الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف وصلت الأسلحة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"؟

كيف وصلت الأسلحة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"؟

08.03.2018
صادق الطائي


القدس العربي
الاربعاء 7/3/2018
طويت الصفحة العسكرية من المواجهة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي في العراق، وتكاد تطوى في سوريا، ولم يبق للتنظيم سوى بعض الجيوب المتناثرة هنا وهناك.
البعض ركن إلى هذه النتيجة وقد تنفس الصعداء وحمد الله على هذا الإنجاز، وربما حاول الكثيرون تناسي العاصفة الهوجاء التي ظهرت مثل سحابة مارد سوداء، نفخ فيها مصدر مجهول فتعملقت في غضون أسابيع، ليظهر للوجود "كيان مسخ" اسمه "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بمساحة تفوق دولا أوروبية كالنمسا أو البرتغال أو المجر. كيان عاش خلف ستار حديدي من التعتيم على ما يجري داخله من قتل وترويع، ونمط حياة فرض على سكان مدن شرق سوريا وغرب العراق، يحاول القائمون عليه أن يقلدوا حياة القرون الوسطى.
ثم ومع العمليات العسكرية أخذ هذا الكيان بالتآكل والذوبان، وصولا إلى الاختفاء التام، مخلفا مدنا من ركام ومقابر جماعية وملايين المهجرين في مخيمات الإيواء. ولفهم ما حصل يجب أن ندرس ونمحص ونفرز الأدلة المتوفرة لفهم ما حصل كي نتمكن من الوقوف بوجه الارهاب مستقبلا.
في ندوة في لندن بعنوان "خطر الإرهاب وتنامي ظاهرة التطرف" نظمتها سفارة جمهورية العراق في المملكة المتحدة، تحدث الخبير العسكري الفريق وفيق السامرائي عن الجانب العسكري من موضوع إرهاب "الدولة"، وأشار إلى نقطة مهمة، إذ ذكر أن التنظيم وطوال ثلاث سنوات من المعارك الكبيرة لم يعان من شح الأسلحة والعتاد، وهذا أمر خارق للعرف العسكري، الذي تعلمه الأكاديميات العسكرية، حيث تعاني الجيوش عادة من نقص الأعتدة والأسلحة مع مرور الوقت في المعارك المستمرة. ثم بين السامرائي أن لذلك معنى واحدا فقط وهو "أن إمداد التنظيم الارهابي بالاسلحة والاعتدة لم ينقطع حتى الساعات الأخيرة من الاشتباكات، وأوضح دليل على ذلك، الكميات الكبيرة من الأسلحة والأعتدة التي غنمها الجيشان العراقي والسوري بعد المعارك التي خاضاها ضد التنظيم".
وبما أن الجميع يعلم أن الأراضي التي تشكل منها الكيان المزعوم هي أراض داخلية، أي ليس هناك منفذ بحري لكيان "الدولة الاسلامية" المزعوم، إذن لابد من مرور شحنات الاسلحة والاعتدة والتموين عبر أراض مجاورة، وهي الأراضي العراقية أو السورية أو الأردنية أو التركية، لأن هذه الدول هي التي تشكل الطوق المحيط بالكيان، كما بات من المعلوم لكل مراقب لتطورات الصراع في المنطقة، أن التنظيم الإرهابي سيطر على آبار بترول ومناطق أثرية، وهاتان المادتان تحديدا (البترول والآثار) شكلتا أهم ما كانت تهربه شبكات متخصصة تتعامل مع الإرهابيين، مقابل واردات الكيان الإرهابي، وأهمها الأسلحة وسيارات الدفع الرباعي التي استخدمها مقاتلو التنظيم بشكل لافت في قوافل وأرتال تحركاتهم.
أما أهم مصدر يمكن الركون إلى موضوعيته ومهنيته بخصوص مصادر تسليح "داعش" فقد تمثل في تقرير استغرق أعداده ثلاث سنوات، أصدره "مركز أبحاث الصراعات المسلحة" (CAR) وهو مؤسسة غير حكومية مقرها المملكة المتحدة، تحقق وتتعقب توريد الأسلحة التقليدية والذخائر والأعتدة العسكرية في مختلف النزاعات الدولية، وقد بين التقرير الذي صدر في ديسمبر 2017 بمئتي صفحة الكثير من مصادر تسليح التنظيم الإرهابي، التي كانت بنسبة كبيرة منها ذات منشأ شرقي، أي صنعت في الصين ودول أوربا الشرقية أو روسيا ووصلت بطرق مختلفة إليه.
ويمكننا أن نقرأ تعجب داميان سبليترز مدير عمليات (CAR) في سوريا والعراق والمؤلف الرئيسي للتقرير الصادر عندما يذكر: "لا يمكن تخيل السرعة التي تنتقل بها بعض الأسلحة بعد تصديرها إلى ترسانة "داعش". مثال ذلك صاروخ مضاد للدبابات من صنع بلغاري تم بيعه في ديسمبر 2015 للولايات المتحدة الأمريكية، حيث قدمت بلغاريا أنابيب قاذفات صواريخ مضادة للدبابات إلى الجيش الأمريكي من خلال شركة هندية تدعى "كيسلر بوليس سابلاي"، وبعد 59 يوما عثرت الشرطة الاتحادية العراقية على ما تبقى من تلك الأنابيب بين عتاد "داعش" بعد معركة في مدينة الرمادي العراقية".
ويذكر بعض المحللين والخبراء أن كميات كبيرة من أسلحة الجيش العراقي والسوري سقطت بيد "داعش" عندما انسحبت القوات العسكرية من المدن التي احتلها التنظيم، وهذه نقطة تحظى باهتمام خبراء (CAR) الذين تحركوا بصحبة قوات محلية منخرطة في قتال "داعش"، وهي بشكل رئيسي قوات حكومية في العراق وقوات كردية في شمال سوريا، ودرسوا كل ما تم الاستيلاء عليه أو خلفه "داعش" وراءه في المناطق المحررة، حيث كانوا متواجدين في مناطق النزاع من معارك كوباني شمال سوريا 2014 حتى تحرير الموصل 2017، وقد صوروا ووثقوا الأسلحة التي تركت من قبل التنظيم، ووثقوا الأرقام التسلسلية المحفورة على الأسلحة وصناديق الاعتدة، التي مكنتهم من تتبع مناشئ هذه المنتجات، وكشف ما اذا كانت من أسلحة الجيش العراقي أو السوري، التي غنمها التنظيم سابقا؟ أم انها شحنات جديدة وصلته بطرق أخرى؟
وقد توصل خبراء مركز (CAR) في تقريرهم إلى معلومات مهمة مفادها أن "مستوردين مهمين مثل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية هم الزبائن المهمين الذين اشتروا هذه الاسلحة والاعتدة من منتجي الأسلحة الاوروبيين الشرقيين، وهؤلاء الزبائن لم يحترموا لوائح تجارة السلاح العالمية التي تشترط عدم تحويل صادرات الأسلحة إلى طرف ثان. فقد أمدت الجهات التي اشترت الأسلحة مختلف التنظيمات والميليشيات المسلحة المعارضة للنظام السوري بالأسلحة والاعتدة، ولا أحد يعلم كيف انتقلت هذه الأسلحة والاعتدة بعد ذلك من التنظيمات المدعومة امريكيا وسعوديا واماراتيا إلى تنظيم "داعش". هل غنمها التنظيم في معاركه ضد هذه التنظيمات؟ هذا ما لا يكشفه التقرير وبالتالي لا أحد يعلم كيف وصلت هذه الأسلحة إلى "داعش" بشكل مؤكد.
ويشير داميان سبليترز الخبير العسكري الدولي المختص من فريق (CAR) إلى ما اسماه الجسر الجوي لنقل الاسلحة والاعتدة، أو كما وصفه في التقرير بـ"أنبوب الأسلحة الذي يمتد من المصنعين في اوروبا الشرقية إلى العربية السعودية ليصل إلى منطقة النزاع". وقد شمل ذلك قذائف وقنابل هاون وإطلاقات رشاشات متوسطة وبنادق كلاشنكوف ومسدسات أوتوماتيكية وقاذفات وأنظمة مضادة للصواريخ قدرت قيمتها بـ 1.2 مليار يورو، تم تصديرها إلى منطقة الحرب وقد غنم الجيش العراقي جزءا كبيرا منها في مدينة القائم غرب العراق بعد تحريرها.
من ناحية أخرى استخدم تنظيم "داعش" صواريخ وفرتها الولايات المتحدة ربما بطريقة تخالف الاتفاقيات الموقعة مع الجهات المصنعة لهذه الصواريخ. وبحسب ما أوردته صحيفة "واشنطن بوست" في يوليو2017، فقد أوقفت إدارة الرئيس ترامب عملية سرية لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) لتسليح المعارضة السورية المعتدلة لمواجهة النظام. ولم يتم الإعلان عن نوعية الأسلحة التي قامت الإدارة الأمريكية السابقة بتقديمها لتلك الفصائل المعارضة، لكن باحثي "مركز أبحاث الصراعات المسلحة" ( CAR) اكتشفوا أسلحة متنوعة في العراق اتضح أن الولايات المتحدة قامت بشرائها وإرسالها إلى الفصائل المعارضة في سوريا. مثال ذلك، اكتشف الباحثون وجود صواريخ "بي جي 9 – 99 ملي" كان الجيش الأمريكي، قد اشتراها من مصانع سلاح رومانية عام 2013 و2014، وقد انتشرت في الأراضي السورية والعراقية، وقد تمكن تنظيم "داعش" من تعديل تلك الصواريخ لاستخدامها ضمن قاذفاته، ما أدى إلى زيادة قدراته في مواجهة الدبابات والعربات المدرعة.
ورغم أن مقاتلي التنظيم خسروا معظم الأراضي، وتبخر كيانهم المزعوم، بيد أنهم اكتسبوا خبرة كبيرة في التعامل مع الأسلحة، فهل سننتبه إلى خطورة ذلك في المستقبل؟ وهل ستعرف الشبكات العالمية التي دعمت الإرهاب وتدفع ثمن الخراب الذي تسبب به الارهابيون؟