الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يسير حافظ بشار الأسد على خطى أبيه وجده؟

هل يسير حافظ بشار الأسد على خطى أبيه وجده؟

19.07.2018
نزار بولحية


القدس العربي
الاربعاء 18/7/2018
من يعرف ما تخفيه الأيام؟ حتى إن كانت قضية سوريا الآن أكبر مليون مرة من مسألة خروج فتى من قفص الأسرة أو بقائه فيه، فهل لن يكون ذلك مهما في وقت لاحق، عندما ترتب أوراق المرحلة الجديدة التي ستبقى فيها السلالة الأسدية، وبغض النظر عن طبيعة التطورات التي ستحصل في المشهد السياسي، كالندبة التي لن تمحى سريعا من وجه سوريا؟
لعل من لم يعاصر حافظ الأسد سيرى في المستقبل، وفي أكثر من موضع من سوريا ولو بعضا من آثاره. ولعل من لم يشهد ما فعله بشار بشعبه، سيدرك من نظرة سريعة إلى ما خلفته سنوات حربه المجنونة من خراب ودمار وكوارث إنسانية مريعة من يكون ابن حافظ. لكن هل سيكون من العدل أيضا لمن لم يعرف بعد حفيد حافظ أن يجزم من الآن وبيقين بات لا يقبل الدحض أو التشكيك بأن ذلك الغصن سيكون فعلا من تلك الشجرة؟ كل ما يسمع عن الشاب الذي لم يتخط ربيعه السادس عشر بعد، هو انه يظهر في بعض المناسبات الاجتماعية والرياضية مطوقا من قريب، أو من بعيد بحرس النظام، ومراقبا على مدار الساعة داخل سوريا وخارجها.
لقد كتب عليه أن يظل مرتبطا إلى يوم الدين بجده حافظ وأبيه بشار وسلالته التي تستمر في حكم سوريا منذ أكثر من اربعين عاما بالحديد والنار. لم يحصل ذلك لمجرد أن رغبة الوالد اقتضت أن يتطابق اسمه مع اسم الجد المؤسس لدولة آل الاسد، بل لأنه رضي أم لم يرض صار حسابيا واحدا من ورثة تلك الدولة الأسرة. إن ذلك هو قدره الذي لن يستطيع حتى إن رغب في ذلك أن يفر منه أو يتجاهله أو يشطبه نهائيا من الوجود. فليس بإمكانه أن يصنع هوية أخرى غير تلك التي صنعتها له الأقدار، أو أن يتقدم للسوريين أو غير السوريين يوما ما بشهادة تثبت تخليه الكامل عن كل روابط الانتماء الدموي أو الأسري، أو تبرؤه النهائي منها. لكن هل يعني ذلك أن حافظ بشار الاسد سيبقى مقيدا كامل حياته ومسجونا في قفص شخصيتين مرعبتين، ارتبط جزء من التاريخ السوري المعاصر بهما، ولن يكون قادرا بتاتا على أن ينحت معالم شخصية خاصة ومستقلة تكون بعيدة كل البعد عن مدلولات اسمه وإحالاته الذهنية والسياسية المستفزة للكثيرين؟ ألن يكون في حكم الوارد أو الممكن مثلا أن يشق طريقا مغايرا تماما ومختلفا عن طريق جده وابيه؟ أم انه لابد أن يكون وبالضرورة اسما على مسمى ونسخة طبق الأصل منهما، ولن يجد مفرا من أن يقتفي أثرهما ويسير على نهجهما، متى كانت الظروف والفرص مناسبة له لفعل ذلك؟ لطالما رددنا طويلا المثل العربي الشهير "من شابه أباه من ظلم" ولطالما قلنا عن ابناء الزعماء والرؤساء والقادة إنهم طغاة مصغرون أو أنهم مستبدون تحت الاختبار، ولطالما نظرنا لهم أيضا على أنهم جزء لا يتجزأ من بنية النظام، إن لم يكونوا هم عصبه ومحركه الأساسي.
قد نكون فعلنا ذلك في فورة غضبنا ونقمتنا ويأسنا من أن يحدث تغيير حقيقي من داخل النظام. ولعل بعضنا كان يبرر مثل تلك الأفكار بأن الأمر بالنهاية سيان، وأنه لا وجود على الإطلاق لأي فرق أو اختلاف بين أي فرد من العائلة التي تحكم صغيرا كان أم كبيرا، ذكرا أم أنثى، وأنهم كلهم وعن بكرة ابيهم أشبه بالعرق الفاسد الذي لابد أن تتطهر الأرض من دنسه وظلمه وجوره. ومع ذلك فقد كنا وما زلنا نردد الآية الكريمة "ولا تزر وازرة وزر أخرى" ولا نرى حرجا أو تناقضا بين فهمنا وإدراكنا لها، ومساواتنا بين الاباء والابناء والأحفاد، ووضعهم جميعا في سلة واحدة ومحاكمتهم محاكمة جماعية لا وجود فيها لقرائن براءة أو حقوق دفاع عن أفعال قد لا يكون لبعضهم ناقة فيها أو جمل، بل حتى عن نوايا شريرة نتوقع أن تكون قد خطرت ببالهم، أو انهم عقدوا العزم عليها.
ربما كنا محقين قليلا أو كثيرا في بعض الحالات التي تورط فيها الابناء بشكل فج وواضح في متاهة السياسة، كما في حالة ابناء مبارك والقذافي وصالح مثلا، لكن اي منطق يجعلنا نطبق الأمر نفسه على صبي أو فتى يافع ونضعه في قفص الاتهام ونجعله مسؤولا ولوعن جزء من الخراب والدمار والفظاعات التي حصلت في سوريا، لمجرد أن اسمه حافظ بشار، ونأخذه بجرائر جده وأبيه، حتى إن كان لايزال في مرحلة يصعب فيها أن يكون قادرا على التمييز بين الحق والباطل، أو معرفة الخطأ من الصواب، فضلا عن أخذ الموقف والقرار المناسبين، أو التفكير مثلا في الانشقاق عن والده، أو التأثير عليه حتى يعدل سياساته أو يغيرها؟ ألا يجعلنا ذلك نناقض أنفسنا بأنفسنا ونمنح المستبد والسفاح والمجرم فرصة للنجاة بنفسه والتشكيك بعدالتنا وثورتنا والتحصن من جديد وراء شعارات المؤامرة الكونية التي تستهدف النيل منه؟ لقد بدت نبرة التشفي في فشل المتسابق السوري الأبرز في أولمبياد الرياضيات في رومانيا هذا العام، كما وصفته الصحافة، في الحصول على نتيجة مشرفة غير مفهومة بالمرة. ووصل الأمر ببعض المعارضين للنظام في سياق تعليقهم على تذيله ترتيب المتسابقين، إلى وصفه بالحيوان حافظ بشار الأسد، وبأنه أغبى شاب في العالم وصرخ احدهم "بطلوه من المدرسة وعلموه مصلحة تنفعه". لكن الغريب هو أن لا أحد تقريبا تساءل عن موقع ذلك الشاب ودوره وعما يمثله في تراجيديا سوريا، وهل أن الشتائم التي يكيلها له ستفيد الثورة السورية المغدورة أم لا؟ لقد استعاد الكثيرون سيرة بشار الذي لم يظهر ميلا واضحا للسلطة، ولم يكن مرشحا أصلا لخلافة والده و"لم يتوقع يوما أن يصبح زعيما لسوريا"، وكان على حد وصف معاصريه شخصا "مهووسا بالمذاكرة وخجولا وغير طموح وغير مهتم بالسياسة" مثلما كتبت ذلك صحيفة "أوبزيرفر" في افتتاحيتها قبل أيام، ووجدوا أن التاريخ لا بد أن يعيد نفسه على شكل كارثة جديدة يكرر فيها الابن فعلة الأب، حتى إن كانت الظروف غير الظروف والزمن غير الزمن. لكن ألم يكن الأجدى أن يترك الوقت للوقت كما كان يردد الرئيس الفرنسي الراحل ميتران؟ فمن بيده أن يجزم الان بما سيحمله الغد؟ ومن بإمكانه أن يعرف كيف ستنتهي فصول التراجيديا السورية، وعلى أي سيناريو ستستقر ثم كيف سيكون لاحقا موقف الابن من أفعال أبيه؟
ربما كان مثال حفيدي ستالين اللذين توفيا منذ سنوات قليلة بالغ الدلالة. ففيما كان يفغيني دوخاشفيلي مدافعا عن إرث جده، فضل الكساندر بوردونسكي اسم والدته حتى يتجنب ربط اسمه بستالين. ومن يعرف لعل ابن السفاح وحفيد المجرم يختار غدا طريقا اخر حتى إن بقي اسمه حافظ بشار الاسد!
كاتب وصحافي من تونس