الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ثلاث دلالات في معركة حرستا

ثلاث دلالات في معركة حرستا

04.01.2018
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الاربعاء 3/1/2018
منذ اندلاع أولى المواجهات العسكرية بين جيش النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة حظيت إدارة المركبات، الواقعة في محيط بلدة حرستا على التخوم الشمالية الشرقية العاصمة دمشق، بأهمية استراتيجية كبيرة. وبعد الهجوم النوعي الذي نفذه الجيش الحر للسيطرة على الإدارة، في أواخر العام 2012، لم تنقض سنة دون محاولات مماثلة من جانب الفصائل للسيطرة على الإدارة.
ذلك لأنها الثكنة العسكرية الأضخم للنظام في الغوطة الشرقية، وهي تنبسط على مساحة 4.000 متر مربع تقريباً، وتؤوي وحدات النخبة من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، كما تحتوي مخازنها على كميات ضخمة من الأسلحة الثقيلة والمدفعية وراجمات الصواريخ والدبابات. وكانت منصة رئيسية لقصف معظم القرى والبلدات في الغوطة الشرقية، وبقيت بمثابة واجهة أولى للحصار الذي يفرضه النظام على ضواحي العاصمة منذ خمس سنوات.
وفي أواسط تشرين الثاني / نوفمبر الماضي أطلقت "أحرار الشام" معركة جديدة للسيطرة على إدارة المركبات، وتمكنت من تحقيق اختراقات ملموسة فكبدت جيش النظام خسائر جسيمة في الأفراد بينهم ضباط برتب عالية، وحاصرت العشرات منهم، كما نجحت في قطع الكثير من طرق إمداد النظام، وثمة تقارير تتحدث اليوم عن سقوط ما يقارب 60٪ من أقسام الإدارة تحت سيطرة الحركة.
ولعل الدلالة الأولى في هذه المعركة المفتوحة هي أن ما تبقى من جيش للنظام، في ريف دمشق ومحيط العاصمة على وجه التحديد، ما يزال بعيداً عن حسم معركة الغوطة، بل يبدو عاجزاً كذلك عن صد الهجمات المضادة. هذا بالرغم من أنّ وحدات النظام التي تنسحب أو تنهزم في هذه المعركة هي عناصر النخبة الأعلى تسليحاً وتدريباً وتمتعاً بالامتيازات الخاصة، وأن طيران النظام شنّ عشرات الغارات، كما استخدم المدفعية الثقيلة وصواريخ أرض ـ أرض. وهذا، أيضاً، رغم مشاركة ميليشيات "حزب الله" وعناصر "درع القلمون" في القتال إلى جانب وحدات النظام، وقيام القوات الروسية بتنفيذ عشرات الغارات والضربات الصاروخية انطلاقاً من قاعدة حميميم.
الدلالة الثانية هي أن "أحرار الشام" قد تكون أحرزت بعض النجاحات العسكرية في الميدان، ولكن لا يلوح أنها تقطف ثمارها السياسية بمستوى مماثل من النجاح. فالحركة، التي أطلقت العملية باسمها وعلى سبيل إعادة تأكيد وجودها العسكري في الغوطة، سرعان ما استبدلت البيانات بتوقيع "ثوار الغوطة الشرقية"، وذلك لإعطاء الانطباع بأن المعركة لا تخص الحركة وحدها، بل تستوجب مشاركة جميع الفصائل، وخاصة الإسلامية منها. وحتى الساعة لا يلوح أن هذا الغرض قد تحقق، لأن "جيش الإسلام" لم يشارك في القتال عملياً، ومشاركة "فيلق الرحمن" ظلت محدودة ورمزية.
الدلالة الثالثة هي أن اتفاقيات "خفض التوتر" بقيت حبراً على ورق، ولم تمنع النظام من مواكبة الحصار الخانق على الغوطة الشرقية بأعمال قصف وحشية للبلدات والمدن ذاتها التي تقع ضمن خارطة وقف إطلاق النار، كما لم تمنع فصائل المعارضة المسلحة من إطلاق الهجمات المضادة. وضمن هذه الدلالة لم يكن غريباً أن تكون موسكو هي صانعة تلك الاتفاقيات، وضامنتها، والجهة التي تخرقها عسكرياً، في آن معاً!
والدلالات مفتوحة، كما يبدو، على غرار المعركة ذاتها.