الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا لا تقيم تركيا المنطقة الآمنة في جبل التركمان؟

لماذا لا تقيم تركيا المنطقة الآمنة في جبل التركمان؟

29.11.2015
وائل عصام



القدس العربي
السبت 28/11/2015
من وجهة نظر المصالح التركية فإن جبل التركمان هو منطقة مثالية لإقامة منطقة آمنة، فهو منطقة حدودية مع تركيا، ويضم سكانا من التركمان الذين يحظون برعاية واهتمام خاصين من الدولة التـــركية بحكم الارتباط القومي. والحكومة الـــتركية أطلقت الكثير من التصريحات في الأيام الاخيرة قبل إســـقاط الطــــائرة الروسية محذرة من استهداف التركمان بالقصف ومنددة بتدمير قراهم، وقد قال رئيس الحكومة التركية اوغلو إن على النظام والروس استهداف تنظيم الدولة في مناطقه وليس مناطق التركمان.
وعقبها مباشرة أسقطت الطائرة الروسية التي كانت في غارة لقصف مواقع في جبل التركمان، إذن تركيا تبدو وكأنها ارادت تطبيق مشروعها النظري في منطقة محمية من قصف الطائرات ولو لمرة واحدة، بإسقاط طائرة من ضمن مئات الطائرات الروسية والتابعة للنظام، التي تقصف مناطق المعارضة..
إضافة لكل هذه الاعتبارات التي تجعل منطقة التركمان مثالية لإقامة منطقة آمنة حسب الرؤية التركية، فإن عاملا اخر يعزز ذلك، وهو وجود عدة فصائل تركمانية مسلحة، في تلك المنطقة، وهي تعمل بتنسيق مع الحكومة التركية، وبدلا من الاعتماد على الفصائل التركمانية في قتال تنظيم الدولة في المنطقة الآمنة، التي يتحدث الاتراك عنها في ريف حلب الشمالي، يمكن توجيه هذه الفصائل ودعمها لقتال النظام وتحرير المواقع القريبة من جبل التركمان كالمرصد 45 .. ومن ثم حماية الجزء المحرر من المنطقة الآمنة وإدارتها مع باقي الفصائل في جبل التركمان ..كما أن العامل الآخر الأهم برأيي أن إقامة مثل هذه المنطقة في جبل التركمان لن يكون مكلفا على صعيد العمليات العسكرية، أو الخسائر البشرية للمدنيين والنازحين، فجبل التركمان معظمه محرر، ولن يتطلب أي عمليات عسكرية او قصف جوي لإبعاد قوة مسلحة، كما هو الحال مع تنظيم الدولة في شمال حلب. كما أن إقامة منطقة آمنة في جبل التركمان لن يتسبب بنزوح آلاف المدنيين وتدمير القرى بسبب العمليات العسكرية، كما سيكون مصير شمال حلب، لو مضت تركيا مع الامريكيين في عملياتها العسكرية لإبعاد تنظيم الدولة من عشرات القرى هناك، وهو أمر يصعب تحقيقه، كما قلنا من عدة أشهر، لأن الفصائل التي تعتمد عليها تركيا في تلك المعارك هي مجموعات صغيرة غير كفوءة وغير مهيأة عقديا لقتال تنظيم الدولة، وهذا ما ظهر في الاشهر الاخيرة، والأخطر كما قلنا هو حجم التكلفة البشرية من الاف القتلى والمشردين والنازحين الجدد من قراهم حال تواصلت المعارك.. وتبقى النقطة الاخرى التي تهم الاتراك كثيرا، هي أن جبل التركمان هو نقطة ارتكاز محورية في تحجيم ومحاصرة الجيب الكردي الانفصالي في عفرين شمال سوريا، وهو إذن بهذه الاعتبارات يصب في مصلحة تركيا في جميع الاتجاهات.
كل ما سبق كان عرض حالة موضوعية لخيارات تركيا الافضل، وخيارات المعارضة الافضل لاقامة المنطقة الآمنة، لكن الحقيقة أن ما يقود التحركات الآن ليس الخيارات الأفضل للمعارضة السورية، ولا حتى الاتراك وهي تتمثل في إقامة منطقة آمنة في جبل التركمان بدلا من ريف حلب الشمالي.. بل أن ما يقود التحركات ليس أولويات المصلحة التركية، بل الرغبة الامريكية في مقاتلة تنظيم الدولة فقط، من دون أي اكتراث بالمدنيين أو حمايتهم، وتماشيا مع هذه الرغبة الامريكية حاولت تركيا الحليف الامريكي البارز في الشرق الاوسط، إيجاد صيغة توافقية، بين أولويات الجانبين، لكن يبدو أن الأولويات الامريكية طغت في النهاية، فحتى التركمان الذين تريد تركيا حمايتهم تبدو عاجزة عن تأمين قراهم من القصف، خصوصا أن الروس والنظام كثفا بشكل كبير قصفهما واستهدافهما للقرى التركمانية، بعد إسقاط الطائرة الروسية، وحتى الاكراد الانفصاليين شمال سوريا عادت امريكا لدعمهم رغما عن الاتراك، الذين ارادوا العمل في منطقة شمال حلب لابعاد واضعاف تمدد الانفصاليين الاكراد .
إذن تبقى آفاق تنفيذ الرؤية التركية خارج حدودها مقيدة جدا بسياسة حليفتها الولايات المتحدة، بالتأكيد أنقرة وحزب العدالة مستفيدان بشكل كبير من هذا الحلف، وبالتأكيد أنه لن يخاطر بعلاقته مع الامريكيين، ولكن المأزق هنا ان تركيا تدخل حلبة الصراع السوري مكبلة الأيدي بقيود غربية، بينما خصومها الروس والايرانيون يوجهون اللكمات كيفما شاءوا في سوريا.
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"