الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من سوتشي إلى الرياض إلى جنيف: ماذا عن العروسين؟

من سوتشي إلى الرياض إلى جنيف: ماذا عن العروسين؟

02.12.2017
بكر صدقي


القدس العربي
الخميس 30/11/2017
بدأت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، الثلاثاء، في غياب وفد النظام الكيماوي الذي وافق، لاحقاً، على الحضور المشروط يوم الأربعاء. وكان هذا الوفد قد أرجأ السفر إلى جنيف "احتجاجاً على الشروط المبطنة الواردة في بيان الرياض، والكلمات النابية بحق الحكومة والقيادة السورية، والقراءة الاستنسابية لقرار مجلس الأمن رقم 2254، إضافة إلى عدم تمثيل كل المعارضات في الوفد الموحد" حسبما نقلت صحيفة الوطن لصاحبها رامي مخلوف، ابن خال بشار الكيماوي وأمين بيت مال عائلة الأسد المالكة لسوريا.
والحال أن النقلة التي شكلها مؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية، بالقياس إلى مؤتمرها الأول ـ الرياض 1، هي في استدخال منصة قدري جميل الروسية ـ الأسدية داخل جسم المعارضة، مقابل استبعاد من وصفهم لافروف بـ"المتشددين"، والتفاوض بدون شروط مسبقة، مع محاولة التغطية على هذا الانحدار بتكرار عبارة "ضرورة مغادرة الأسد مع بداية المرحلة الانتقالية" كلازمة لا بد منها للإيحاء بأن الجسم الجديد لـ"المعارضة" ما زال متمسكاً بثوابت الثورة السورية.
وأضافت "الوطن" إن الاتصالات بين مكتب دي مستورا ودمشق وموسكو نجحت في إقناع دمشق بالمشاركة، بعد حصولها على ضمانات بألا يتم التطرق إلى بيان الرياض2 ومضمونه، وألا تكون المفاوضات مباشرة، وأن تتمحور حول سلتي ديمستورا بصدد الدستور والانتخابات.
إذا صح ما نقلته هذه الصحيفة، فنحن أمام مفاوضات بدون شروط مسبقة من طرف المعارضة فقط، مقابل "سلة" متكاملة من الشروط المسبقة من طرف النظام، تبدأ باستبعاد أي مفاوضات مباشرة مع المعارضة، كما يأمل المبعوث الأممي، من شأن حصولها أن تنطوي ضمناً على اعتراف النظام الكيماوي بها، ولا تنتهي عند التدخل في تشكيلة الوفد المعارض.
الواقع أن مسيرة الانحدار قد بدأت منذ أواخر العام الماضي، مع تسليم حلب للنظام، بعد حصار قاس استمر طوال شهور، مترافقاً مع قصف متواصل بالبراميل الأسدية، بنتيجة توافقات روسية ـ تركية واستسلام "المجتمع الدولي" أمام البلطجة الروسية. وقد بدأت روسيا، منذ ذلك الوقت، بتركيز دبلوماسيتها الحربية على مسار جديد للمفاوضات في استانة، أثمر "مناطق خفض التصعيد" الأربع، من غير أن يعني ذلك وقف قصف النظام (وروسيا) لتلك المناطق. وها هي اليوم مفاوضات جنيف الثامنة تنطلق في الوقت الذي يستمر حصار الغوطة الشرقية وقصفها بالبراميل والصواريخ، مع حديث عن هدنة مؤقتة قد تبدأ اليوم. نعم، فقط هدنة مؤقتة في منطقة اتفق على خفض التصعيد فيها! و"الراعي" الروسي للتسوية المزعومة يبرر قصف الغوطة وحصارها بوجود عناصر لـ "تنظيم الدولة" (داعش)، يعرف العالم كله أنه غير موجود فيها.
هناك من يبررون التنازلات المطردة التي تقدمها المعارضة، تحت ضغط القوى الإقليمية والدولية، بذريعة الواقعية السياسية. أي بضرورة الاعتراف بانتصار النظام وحلفائه في الصراع العسكري، وعدم وجود خيارات بديلة. وضمناً بالقول إن المسألة السورية قد خرجت من يد السوريين، وباتت رهن تفاهم دول منخرطة في الصراع. على صحة كل ذلك، لماذا إذن تمارس تلك الدول كل هذه الضغوط على المعارضة لتستسلم للحل الروسي؟ لماذا لا تكتفي بالاتفاق فيما بينها لوضع حل يناسبها تفرضه على السوريين من غير حاجة إلى أخذ موافقتهم؟
يشبه الأمر، إلى حد كبير، عقد زواج بين شاب وفتاة، بناءً على توافق مصالح أهلي العروسين، من غير اهتمام برأي هذين الأخيرين اللذين قد لا يطيقان العيش معاً. فعلى رغم عدم اكتراث الأهل برأيي ابنهما وابنتهما، يحتاج عقد الزواج إلى موافقتهما حتماً. ولا يمكن أن يتم بغير هذه الموافقة. كذلك هي الحال بالنسبة لـ"الحل الروسي" الذي يريد من المفاوضات أن تعيد إنتاج نظام السلالة الأسدية الذي ثار عليه الشعب السوري منذ سبع سنوات، بعدما بات تحت الوصاية الاستعمارية الروسية ـ الإيرانية.
يمكن للمعارضة، إذن، أن ترفض التوقيع على عقد الإذعان، وتترك الحل للدول: تفضلوا تزوجوا أنتم.
ومن المحتمل أن المعارضة، برغم تطعيمها بمنصات تابعة للمخابرات الأسدية، لن تحتاج أصلاً إلى قلب الطاولة، ما دامت "نشوة النصر" كفيلة بأن يفعلها النظام الكيماوي نفسه، كما حدث بعد عودة بشار من سوتشي ليتحدث نظامه عن موافقته على "انتخابات تشريعية" فقط، وكما حدث حين رفض ـ في البداية ـ المشاركة في جولة جنيف، بسبب ذكر مغادرة الأسد في بداية المرحلة الانتقالية في بيان الرياض 2. وكما يواظب على رفض أي مفاوضات مباشرة مع وفد المعارضة، سواء في هذه الجولة أو الجولات المقبلة التي يبدو أنها ستتوالى إلى ما شاء الله.
الواقع أن النظام ليس وحده، أو مع إيران، من يراهن على مواصلة الحرب المفتوحة حتى الحصول على استسلام كامل ممن تبقى من السوريين. بل حتى روسيا التي تظهر استعجالها للحل السياسي، لكنها تواصل الحرب لكسر إرادة العدو.
وإذا عدنا إلى شهر أيلول/سبتمبر عام 2016، سنتذكر كلام وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري أمام معارضين سوريين التقى بهم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد قال لهم بدون أن يرف له جفن إنه سيتم تدمير المعارضة العسكرية خلال بضعة أشهر ما لم توافقوا على الانخراط في العملية السياسية. وكان، في كلامه هذا، يضرب بسيف روسيا التي "انتصرت" مع تابعها الكيماوي، بعد شهرين، على حلب، وأطلقت بعد ذلك مسار آستانة، وتعد العدة، الآن، لمسار ثالث في سوتشي، بمباركة إيران وتركيا، في الوقت الذي يتكفل فيه بشار الجعفري بإفشال جولات جنيف، وصولاً إلى "ليلة الزفاف" الأسدية.
هل سيكون لروسيا وإيران ما يريدان من عقد زواج إذعان بين السوريين وجزارهم، في غياب أي دور أمريكي وأوروبي وعربي؟
حتى لو حصل ذلك بيد معارضة مفبركة، سيبقى هناك سوريون يصرخون: "زواج عتريس من فؤادة باطل" كما في فيلم "شيء من الخوف" للمخرج المصري حسين كمال.
 
٭ كاتب سوري