الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سلوم… قائد "النصرة" الذي فقده ريف حلب الشمالي

سلوم… قائد "النصرة" الذي فقده ريف حلب الشمالي

14.02.2016
وائل عصام



القدس العربي
السبت 13/2/2016
فقد ريف حلب الشمالي نخبة من قادته العسكريين في معارك الأسابيع الأخيرة، ينتمي كثير منهم لمدينة عندان إحدى معاقل الثورة منذ أيامها الأولى.
رحيلهم بدا كأنه نذير شؤم لقرى الريف التي حاصر النظام معظمها بعد ذلك، من هؤلاء الذين عايشناهم عن قرب، خلال عملنا الصحافي هناك في العام الأول للثورة، كان أبو صطيف محمد الأعور قائد كتيبة فجر الخلافة، وأبو جعفر سلوم قائد النصرة العسكري، الذي رحل قبل نحو أسبوع، شابين قياديين من شباب الريف الحلبي الطيب النقي، الذي بدأ ثورته بمظاهرات شعبية عارمة، قبل ان يضطروا لحمل السلاح، الذي لم يحملوه يوما الا للصــــــيد، ويشكلوا فصائل مقاتلة، كان جل تسليحهــــا في الايام الاولى يقتصر على بنادق الصيد والاسلحة الخفيفة، واجهوا فيها هجمات النظام على قراهم، وشيئا فشيئا كان يمكننا ملاحظة كيف تحول الكثير من شباب الثورة للانضمام للفصائل الاسلامية والجهادية، التي باتت تهيمن على السواد الاعظم من قوى الحراك الشعبي والعمل المسلح في الثورة السورية، ولعل ذلك عائد للدور الفاعل الذي لعبه شبان إسلاميون أو جهاديون في الحراك الشعبي أو العمل المسلح.
من الشباب الذين باتت لهم رمزية كبيرة في عندان منذ الايام الاولى للثورة، شاب جهادي هو احمد يوسف الجانودي، فقد تمكن هو ومجموعته الصغيرة من عندان، من صد توغل الجيش في قريتهم، في العام الاول للثورة، وببنادق صيد وبعض الاسلحة الخفيفة، ثم كان له دور كبير في اقتحام مدينة حلب برمضان 2012، عندما كان منضويا في لواء التوحيد مع القيادي الابرز في الريف الحاج مارع، ورغم ان الجانودي ومجموعته معروفون بانهم جهاديون يؤمنون بفكر "القاعدة"، الا انهم فضلوا الانضمام للواء التوحيد حينذاك، وبرغبة ملحة من الحاج مارع، الذي كان يريد لملمة صفوف الجماعات المقاتلة بدلا من تبعثرها كما حصل بعد ذلك، لم يكتب للجانودي لعب دور بعد دخول الثوار لحلب، فقد قتل في تلك المعارك، وانضم من بقي من مجموعته لجبهة النصرة.
احد هؤلاء الشباب الذين انضموا لجبهة النصرة هو ابو جعفر سلوم، القائد العسكري للنصرة، الذي قتل قبل ايام قليلة، بعد ان خلف القيادي ابو ابراهيم سلامة الذي انتقل لمهنة اخرى في النصرة، وهو ايضا عرف بسمعته الطيبة وشجاعته الفائقة في المعارك، ابو جعفر سلوم كان من اكثر الشخصيات المحبوبة التي يجمع عليها اهل عندان، ادبه الجم وتواضعه جعلاه محط ثقة وتقدير الكثير من شباب الثورة، الذين اجتذبهم لفصيله، وبما أنه كان مدرسا للقرآن ايضا، فقد درس على يديه الكثير من عناصر وقيادات الفصائل الاخرى في دورات كان يقيمها مجانا.
تميز ابو جعفر بعلاقاته الطيبة مع كل الاطراف، حتى مع تنظيم الدولة الذين بدأت خلافاتهم الداخلية مع الجولاني في تلك الايام، قبل انفصال الفريقين، ورغم ذلك ظل بيت ابو جعفر مكانا للقاءات وحوارات تجمع بين رفاقه السابقين في تنظيم الدولة وعناصر النصرة، وكثيرا ما قال ابو جعفر إن اصل عائلته قد يعود للعراق، لذلك لا فرق لديه ابدا بين البلدين، ولا بين فصيلين من سوريا او العراق. وفي احد الايام شهدنا احد تلك الحوارات التي ادى فشلها لاحقا للتمهيد لصدامات مسلحة بين الفصيلين، اللذين ربما افتقرا لاشخاص مثل ابو جعفر قادر على جمعهم وتذليل خلافات سياسية اكثر منها شرعية او عقدية، وهذا ما كنا نلاحظه في تلك الجلسات التي حضرها يوما مؤيد سلوم مراسل قناة "الاورينت"، ليدور نقاش عنيف عن الخلافات بين النصرة والدولة الاسلامية، وكعادته ينجح ابو جعفر في التهدئة، ولكن في مرحلة لاحقة وبعد احتدام الخلافات والاقتتال بين الدولة والنصرة باتت عناصر النصرة والدولة اكثر عداء لبعضهما بعضا من اي فصيل اخر ربما! حينها كان مهند سلوم مراسل قناة "الاورينت" شقيق ابو جعفر قد تعرض للاعتقال على يد تنظيم الدولة على طريق الكاستيلو في حلب، ولم ينجح ابو جعفر في اطلاق سراح شقيقه مهند من قبضة رفاق الامس، واخوة المنهج الذين كانوا ضيوفا شبه دائمين في منزله!
ورغم ذلك امتنع ابو جعفر عن اطلاق مواقف عدائية او متشنجة، حيث كان يريد دوما تركيز جهود الفصائل نحو قتال النظام، وهذا ربما ما اعتمد كنهج للنصرة في ريف حلب الشمالي، عندما تحاشت قتال تنظيم الدولة وانسحبت من المواقع التي قد تضعها في مواجهته، وكذلك فعل رفيقه الاخر من عندان، المقرب من الجهاديين ابو صطيف الاعور، قائد كتيبة فجر الخلافة، التي كانت تضم كثيرا من المقاتلين الشيشانيين، بينما انخرطت معظم فصائل الريف بقتال التنظيم، ضمن خطة المنطقة العازلة المدعومة امريكيا وتركيا، لنصل لهذا اليوم الذي تركت فيه الفصائل امام قوات النظام التي تقدمت وحاصرت معظم الريف الشمالي، وبعد ان كانت الوحدات الكردية تقاتل تنظيم الدولة مع تلك الفصائل، انقلبت تلك الوحدات الكردية على فصائل الحر وتحالفت مع النظام واحتلت مطار منغ بالامس، ثم تواطأت مع مقاتلي نبل والزهراء الشيعيتين فجر اليوم، وهاجمت من الخلف مقاتلي الفصائل المرابطين في مقالع الطامورة قرب عندان، وانزلت بهم غدرا مجزرة حقيقة، لتسيطر على مقالع الصخور بالطامورة المطلة على عندان، تلك المقالع والمرتفعات الاستراتيجية التي طالما قاتل ابو جعفر سلوم فيها وحافظ عليها حصينة من اي تقدم لمقاتلي نبل والزهراء، نحو بلدته عندان على مدى الاربع سنوات الماضية.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"