يضيف طبقات سميكة من الكراهية والحقد على ما فعله النظام وحزب العمال الكردستاني لفصل الكرد عن العرب.
في المقابل يرى الاتجاه الثاني أن سابقة حزب العمال، وهو تنظيم تركي بالأساس، في اجتياز الحدود التركية والعراقية إلى سوريا وفرض هيمنته على مناطق واسعة من سوريا، وفرض التجنيد الاجباري، وإنشاء أسس دولة مركزية مستبدة، تجعل من دخول الجيش التركي تحصيل حاصل، فالصراع تركي في الأساس ويتحمل حزب العمال بالتالي المسؤولية الأولى في نقله إلى الأراضي السورية، ويجادل أصحاب هذه الاتجاه أنه حتى بالمقاييس القانونية الدولية فإن النظام هو المسؤول عن تشريع هذا التدخل عبر توقيعه اتفاقية أضنة التي تضمن لتركيا حق الدخول إلى الأراضي السورية لأسباب أمنية، أما بالمقاييس الوطنية، فإن معالم السيادة والهوية والوطنية السورية فقدت معناها عبر إجرام النظام الذي استجلب كل هذه الاحتلالات، بل وفاقها كلها وحشية.
وحسب هذا الاتجاه فإن وصف فصائل المعارضة السورية المشاركة في الهجوم بـ"المرتزقة" وتأجيج الدعاية ضد الثورة السورية، وانتهازية حزب العمال الأقرب للعمالة لكل الأطراف المحلية والأجنبية، من النظام السوري وإيران إلى روسيا وأمريكا، والممارسات العنصرية ضد العرب، والتجنيد الإجباري، والمساهمة في سقوط حلب بيد النظام، واعتقال الأكراد المعارضين له، كلها عوامل تجعل ما يحصل صراعا أهليا معقدا مدعوما بأطراف أجنبية.
تبدأ "الخطيئة الأصلية" حسب الاتجاه الأول في تركيا حيث مورست أعمال وحشية ضد الأكراد على مدار قرن كامل، وبالتالي فلا مناص من تتبع هذه الجريمة الكبرى من تركيا إلى عفرين السورية، فيما تبدأ أركان الجريمة الكبرى، حسب الاتجاه الثاني، مع توطد أركان نظام الاستبداد في سوريا، مما يجعل الصراع معه هو أولوية الأولويات، ويجعل التحالف معه، كما فعل حزب العمال الكردستاني، شراكة في الجريمة.
في الحالة الأولى تحضر في المخيلة الفظاعات التركية المستمرة ضد الأكراد، وفي الحالة الثانية تحضر فظاعات النظام السوري المهولة، وفي الخلاف بين هاتين الأولويتين تغدو المقارنة بين احتلال أسدي وآخر تركي مليئة بالمشاعر الجياشة والخيالات المرعبة، وفي الحالتين أيضاً امتحان سياسي وإنساني هائل، حيث يرى طرف أن سرديته أقوى من الثاني، ويجد كل طرف بشاعة في خصمه التاريخي لا تقارنها بشاعة.
على هاتين الخلفيتين التاريخيتين وتوابعهما الفكرية يمكن لمنطق الطرف الأول أن يعتبر التنسيق مع تركيا والعمل العسكري معها (كما تفعل بعض الفصائل حاليا) خيانة عظمى وارتزاقا، ويمكن لمنطق الطرف الثاني أن يعتبر التنسيق مع النظام السوري (ولاحقا روسيا وأمريكا) والعمل العسكري معه (كما فعل حزب الاتحاد الديمقراطي وتوابعه) خيانة عظمى، وارتزاقا وتشبيحا.
رغم وجهات النظر المختلفة فإن الشارع السوري المعارض للنظام (ومثقفيه عموما) لا يجد صعوبة في رؤية أن كل الاحتلالات التي تعيث بسوريا هي نتيجة لممارسات جيش النظام الذي استجلب بعمالته لإيران وروسيا ووحشيته ضد شعبه جيوش الاحتلال الأخرى كلها، كما أن هناك اتجاها أخلاقيا عاما يرفض مهاجمة المدنيين تحت أي دعاوى سياسية، كما يرفض التنظيرات السياسية أو الفكرية التي تبرر الإبادة والهمجية والتحريض على القوميات والإثنيات والأديان تحت أي يافطة عسكرية أو سياسية أو دينية.
 
٭ كاتب من أسرة "القدس العربي"