الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا تصر واشنطن على اتهام الإسلام السني بالإرهاب؟

لماذا تصر واشنطن على اتهام الإسلام السني بالإرهاب؟

18.12.2014
الطاهر إبراهيم



القدس العربي
الاربعاء 17-12-2014
مع بداية العشر الأخير من القرن العشرين وبعد هدم جداربرلين وتفكك الاتحاد السوفييتي، شهد العالم قوة وحيدة تتحكم فيه هي أمريكا، التي فرضت نفسها شرطيا للعالم وقاضيا يحكم بتجريم أقوام وتبرئة آخرين. لعل أبرز المظاهر التي ظهرت فيها واشنطن أنها اتخذت قوائم للإرهاب تضع عليها من لا يوافقها من الدول والجماعات والأشخاص.
كان من أذرعها التي تطال الذين وضعت أسماؤهم على اللائحة السوداء: الإنتربول والمحكمة الجنائية الدولية ومعظم البنوك التي لها صفة دولية. وأحيانا ترسل جيشها لجلب المطلوبين لها إلى الساحة التي تجعلها مكانا لتطبيق عدالتها عليه، أو تجمد ملاحقة مطلوبين للوقت الذي قد تراه مناسبا لفرض شروطها عليهم. يكفي أن نرى ما فعلته في العراق عندما غزته عام 2003 وحطمت دولته وسلمته أنقاضا إلى حكومة المالكي، ففرض الطائفية التي دمرت ما كان يعرف بدولة اسمها العراق، وكل ذلك فعلته واشنطن بعيدا عن مجلس الأمن.
لعل الأشد فظاعة من ذلك كله اعتقال واشنطن لأكثر من 500 من العرب والمسلمين، وإيداعهم سجن غوانتنامو الرهيب من دون محاكمة. وقبل وصول باراك أوباما إلى السلطة، كان فقد أكد في دعايته الانتخابية تقديم هؤلاء إلى المحاكمة ومن ثم إغلاق غوانتنامو، لكنه تراجع عن ذلك. لا يهمنا سبب رجوعه، إنما المهم أنه لا يمكن الاطمئنان إلى ما تفكر به واشنطن.
هذه السياسة التي أصبحت خلقا لأمريكا ولّد عند الشعوب الإسلامية السنية حجما هائلا من عدم الثقة، بما يمكن أن تفعله بهم أمريكا. وما جعل المسلمين يتوجسون من مستقبلهم الغامض مع واشنطن أنها احتكرت الحقيقة. والحقيقة المخوفة هنا هي تفسير واشنطن للأمور، وليس ما يحصل على أرض الواقع.
على سبيل المثال، أعلن الإخوان السوريون قبل سنتين وثيقة سموها "عهد وميثاق": التزموا فيها بالديمقراطية والتعددية السياسية وما تفرزه صناديق الاقتراع ومبدأ تداول السلطة في سورية المستقبل. وقد هلل السياسيون السوريون لهذا الإعلان، ليتبين أن واشنطن لن تقبل بالإخوان المسلمين ولو خلعوا جلودهم.
واشنطن تريد شيطنة الإخوان السوريين ليس في سورية فحسب، بل هذا ديدنها في الشرق منذ ورثت بريطانيا في البلاد العربية وفي الشرق الإسلامي. كان مما سعت واشنطن له أن يقود العلمانيون الثورة السورية وسمتهم المعتدلين. وقد علم السوريون أن هؤلاء المعتدلين من غير الملتزمين بالإسلام، لكن الواحد منهم ما إن ينضم إلى قتال النظام حتى يصبح جهاديا خالصا، فليس هنالك في الثورة السورية معتدل ومتطرف. أما المعتدلون فهم إما ضباط انشقوا عن الجيش النظامي وقد أنفوا أن ينخرطوا تحت قيادة قادة الفصائل المدنيين، وقد تجمع أكثرهم في تركيا، أو أنهم أصحاب طموح أرادوا أن يكون لهم شأن فقنعوا بما عرضته واشنطن.
حتى الآن لم تستطع طائرات التحالف أن تنجح في تحجيم "تنظيم الدولة (داعش)"، بل نرى أن هذا التنظيم يزداد اتساعا أفقيا وشاقوليا كلما ازدادت هجمات طيران التحالف، بل ان البعض يعتقد أن هذا التنظيم يمتلك أسلحة أمريكية مضادة غنمها من جيش المالكي، لم يستعملها حتى الآن، يخبئها ليفجر بها مفاجأة تعصف بهيبة واشنطن أمام شعبها وحلفائها.
نعود إلى ما بدأنا به مقالنا فنتساءل: لماذا تريد واشنطن شيطنة الإسلام السني المعتدل؟ وكان الأحرى بها أن تستعين به لتحتوي "القاعدة" و"داعش" وأخواتهما وما يمكن أن يظهر بعد. الجواب واضح لدينا، فهي تخشى الإسلام السني المعتدل أكثر مما تخشى "القاعدة" و"داعش". فقد رأت كيف أحسن الإسلاميون المعتدلون النتيجة في الانتخابات التي جرت في كل من مصر وتونس وفي ليبيا بالانتخابات الأولى، لذا فهي تستبق الوضع في سورية قبل نجاح الثورة.
يبقى التساؤل الوجيه الذي يخطر ببال كثيرين: ألم تحسب واشنطن حساب توسع الأمر فينقلب السحر على الساحر، فيتوسع "داعش" الذي كان قبل سنة لا يعد عسكره عدة مئات في العراق ومثلها في سورية، فأصبح بعشرات الألوف اليوم، بل قد يمتد ذراعه إلى اليمن الذي يموج بالقبائل السنية الذين قتلوا حتى الآن عدة مئات من الحوثيين الذين تدعمهم واشنطن وإيران، والحبل على الجرار.
هناك من يعتقد أن واشنطن حسبت حساب كل هذه المحاذير، لكنها تخاف هذا الإسلام السني المعتدل، لأن أتباعه يرفضون أن يبيعوا أنفسهم. فعدلت إلى طهران التي تملأ الأسماع بأنها ضد الشيطان الأكبر، ثم تبيع وتشتري مع هذا الشيطان من تحت الطاولة. مؤخرا ظهر اتفاق الطرفين إلى العلن، ليتبين أن طهران كانت تقاتل "داعش" بعلم واشنطن قبل أن يظهر التحالف إلى العلن، وما خفي كان أعظم.
 
٭ كاتب سوري