الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تفجر البركان الإيراني

تفجر البركان الإيراني

06.01.2018
بكر صدقي


القدس العربي
الخميس 4/1/2018
بقدر ما فاجأتنا حركة الاحتجاجات القوية في إيران، بقدر ما كانت متوقعة أيضاً. فالتوقع لا يتضمن الجواب على أسئلة متى وكيف؟
ثمة بلد كبير منغلق على نفسه بواسطة نظام شمولي ذي إيديولوجيا دينية متشددة، منذ نحو أربعين عاماً، ومتدخل بنشاط في محيطه الجغرافي، في آن معاً. مجتمع مكبوت بقوة الأجهزة القمعية وإرهابها، والإيديولوجيا الدينية ـ المذهبية – القومية، مقابل نظام تدخلي ذي طموحات امبراطورية توسعية قائمة على أساس مذهبي. في حين أنه، أصلاً، ذي بنية امبراطورية متعددة القوميات والأديان والمذاهب، بنظام لا يعترف بهذا التعدد، بل يبقيه معاً تحت الضغط القمعي وحده. فإذا أضيفت المصاعب الاقتصادية، سواء تلك الناتجة عن تدهور أسعار النفط، أو عن الحصار الاقتصادي القاسي الذي لم يكسره الاتفاق النووي، أو عن الكلفة الباهظة للحروب الإقليمية التي تخوضها ميليشيات موالية بالوكالة عن إيران، وتجلت في تضخم منفلت وبطالة مرتفعة وفساد الجماعات المرتبطة بمركز النظام.. اكتملت عوامل انفجار اجتماعي كبير شهدنا قمع أقرب بروفا له في العام 2009، حين خرجت مظاهرات كبيرة احتجاجاً على تزوير الانتخابات الرئاسية لمصلحة محمود أحمدي نجاد الذي كان مقرباً من مركز السلطة، ولي الفقيه علي خامنئي.
غير أن الموجة الحالية التي مضى على بدايتها أسبوع واحد، تبدو أكثر راديكالية بكثير من "الثورة الخضراء" التي كانت "ثورة" من داخل النظام تهدف إلى إصلاحه لا تغييره. في حين أن حركة الاحتجاجات الواسعة اليوم، ترفع شعارات تستهدف نظام ولاية الفقيه مباشرة، وتنبئ بالإطاحة بحكم الملالي إذا ما قيض لها النجاح.
ويأتي توقيت الاحتجاجات الشعبية حساساً أيضاً في ظل "عقيدة ترامب" التي ارتسمت في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وتضع في هدفها تقويض النظام الإيراني من خلال مواجهة نفوذه الإقليمي بصورة رئيسية. ولا بد أن حركة الاحتجاجات التي لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في الدعوة لها وتنظيمها، ليست على جهل بهذا الاستهداف الأمريكي، وربما تأمل بالاستفادة منه لضرب النظام في أصعب أوقاته. من غير أن تفقد، بسبب ذلك، من مشروعية تحركها. وهذه هي نقطة ضعف الحركة الاحتجاجية، من وجهة نظر النظام وإعلامه ومناصريه في إيران والاقليم، خاصة مع صدور موقفين أمريكي وإسرائيلي داعمين لفظاً للحركة الشعبية المناهضة للنظام.
وهكذا يتكرر المشهد ذاته الذي بات مألوفاً لنا منذ الثورة الخضراء في 2009، مروراً بثورات الربيع العربي، وثورة حزيران 2013 في تركيا: شارع محتقن وجد فرصة مؤاتية للمطالبة بالتغيير، على أرضية أوضاع لا تطاق تراكمت منذ عقود في ظل أنظمة متكلسة متعفنة. والرد واحد من قبل تلك الأنظمة جميعاً: رفض المطالب الشعبية، وقمع الحركة الاحتجاجية، ثم المزيد والمزيد من القمع، وصولاً إلى تفخيخ المجتمع بمنظمات إرهابية واستدراج التدخل العسكري من قوى ودول خارجية، وتحويل البلد إلى ساحة حروب أهلية أو إقليمية أو كليهما معاً. وإذا كانت تونس استثناء من هذا المسار المأساوي، فلم تفلت مصر من عملية وأد ثورتها العظيمة بواسطة انقلاب السيسي، وتم تخريب المسار الثوري في كل من ليبيا واليمن بعد الإطاحة بالعائلتين الحاكمتين. أما في سوريا، فقد "صمد" نظام البراميل والكيماوي ولم يخطر في باله لحظة واحدة التنحي والفرار على طريقة بن علي، للحفاظ على "الدولة ومؤسساتها" على ما صدع الروس رؤوسنا، نحن السوريين، قاصدين بهما الأسرة الحاكمة وأجهزة بطشها.
لا أحد يتمنى لإيران أن تمضي في تكرار هذا السيناريو المدمر ذاته، ربما باستثناء الإدارة الأمريكية وإسرائيل. لكن ردود فعل النظام على حركة الاحتجاجات لا تبشر بالخير. فهو يتهم المحتجين بأنهم أدوات للخارج، وبإطلاق النار على قوات الأمن (كذا!) وبتخريب الممتلكات العامة. في حين يبدو من افتتاحية جريدة الأخبار الصادرة في بيروت، والممولة من إيران، كأن هناك اتجاهاً داخل النظام يميل إلى تقديم الرئيس حسن روحاني "المعتدل" كبش فداء لامتصاص الحركة الاحتجاجية بقدر أقل من الدماء. فهي تكاد تصف الحركة الاحتجاجية بأنها محقة، وتعيد سبب هذا الغضب الشعبي إلى أن الاتفاق النووي لم يؤد إلى النتائج المأمولة منه فيما خص رفع العقوبات الاقتصادية. فوفقاً لهذه الوصفة يصبح "مهندس الاتفاق النووي" حسن روحاني هو سبب كل بلاء أصاب عامة الشعب. بالمقابل كان ولي الفقيه علي خامنئي يعلن رفضه للاتفاق قبل توقيعه. وهكذا تمنح وصفة "الأخبار" مخرجاً محتملاً من أزمة النظام، على الأقل في اللحظة الراهنة.
لكن الإيرانيين يعرفون، كما يعرف غير الإيرانيين أيضاً، أن رئيس الجمهورية في النظام السياسي في إيران لا يعدو أن يكون شبيهاً، إلى حد ما، برئيس الوزراء في أنظمة حكم دكتاتورية يمسك الرئيس فيها بجميع الصلاحيات المهمة، تاركاً للحكومة ورئيسها سلطة تنفيذية لتوجيهاته، تقتصر غالباً على الشؤون الخدمية.
السوريون المعارضون الذين شتتتهم الحرب في مشارق الأرض ومغاربها لا يخفون ابتهاجهم بما يدور في شوارع المدن الإيرانية، يصدرون غالباً عن مشاعر أقرب إلى الشماتة بنظام الملالي الذي قاتل في سوريا، بواسطة الميليشيات الشيعية المستوردة، للحيلولة دون سقوط النظام الكيماوي، وربما بأمل ساذج في أن تؤدي حركة الاحتجاجات إلى الإطاحة بالنظام الإيراني، وإلى انسحاب إيران من مسارح تدخلاتها الإقليمية، وضمناً سوريا.
في حين يجدر بهم إظهار التعاطف مع حركة شعب يطالب بالحرية، كحال السوريين أنفسهم قبل سبع سنوات، بصرف النظر عن تأثير ذلك على توازنات القوى في سوريا.