الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجوع… سلاح الأسد الفتاك

الجوع… سلاح الأسد الفتاك

25.06.2016
ميسرة بكور


القدس العربي
الخميس 23-6-2016
سلاح الأسد الفتاك ذو التدمير الشامل والنتائج الاستراتيجية المبهرة،من خلاله حقق ما لم يكن يستطيع تحقيقه بكل ما حوته ترسانته العسكرية المثخنة بأسلحة محرمة، أو مسكوت عنها دولياً.
"الجوع" ذلك السلاح الذي يتمتع بخصائص فتاكة ترتقي لزمرة القنابل النووية في قدرته الخارقة على الفتك بالحياة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات.
مارست منظومة الأسد الأمنية، كل ما يتخيله عقل عاقل، وما أحتوته قواميس منظومة الأخلاق الإنسانية وجرمتها النواميس الكونية وقوانين الحقوق الآدمية المدونة في المواثيق الدولية من أبشع صور التنكيل والإبادة الجماعية بحق الثورة السورية.
ومما لا يدركه انسان ولا دون في بيان وما يعجز عن احتوائه مقال، وتتقزم فيه الكلمات وتقصر دونه مقالات، من هولوكوست تبث تفاصيل يومياته المرعبة على الهواء مباشرة بكل أشكال ووسائل القمع والفتك بهدف إجهاض الثورة السورية على كل المستويات الفكرية والسياسية وما بينهما من تشويه عقلي واخلاقي.
خمس سنين انصرمت من عمر سوريا الوطن والإنسان ولم يزل نظام دمشق الحاكم وداعميه من قوى الشر، يتفنون بقتل السوريين وتشريدهم حتى توصلوا لسلاحهم الأكثر فتكاً "الجوع". الذي أصبح أهم أسلحة نظام الأسد، يشهره متى يشاء في وجه الحاضنة الشعبية الثورية.
وللتذكير نظام دمشق أستخدم سلاح التجويع منذ إندلاع ثورة الشعب السوري ضد حكمه في منتصف آذار/مارس 2011 عندما حاصر مدينة درعا وقطع عنها الماء والغذاء، والكل يذكر "بيان الحليب" الذي أصدره مجموعة من الفنانين السوريين على رأسهم " منى واصف" صاحبة وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، ثم تراجع عنه بعض من يمتهنون مهنة التثميل على الشعوب.
ثم عمم هذه الإستراتيجية الشيطانية،على بقية الجغرافية السورية الثائرة، فكان مما جرى به الركبان وتناقلته وسائل الإعلام، حصار أحياء حمص القديمة الذي دام سنتين، وقف المجتمع الدولي متفرجاً يكتفي بالتنديد والشجب والنواح على أطلال مدينة، حتى أطر المحاصرين أمام فتك الجوع لتسليم الأحياء الحمصية القديمة وفق اتفاق تهجير قسري رعته الأمم المتحدة.
بعد المكسب الكبير الذي حققه نظام دمشق في حمص من خلال سلاح الجوع،حاول تجييره إعلامياً وسياسياً في ما أطلق عليه المصالحة الوطنية،التي أنشأ لها وزارة خاصة أطلق عليها إسم وزارة المصالحة الوطنية، كان حرياً به أن يسميها وزارة الجوع أو الركوع،أو وزارة الإذلال الأسدية.
مع تواتر الأحداث وتراكمها وتعمد ما يسمونها الأسرة الدولية إتباع استراتيجية الصمت الممنهج عن جرائم الأسد، وتسجيل بعض المصالحات القسرية بفضل النجاحات التي حققها نظام دمشق بسلاحه الفتاك "الجوع" بدا واضحاً أن النظام بات يعتمد على هذا السلاح وجعل منه استراتيجية عسكرية في حربه ضد الشعب، خاصة في محافظة "ريف دمشق" بغوطتيها. فكان حصار مضايا والمعضمية وداريا، وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان وفاة ما يزيد عن مئتين وستين ضحية معظمهم من الأطفال والعجائز نتيجة الجوع وفقدان الأدوية، وخرجت فتاوى العلماء بتحليل أكل القطط والكلاب لأهل الغوطتين في حال وجدت.
لكن نظام الأسد لم يُلْقِ بالاً لتلك الأخبار، بل أعتبرها مجرد فبركة إعلامية تهدف لتشويه نظامه.
مع ارتفاع وتيرة الضجيج الإعلامي حول حصار المعضمية ومضايا، ونشر وسوم على وسائل التواصل الإجتماعي تحت عنوان انقذوا اطفال الغوطة. الغوطة تباد (..) خرج علينا أنصار ومحازبو نظام دمشق بوسوم مضادة، كانت مثلاً للإنحطاط الأخلاقي وتعبيراً عن موت إنسانية الإنسان، وراح انصارهذه الحملة ينشرون مواد إعلانية ساخرة من موت الأطفال في مضايا،كأن ينشر أحدهم صورة له أمام مائدة فيها ما لذَّ وطابَ، مضيفاً عبارة سمجة" متضامن مع مضايا".
خلال تلك الأحداث الجسام وسنوات الحصار المر، أكتفى مجلس الأمن الدولي في أصدار قرار تقدم به الأردن ونيوزيلندا حول إدخال المساعدات الإنسانية للمشردين والمحاصرين داخل القطر السوري دون تفويض أو موافقة من النظام أو من سلطات الأمر الواقع. وقد اعتمد القرار 2258 بالإجماع والذي يطالب جميع السلطات في سوريا بفتح الطرق للسماح للمساعدات الإنسانية بالدخول دون إعاقة لإنقاذ حياة المشردين والمحاصرين داخليا. وطالب القرار كافة الأطراف، وعلى وجه الخصوص الحكومة السورية، بفتح ممرات آمنة عبر خطوط النزاع من أجل تأمين مرور المساعدات الإنسانية. ويجدد القرار لمدة سنة كاملة ما جاء في القرار 2165 (2014) الذي يطالب بإدخال المساعدات الإنسانية عبر مداخل الحدود الأربعة لسوريا دون إذن مسبق أو انتظار موافقة الأطراف المعنية بما فيها السلطات السورية.
وبين الفينة والأخرى يطل علينا مسؤول في تلك الدولة أو المنظمة الحقوقية بتقرير يتحدث فيه عن الفاجعة ويكتفي في الأمل والتمني.
لكن نظام الأسد لم يلتفت لكل هذه الضوضاء الإعلامية، مستفيداً من عدم جدية المجتمع الدولي في تطبيق هذا القرار.
مع استمرار تدفق سيل الصور والتقارير الواردة عن موت الناس جوعاً في القرن الحادي والعشرين بأبشع صورالإبادة الجماعية، في ظل استمرار ضمير الأسرة الدولية في ثباته العميق.
مجموعة أصدقاء سوريا في اجتماعها الذي انعقد في باريس حاولت إنعاش الضمير الإنساني فقررت أنه في حالة عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة عن طريق البر، فإن الدول المعنية ستشرع في إسقاط المساعدات التي تشمل الغذاء والدواء باستخدام الطائرات على المناطق المحاصرة داخل سوريا، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة.
وجد بشار الأسد نفسه في هذا المشهد وجهاً لوجه أمام ضغوطات منظمة الاغذية العالمية والمطلب الفرنسي الانجليزي،محملين بوابل من إنتقادات مارسها ناشطون ومؤسسات حقوقية وإعلامية حول العالم، فقرر قلب الطاولة وتجيير هذ الضجة الإعلامية والحقوقية لورقة تخدم سياساته، فما كان إلا أن أعلنت حكومة دمشق أنها وافقت على السماح بدخول المساعدات الإنسانية لإحدى عشرة منطقة محاصرة.
بذا حصل نظام دمشق على مشروعية دولية مفتقدة لهث وراءها، ذلك بأن أصرت مؤسسات الأمم المتحدة على مخاطبة حكومة الأسد بصفتها الحكومة الشرعية للبلاد بهدف الحصول على موافقتها على السماح بمرور قوافل المساعدات ضاربة عرض الحائط قرار مجلس الأمن الدولي الذي نص صراحةً على إدخال مواد إغاثية إلى المناطق السورية المحاصرة دون موافقة نظام دمشق.
والفائدة الثانية التي حققها نظام دمشق من خلال ذلك تسويق نفسه على أنه مهتم في التعاون مع منظومة المجتمع الدولي الإنسانية وأنه ملتزم بقرارات مجلس الأمن الدولي لكن من خلال مخاطبته كحاكم شرعي للبلاد برغم ما أهرقه من دماء وما فعله معول هدمه في الديار السورية.
من خلال ما تقدم يمكننا أن نقول:
المجتمع الدولي ممثلاً في منظمات الأمم المتحدة تعمد إدارة الصراع الدامي في سوريا دون البحث الفعلي عن حلول جذرية، واستخدمت القضايا الإنسانية أداة سياسية يضغط بها على الثوار السوريين للقبول بما يتم طبخه له في مطابخ السياسة الدولية، تجلى ذلك من خلال شكوى منظمة الأغذية العالمية وشقيقاتها الإنسانية من عدم إيفاء الدول بتعهداتها المالية لإغاثة اللاجئين والمحاصرين والمشردين، حتى وصل بهم الأمر إلى إعلان وقف تقديم المساعدات للاجئين في دول الجوار مثل الأردن، وتخفيض ما كان يقدم لبعض الأسر بسبب الشح المالي.
إصرار منظمات الأمم المتحدة على تقديم المساعدات عبر مؤسسات النظام سيما منظمة "الهلال الأحمر" السورية، متجاهلة أن هذه المنظمة هي في الحقيقة تتبع لوزارة الدولة لشؤون الهلال الأحمر وهي بالتالي جزء من حكومة دمشق التي تمارس الحصار والقتل والتجويع. كذلك التعاون مع منظمات محلية غير موثقة في بعض الدول الأمر الذي أدى إلى هدر الأموال التي جمعت من أجل اغاثة اللاجئين.
نستشهد بالسفيرالبريطاني في عمّان بيتر ميلت الذي غرد في تويتر "إنه من الجنون أن ترى المساعدات المقدمة للاجئين السوريين تباع في أحد المولات" حسب "القدس العربي".
كذلك يمكن الاحتجاج بما قاله فرحان في حق المتحدث باسم الأمم المتحدة للصحافيين "تشعر يونيسيف بقلق شديد إزاء تقارير عن عدم وصول بعض إمداداتها الإنسانية إلى وجهتها المقصودة." "رويترز"
يمكننا المضي قدماً بالقول أن سماح نظام دمشق للقوافل بالوصول كان بتوافق أمريكي روسي،لعدم إحراج المنظومة الدولية و منظمة الاغذية العالمية التي طالبت بإسقاط المساعدات جواً للمناطق المحاصرة. بما يعنيه هذا القرار من تكاليف مادية إضافية تترتب على استئجار طائرات وخدمات تشغيلية ودعم لوجستي بالتالي على المنظمة طلب هذه الأموال من المجتمع الدولي.
ويستخدمونها مادة إعلامية يتهربون بها من أسئلة الصحافيين والمنظمات الحقوقية عن موت الناس جوعاً في سوريا في القرن الحادي والعشرين، وعن منظومة الأخلاق والقيم الإنسانية التي حطمتها الهياكل الانسانية لأطفال داريا والمعضمية.
خلاصة القول إن السماح بدخول قافلة مساعدات هنا أو هناك لا يعني إنتهاء الحصار ووقف موت الاطفال جوعاً. والمجتمع الدولي غير جدي في وضع نقطة نهاية القتل.
 
ميسرة بكور – كاتب سوري