الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أين تقف تركيا في الصراع الدولي على سوريا؟

أين تقف تركيا في الصراع الدولي على سوريا؟

11.03.2018
محمد زاهد جول


القدس العربي
السبت 10/3/2018
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وإلغاء حلف وارسو وتزامن ذلك بمحاولة أمريكا استغلال إخراج الجيش العراقي من الكويت عام 1990، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في ذلك العام بدء نظام عالمي جديد.
ورأى المحللون السياسيون منذ ذلك الوقت وبعده، انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، التي امتدت في العقود التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكن فشل أمريكا في إدارة العالم الجديد بمفردها، أو قيادة النظام الدولي الجديد، غيّر النظرة للنظام العالمي الجديد، والعجز عن قيادته من دولة واحدة، مهما بلغت قوتها، فأمريكا فشلت بسبب تهورها وارتكابها الكثير من الأخطاء، ومنها تورطها بحروب لا مبرر لها في أفغانستان عام 2001، وفي العراق عام 2003، ما أدخلها في أزمات اقتصادية وعسكرية وسياسية لم تستطع تجاوزها حتى الآن، وهذا فتح المجال أمام الدول المنافسة لترفع رأسها، وبالأخص روسيا والصين. كما سعت دول أخرى إلى تطوير قدراتها السياسية والاقتصادية والصناعية الذاتية، لتلعب دوراً سياسياً واقتصادياً أكبر في إقليمها، إن لم يكن على المستوى الدولي، مثل الهند والبرازيل وتركيا وغيرها.
هذه الدول أخذت تدعو إلى إيجاد نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، كما يدعون، وربما كانت القيادة الأمريكية متفهمة لذلك، كما في عهد الرئيس السابق أوباما، لكن مجيء دونالد ترامب غير الصورة، ودفع إلى محاور صراع دولي جديد، هي اليوم مجسدة في العديد من المناطق مثل، أوكرانيا والبحر الأسود وسوريا وشمال إفريقيا وكوبا وغيرها، فأمريكا ترامب رفعت شعار "بناء أمريكا قوية كما كانت في الماضي"، وهذا فتح باب الصراع الدولي من جديد أو الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، وبين أمريكا والدول الكبيرة إقليمياً لإيقاف نهضتها داخلياً، أو تحجيم دورها ونشاطها الخارجي. وما تواجهه تركيا اليوم من تحديات داخلية وخارجية لا يخرج عن هذا الصراع الدولي، سواء بمشاريعه التخربية داخل تركيا، أو بفتح أزمات وصراعات خارجية، وبالأخص على حدودها الجانبية مع العراق وسوريا والمنطقة، فالصراع الدولي على تركيا بدأ قبل الحرب العالمية الأولى، وبقي مستمراً حتى اليوم، والفارق بينهما أن تركيا اليوم صاحبة القرار، ولا تسمح بالصراع الدولي داخل حدودها، ولكنها ما زالت تعاني منه على حدودها الخارجية بسبب الحروب المشتعلة فيها، كما في سوريا والعراق.
إن أكبر التحديات التي واجهتها تركيا داخلياً في السنوات الأخيرة، لم تكن إلا أذرعا للمشاريع الخارجية، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية، فالانقلاب العسكري الأخير في يوليو 2016 لا يمكن إبعاد أمريكا عنه، و85% من الشعب التركي، بحسب استطلاعات رأي، يتهمون أمريكا ومعها بعض أجهزة مخابرات دول أوروبية، ثم ما تبع ذلك من تدخل أوروبي ضد الاستفتاء على التعديلات الدستورية في إبريل 2017 شاهد آخر، وأشدها ضراوة العدوان الأمريكي الصارخ على أرواح أبناء الشعب التركي وعلى الأمن القومي التركي معاً، بتقديم أمريكا السلاح لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الشعب التركي منذ نصف قرن تقريباً، وقد قتل منه آلاف الأبرياء وهو يعمل مجندا بأيدي الاستخبارات الغربية وبعض أدواتها في المنطقة.
أكبر الأخطاء الأمريكية نحو تركيا هو محاولتها استغلال الصراع في سوريا لتثبيت وجود عسكري لها فيها، على غرار الوجود الروسي في طرطوس وحميميم، فهذا الحلم الاستعماري جعلها تتحالف مع الأحزاب الإرهابية، حتى لو أضرت بعلاقاتها الاستراتيجية مع حليفها التركي، وهذا خطأ كبير في السياسة الأمريكية نحو الشعب التركي والجمهورية التركية، لأنها ترتبط معها بعلاقات استراتيجية لأكثر من قرن من الزمان.
إن الاستراتيجية التي وضعها الرئيس الأمريكي ترومان بعد الحرب العالمية الثانية لمساعدة تركيا وحمايتها من الأطماع السوفييتية وقتها، ينبغي ألا يضيعها تحالف صغير مع أحزاب إرهابية داعشية أو كردية أو مع ميليشيات إيرانية تائهة أو غيرها، فحتى لو كانت أمريكا تتطلع لتقاسم النفوذ مع روسيا على الأراضي السورية، وهو توجه خاطئ من أصله، فينبغي ألا يكون سببا للتفريط بتعاونها الاستراتيجي مع تركيا، فروسيا لا تستطيع البقاء في سوريا إذا توفرت للشعب السوري فرصة طرد الاحتلال من أراضيه، فوضع روسيا في سوريا يمكن أن يكون أسوأ من وضع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، ولا بد ان تعلم روسيا ذلك، وهذا سينطبق على أمريكا أيضاً، فرسم خرائط جديدة بأيدي المستعمرين لن ينجح هذه المرة، كما لن تستطيع فرض دستور على الشعب السوري يضمن مصالح المستعمرين الجدد، فمن أخطاء روسيا في سوريا أنها تحالفت في عدوانها على الشعب السوري، مع عدو الشعب السوري وهو الجيش الإيراني وحرسه الثوري وميليشياته الطائفية، وكل محاولات أمريكا لتقاسم النفوذ مع روسيا سيفشل، وستتم معاملته من قبل الشعب السوري على انه احتلال خارجي لا يختلف عن الاحتلال الاستعماري بعد الحرب العالمية الأولى.
من الغريب أن تكون أخطاء أمريكا في سوريا مشابهة لأخطاء روسيا فيها، فروسيا من أجل تثبيت نفوذها وتحقيق أطماعها في سوريا تحالفت مع أعداء الشعب السوري مثل إيران وميليشياتها في سوريا ولبنان، وهؤلاء راحلون عنها، وبشار لن تقوم له قائمة في سوريا كما كان في الماضي، لأن تقاسم النفوذ الدولي الروسي والامريكي يقوم على أساس بقاء الرئاسة السورية جثة هامدة لا قيمة لها، أي ان تقاسم النفوذ بين أمريكا وروسيا لن يبقي للأسد ولا لإيران أي دور فيها، إلا كحرس لخدمة القواعد الروسية والأمريكية، وامريكا زادت على ذلك استخدامها الأحزاب الكردية كجنود مرتزقة لحماية قواعها العسكرية التي تزيد عن عشرين قاعدة عسكرية معظمها في الشمال السوري، وهؤلاء المرتزقة، سواء كانوا كردا أو عربا لا حول لهم ولا قوة إلا بالدعم العسكري الأمريكي، وبالتالي فهم ورقة على طاولة التفاوض الأمريكي الروسي أولاً، وهم ورقة على طاولة التفاوض الأمريكي التركي أيضاً.
تركيا تدرك أنها في ظل هذا الصراع الدولي على سوريا والمنطقة، أمام تحدي الحفاظ على دولة الجمهورية التركية بكامل حدودها وأراضيها ووحدة شعبها ووحدة نظامها السياسي ووحدة وطنها ووحدة علمها، وبقاء مشروعها النهضوي سائراً في طريقه، وبحسب المخطط له حتى عام 2023، والنموذج الذي فتحته تركيا للشعب السوري في عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" واضح المعالم، هو طريق في التعامل مع الصراع الدولي على سوريا، وهو تمكين الشعب السوري من حكم مدنه وقراه بنفسه وبكفاحه وتضحياته لطرد المحتلين الغرباء منها وإعادة أهلها إليها، وهذه الخطة نجحت في عملية "درع الفرات" وهي في طريقها للنجاح في "غصن الزيتون"، فدفاع الشعب السوري عن أرضه ومدنه وسيادته سيبقى الطريق الوحيد لإخراج المحتلين وطرد المتقاسمين على ما لا يملكون، وستبقى تركيا يدا ممدودة لمساعدة الشعب السوري، بكل طوائفه وقومياته ومذاهبه، بشرط ألا يضع أحد نفسه مجرد طعم في المصائد الدولية، التي تسعى لسرقة سوريا وليس تقاسم النفوذ فيها فقط.
كاتب تركي