الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فصل جديد من مسرحية جنيف… اختلاف مفاهيم السلام

فصل جديد من مسرحية جنيف… اختلاف مفاهيم السلام

14.12.2017
ميسرة بكور


القدس العربي
الاربعاء 13/12/2017
جنيف ثمانية مجرد حلقة من ضمن حلقات مسلسل طويل فاق المسلسلات التركية والمكسيكية، حسب المعطيات التي بين أيدينا لا ضوء في نهاية النفق.
لو أردنا أن نقيم جنيف في مشهده الحالي، علينا النظر إلى مقدماته في الغوطة الشرقية ودير الزور والبوكمال شرق سوريا حيث سقط أكثر من 160 قتيلا خلال 72 ساعة التي سبقت المباشرة في مسرحية جني، ويمكننا اضافة تأخر وفد تنظيم دمشق حضور الجلسة الافتتاحية والحضور في اليوم التالي، تعبيراً عن امتعاضه من بيان الرياض الذي أكد على ترحيل بشار الأسد وزمرته في بداية العملية الانتقالية. يضاف إلى جملة العوامل هذه رغبة موسكو بإعلان الانتصار من مؤتمرها في سوتشي الذي تدعمه تركيا وتحرص على انعقاده.
سلوك تنظيم دمشق المشار اليه ليس سلوك نظام يريد الحل أو الانتقال أو فكر بالتخلي عن أي جزء من اجزاء السلطة.
لماذا يصر السيد دي ميستورا على القفز فوق الاستحقاقات وترتيبها المنطقي، ولماذا يصر دي ميستورا ومن خلفه موسكو على مناقشة موضوع الاصلاحات الدستورية واجراء انتخابات شفافة على حد زعمهم، يشارك فيها كل السوريين، وهنا نسأل هل بشار الأسد وتنظيمه هم ضمن السوريين المفترض بهم الترشح والانتخاب.
ومن ثم كيف لنا أن نتحدث عن انتخابات واصلاح دستوري وليس كتابة دستور جديد، قبل الاتفاق على الانتقال السياسي دون تنظيم بشار الأسد.
وماذا عن العدالة الانتقالية ومحاكمة مجرمي الحرب في سوريا؟
كان مؤتمر الرياض فرصة في غاية الأهمية أتاحتها المملكة العربية السعودية، للتيارات المعارضة ومنصاتها المتقاربة والمتباعدة والمصنعة في موسكو ومنصاتها، لتشكيل وفد واحد موحد يحمل على عاتقه ثوابت الثورة ومقارعة تنظيم بشار الأسد بوفد واحد يتحدث باسم جميع السوريين الرافضين لحكم تنظيم الأسد والميليشيات الداعمة له متعددة الجنسيات.
لكن للأسف لم يحصل هذا بل خرجنا بوفد محاصصة ومساومة ومحسوبيات، ولم نخرج بوفد يعبر عن الثورة، وسؤال آخر يضاف إلى جملة التساؤلات التي طرحت حول بيان الرياض ووفد المعارضات، لماذا تمت إعادة تكليف نصر الحريري رئيسا للوفد هل هي مكافأة له على فشله في جنيف السابق، أم لأنه مجرد واجهة للوبيات ومراكز القوة في الفصائل المعارضة بعيداً عن التمسك بالثوابت وبعيداً عن ما قيل عن تشكيلة هذا الوفد وبيانه الختامي الذي قالوا فيه إنهم متمسكون بالثوابت وبرحيل الأسد في بداية العملية الانتقالية، لكنهم قبلوا الولوج في جنيف ثمانية "دون شروط" ارضاءً لموسكو، وقبلوا أن تكون سوريا "غير مركزية" ارضاءً لواشنطن وموسكو الداعمتين للتنظيمات الكردية المتطلعة لإنشاء ادارة كردية خاصة بهم، وهذه الموافقة غير المعرفة فتحت على المعارضة والثورة أبواباً لن يستطيعوا أن يخرجوا منها مع العلم أن حكومة تنظيم دمشق تعتمد اللامركزية عن طريق ادارة المحافظات والبلديات ومجالس المدن، قد يقول قائل المعارضة لا تحتاج لوضع شروط فقرارات مجلس الأمن 2254 والقرار 2218 وبيان جنيف في حال تطبيقها تعتبر انتصارا عظيما، ونحن نقول نعم صحيح لكن إن تم تطبيقها وعدم الالتفاف عليها.
اعتقد أن المحاصصة والمساومة التي نتج عنها وفد الهيئة العليا للمفاوضات لن تفلح في شيء ومكتوب لها الفشل، وأعتقد أن اختيار نصر الحريري كواجهة "للوبيات" ومن خلفه خالد المحيميد وجمال سليمان، اضعف من الوفد وحظوظه في تحقيق أي خرق وهو "نصر الحريري" لا يتمتع بشخصية قيادية ولا حنكة سياسية وسبق له أن وافق على سلال دي ميستورا الاربع، وقبل ايضاً قبل أن يتراجع عن ذلك ببقاء الأسد في الفترة الانتقالية.
لست اعتقد أن جنيف في مشهده هذا سيؤدي إلى نهاية النفق المظلم، في ظل وجود منافس جديد سوتشي الروسية واستانا المدعومين بالدول الضامنة تركيا إيران روسيا لا تنتظروا شيئا من جنيف ومن وفد المحاصصة المفاوض حالياً.
يمكنكم النظر إلى ما نشرته صحيفة الوطن "شبه الرسمية" أن دي ميستورا تعهد للأسد بأن المفاوضات ستكون حول السلتين الثانية والثالثة المتعلقتين بالدستور والانتخابات فقط مع استبعاد السلتين الأولى والرابعة المتعلقتين بشكل الحكم المستقبلي والانتقال السياسي ومكافحة "الإرهاب".
"السلال الأربعة" أقر مؤتمر جنيف 4 الذي عقد في 23 شباط/فبراير الماضي
المُقدمات التي قدمها تنظيم بشار الأسد وحليفه الروسي رأينا نتائج صنيعها في دير الزور والبوكمال والغوطة الشرقية "160 ضحية" مقدمة لجنيف الحالي التي تشير بما لا يدع مجالا لشك مشكك أنها رسالة واضحة ارسلها الأسد وحليفه الروسي برغبتهم الواضحة لإفشال المفاوضات مهما كانت السلال الموضوعة على طاولة حوار دي ميستورا.
"جنيف 8" ناقش، موضوعي الدستور والانتخابات، وهل المشكلة في سوريا هي مشكلة دستورية بالأصل، أم المشكلة كلها في تنظيم الأسد الذي يعتبر نفسه فوق الدستور وأعلى من القانون.
الوفد الذي تشكل في الرياض يحمل في جنباته بذور ضعفه، خاصة مع اختلاف فصائله وأعضائه حول عدد من القضايا الجوهرية والمصيرية مثل الموقف من الأسد والآليات الدستورية وشكل سوريا المستقبلي والإدارة اللامركزية، والموقف من الجيش والفصائل الأمنية وأهم مشكلات الوفد هي تشكيله على أساس المحاصصة والمحسوبيات.
الأرض في سوريا كانت دائماً ممهدة للسلام منذ بداية الثورة السورية سنة2011، ولكن جرى تعطيل الحل السياسي وتسوية الأزمة من جانب الأطراف الدولية التي رفضت دائمًا حلها وتذرعت بوجود جماعات إرهابية في سوريا.
اليوم ومع نهاية تنظيم الدولة الإرهابي الذي كان يحمل المجتمع الدولي فشله أوعدم رغبته في الحل، فلم يبق أي مشجب اوذريعة أمام المجتمع الدولي لتسويغ تخاذله والأبواب مشرعة على مصراعيها كما كانت دائماً أمام العالم للسعي المباشر والحقيقي لوقف شلال الدم السوري وتطبيق قرارات مجلس الامن ذات الصلة خاصة المتعلقة بعملية هيئة الحكم.
 
مشكلة تحديد المفاهيم
 
المشكلة الواضحة والمستمرة في سوريا هي الاختلاف الكبير في تفسير المفاهيم والمصطلحات كمصطلح السلام والتسوية السياسية، حيث يفسرها كل طرف في سوريا حسب رغبته وأهدافه.
فالسلام من وجهة نظر حكومة دمشق هي المفاوضات التي تنتهي ببقاء بشار الأسد الذي لا يفكر حاليًا في الرحيل على الاطلاق ويعتقد وحلفاؤه الروس والإيرانيون أنهم يمكنهم تحقيق السلام الذي ينشدونه بطريقة واحدة فقط الحسم العسكري وسحق المعارضة، وهي وجهة نظرورغبة إيرانية تدعمها بقوة موسكو، بقاء الأسد في سدة الحكم وانتصار محورها وتنظيماتها العابرة للحدود.
البعض يقول إن روسيا غيرت نظرتها للأمور في سوريا حيث أصبحت لا تصر على بقاء الرئيس السوري في السلطة وأنه يمكن تغييره بشخصية أخرى من داخل الحكومة السورية وهذا ما أظهرته المباحثات والتصريحات الصادرة عن الرئيس فلاديمير بوتين خلال الفترة الأخيرة، بقوله إن موضوع بشار الأسد قابل للنقاش، ودعمه جنرالاته بالقول إنهم سيخفضون من تواجدهم العسكري في سوريا، قبل التراجع عنه بخطاب مخالف. القوات الروسية لن تنسحب من سوريا فى المدى المنظورحتى القضاء على كامل المسلحين.
على المقلب الآخر من المشهد المعارضة "الثورية" السورية تنظر إلى السلام والتسوية السياسية من جانب آخر بعيد كل البعد عن وجهة النظر الأسدية الروسية الإيرانية، وهو تنفيذ القرارات الأممية وتحقيق العدالة الاجتماعية، والانتقال السياسي الكامل حسب قرارات مجلس الامن وبيان جنيف 1 الذي يشُكل وفقه مجلس حكم انتقالي في البلاده ووقف كل الأعمال العدائية من جانب الأسد وحلفائه واطلاق سراح المختطفين قسرا، وهذا ما تؤيده الدول المحبة للسلام العادل وكذا الثورة السورية.
 
كاتب وباحث سوري