الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موسم الحصاد الأمريكي في سوريا… هل تنوي واشنطن استنزاف تركيا بجيش من الأكراد في الشمال؟

موسم الحصاد الأمريكي في سوريا… هل تنوي واشنطن استنزاف تركيا بجيش من الأكراد في الشمال؟

18.01.2018
هبة محمد


القدس العربي
الاربعاء 17/1/2018
دمشق – "القدس العربي": رفضت تركيا خططاً امريكية لانشاء قوة امنية حدودية شمال سوريا تهدد امنها القومي، تتشكل من 30 الف مقاتل قوامها الأساسي من الميليشيات الكردية او ما يسمى بـ "قوات سوريا الديمقراطية" حيث فاجأت واشنطن دولة تعتبر حليفة لها في الناتو، بقرارات جديدة، فيما سارعت أنقرة للرد بنبرة حادة على لسان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي وصف هذه القوات بالجيش الإرهابي ولم يكتفِ بذلك بل تعهد بمهاجمته ووأده في مهده، حيث ارسل تعزيزات عسكرية ضخمة إلى الحدود الجنوبية بانتظار ساعة الصفر للبدء بهجوم وشيك.
واشنطن التي اختارت هذا التوقيت اي بعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة، كونها ترى أنه حان وقت الحصاد وتريد أن تبلور نتائج دعمها وشرعنة المجموعات التي دعمتها على الأراضي السورية، بتشكيل قوة تحت مسمى جديد لإخفاء ماضي القوة السابقة، إلا أنه غاب عنها أن ذلك سيزيد من تقارب الأطراف الباقية المتشابكة في سوريا.
خبير في العلاقات الدولية قال لـ "القدس العربي" ان واشنطن تريد من هذه التوليفة الجديدة التي باغتت فيها انقرة وتجنبت مشورتها – كون تركيا هي المستهدف التالي بهذا المشروع بعد سوريا – شرعنة مشروعها وحماية المكتسبات والأراضي التي ورثتها عن تنظيم "الدولة"، لتقوم لاحقاً بإجبار باقي الأطراف على دعوة ممثلين عن التشكيل الجديد إلى طاولة "جنيف" باعتبار انه يسيطر على جزء كبير من الأراضي السورية، فحتى اليوم هذا التشكيل لا يمتلك أي شرعية، ولا يختلف قانونياً تواجده على الأراضي السورية عن تواجد تنظيم "الدولة" أو القاعدة.
اما عن تحول الصراع إلى مستويات جديدة، فكل الاحتمالات مفتوحة، فيما رأى الباحث في الشؤون التركية الروسية الدكتور باسل الحاج جاسم انه ليس من مصلحة واشنطن ان تفتح جبهة مع دولة تعتبر حليفة لها في الناتو في ظل هذا الاحتقان الإقليمي و الدولي ضد الولايات المتحده بعد قضية القدس، وبالتأكيد واشنطن لم تنسى تجربتها في العراق.
وعولت أمريكا طويلاً على عامل الوقت في سوريا لخلق واقع جديد، فواشنطن لا تعنيها المعارضة السورية ولا النظام، كما لا يهمها "جنيف ولا أستانة"، ما تريده واشنطن برأي الدكتور حاج جاسم الا يعرقل أحد مشروعها الذي لا علاقة لسوريا والسوريين به، مضيفاً "لو كانت جنيف تعنيها لرأينا أفعالاً وليس فقط اقوالاً، فلم يعد يخفى على أحد أن المسؤولين الأمريكيين مع كل جولة من محادثات جنيف يبدوأن بإطلاق الفقاعات الإعلامية بانهم يدعمون هذا المسار بينما على أرض الواقع وفي الساحة السورية يقومون بأمور لا علاقة لها بهذا المسار، وكذلك في محادثات استانة التي جمعت الأطراف صاحبة الكلمة الحقيقية على الأرض السورية روسيا تركيا إيران والطرفين السوريين "النظام والفصائل العسكرية المعارضة" الا ان واشنطن اختارت صفة المراقب "المتفرج" في هذا المسار، واليوم حان وقت الجني والاستثمار.
واشنطن لها مصالح كبيرة جداً بان تحتل منطقة في الشرق الأوسط، حيث ارتأت ان تكون منطقة شمالي سوريا التي يتواجد فيها الأكراد، هي الأنسب كي تعتبر قطعة جغرافية امريكية تحت الحماية الكردية، تنشئ فيها واشنطن قواعد عسكرية حيث تشكل هذه القاعدة منطقة لا سيادة حقيقية فيها الا لواشنطن، أي منفصلة عن اي تبعية أخرى وتضم قواعد عسكرية تشرف على القوات الروسية الموجودة في البحر المتوسط وتشرف ايضاً على المحيط الهادي وبالتالي فإن أمريكا تحقق الاشراف على اجزاء كبيرة في موقع مهم جداً، وتستحوذ على مكاسب من خلال النفط والغاز.
فقد لا تكون أمريكا جادة في خلق أجواء حرب حقيقية مع تركيا حسب ما قال المحلل السياسي محمد العطار لـ"القدس العربي" مضيفاً ان سياسة ترامب ومن قبله أوباما همشت تركيا بداية، ثم دعمت الانقلاب الذي حصل فيها بتاريخ 15 تموز 2015 ولكن تردد أمريكا في دعم الأكراد والعودة إلى دعمهم بأضعاف مضاعفة يدل على ان السياسة الأمريكية تجاه تركيا تعيش مرحلة عدم استقرار فأمريكا ترى ان من مصلحتها اجتزاء قسم من الأراضي السورية لها، ووضعه تحت سلطة الأكراد لما فيه من مصالح هامة لواشنطن، وبين الضغوط الأوروبية عليها لعدم فرض انفراط عقد حلف الناتو من خلال جعل تركيا تتصرف منفردة ضد مصالح الناتو أو بمواجهة حقيقية مع أمريكا.
ومن المستبعد أن تتأخر تركيا أو تتردد بضرب أذرع واشنطن والتي هي اليوم الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا والناتو… وسيكون ذلك برأي خبراء بدعم وغطاء الأطراف المعنية في سوريا وان كان بشكل غير علني، حيث اكد مصدر تركي مسؤول لـ"القدس العربي" ان تركيا جادة في تهديداتها ولن تتوانى عن ضرب الاهداف التي تهدد امنها وخاصة ان تلك القوات متواجدة في منطقة جغرافية بالغة الأهمية الاستراتيجة. وأضاف المصدر، أن الصدام الأمريكي – التركي هو امر مستبعد الا ان التوتر سيزداد، "فالدولتان من بين اعضاء الناتو وأصحاب تأثير في الحلف واي خلل جدي بينهما قد يؤدي للإطاحة بكامل الحلف".
وفي الاتجاه ذاته فإن الاستنزاف الذي يمكن ان تبدأ فيه واشنطن هو تسليح الأكراد بمضادات الطيران، والذي يضر بأمن تركيا القومي ويستهلكها عسكرياً، ويدخلها بمعارك طويلة، بيد ان قرار انقرة الجريء في دخول حرب شرسة جاء كونها تعي تماماً مخاطر ايجاد دولة كردية في جنوبها، مما يعني تقويض استقرارها وتحريك كامل الولايات التركية التي تضم غالبية كردية ما يؤدي إلى زعزعة امن المنطقة، كما انها مستفيدة من النفور السياسي بين روسيا وواشنطن والتقارب النسبي بينها وبين روسيا.