الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل حقق مؤتمر سوتشي ما كان يصبو إليه؟

هل حقق مؤتمر سوتشي ما كان يصبو إليه؟

10.02.2018
فايز العباس


القدس العربي
الخميس 8/2/2018
تحت يافطة كبيرة سماوية اللون وبعنوان بات حلما اسمه "السلام للشعب السوري" وبتوافق مع تركيا وإيران ومتابعة جدية من قبل الأمم المتحدة وبتماشٍ مع بيان الدول الخمس،لعبت روسيا ورقتها السياسية الأبرز حتى الآن بإدارتها مؤتمر الحوار الوطني السوري، والعنوان الذي استندتُ إليه ليس سوى إشارة لعدد المشاركين في وفدي المعارضة السورية والنظام السوري، والواضح من الرقمين الفارق الكبير بين من حضر لتمثيل الثورة ومن حضر لتمثيل النظام المجرم.
فهل نجح مؤتمر سوتشي؟ للإجابة عن السؤال سأتعمد تقسيم المشهد لمجموعة عناصر بحيث يتضح بكليته:
أولا- الرقم 1292: استثمر النظام في وفده على كافة الأصعدة حيث أوفد للمؤتمر شرائح واسعة من الموالين له معتمدا كافة التقسيمات المذهبية والعشائرية والاجتماعية والنخبوية والدينية، وتقصّد تصدير صور موجهة إعلاميا استعمل فيها حاشيته لإيصال مجموعة من الرسائل أهمها:
ركز على صور مجموعة من الفنانين والفنانات الذين يمتازون بالهبوط الأخلاقي والوضاعة بحيث يظهر للشارع المعارض أن هؤلاء هم الأنداد الذين سيحاورون المعارضة، محاولا بذلك تسخيف الوفد المعارض وإظهاره بمستوى وضيع لا يستحق أكثر من هذه الفئة، غير أنه وقع في مطب أخلاقي إعلاميا حيث أنه في النهاية إنما يصدّر مرآته وواجهته الأخلاقية. فظهر الوفد بهذه الواجهة الرثة وفدا هزيلا استهزأ به جمهوره الموالي قبل جمهور المعارضة، ولكنه أيضا نجح في تأليب جمهور المعارضة على المشاركين باسمه كما هو الحال في كل المرات التي أوفدت فيها المعارضة من يفاوض باسمها.
أوفد في الخلفية للواجهة التي ذكرتها نخبا سياسية واجتماعية وأكاديمية بحيث يضمن أن يكونوا ضمن أي جسم ينتج عن هذا المؤتمر وقد نجح في ذلك حيث أن الأسماء التي احتوتها قائمة اللجنة الدستورية خالية من الأشخاص الذين كانوا في الواجهة محل سخرية الطرفين وهذا مما يحسب له سياسيا.
عمل النظام على لَي ذراع المعارضة من خلال التأكيد على أن مرور أي قرار يجب أن يكون بالتصويت، ولأن نسبة المشاركة غير متكافئة سيضمن تمرير كل ما يودّ، مما أدى لانسحاب وفد المعارضة الذي كان قد أخذ ضمانة روسية بأن يكون تمرير البنود بالتوافق بين أعضاء اللجنة الرئاسية وليس بالتصويت، وعليه رضخ الجانب الروسي لرؤية المعارضة وطلب متابعة الجلسة مع الوعد بألا يمر أي بند دون موافقة وفد المعارضة، وتحقق ذلك فعلا حيث أن البيان الختامي الذي صدر هو البيان الذي كتبه وفد المعارضة رغم عملية التصويت الصورية التي تمت، وكانت هذه أهم صفعة تلقاها وفد النظام الذي شعر أن الكفة مالت لصالحه من خلال عملية التصويت.
ثانيا- الرقم 101: على عكس النظام قاطعت أغلبية المعارضة المؤتمر تحت ضغوط متنوعة لا يخفى أن أمريكا كانت وراءها، حيث تم حشد جمهور المعارضة ضد المؤتمر لأسباب كثيرة أهمها وفي صدارتها عدم رغبة أمريكا أن يكون الحل بيد الجانب الروسي وتحالفه التركي الإيراني، وعدم وجود رغبة أصلا للحل في المرحلة الراهنة، وقد نجحت في منع الأكثرية من المشاركة، وكان ذلك واضحا من خلال التصويت الذي أجرته هيئة المفاوضات برئاسة نصر الحريري والذي نتج عنه رفض 26 عضوا من أصل 36 مع ترك الباب مفتوحا للمشاركة الشخصية بعيدا عن تمثيل الهيئة، وتعالت نبرة التخوين بحق كل من يشارك من المعارضة وهذا أسوأ ما وصلت إليه الحالة السورية، حيث صارت لفظة "خائن" دارجة ومتداولة منذ بدايات جنيف وصولا إلى سوتشي دون أي اعتبارات للواقع السوري المتأزم خلال السنوات السبع، والتوصيف هنا على الشكل التالي:
تم التعويل على العسكرة خلال السنوات السابقة، وفي ذروة الغلبة العسكرية للمعارضة تم خذلانها من قبل كافة الداعمين مما أدى إلى وصولها لأدنى درجات الضعف، وما التدخل الروسي وسيطرته على الأرض سوى تأكيد على خنق الحالة المسلحة للثورة، وفرض الهيمنة التي باتت أمرا واقعا لايمكن معه والحالة كما هي أن يحقق الجيش الحر أي تقدم بعد تقهقره وإصابته بداء الارتهان للخارج من جهة، والفصائل التي شيطنت العمل المسلح بمجهود دولي تحت رايات لا حصر لها ولا عدد من جهة ثانية.
الرغبة الدولية للحل معدومة بينما الرغبة الروسية للخروج من أزماتها الداخلية متاحة للحل بأسرع ما يمكن، وهنا كان على المعارضة الاستثمار بهذه الحاجة الروسية والتواصل معها باعتبارها الطرف الفاعل الأقوى على الأرض، ومحاولة تحصيل المكاسب الممكنة لإيقاف رحى الموت التي يرزح تحتها الشعب السوري عموما، والمناطق الثائرة على وجه الخصوص.
كان على المعارضة التوفيق بين غضب جمهور الثورة الذي غذته بعض الأطراف الدولية تجاه أي حل يتم بالتواصل مع روسيا ومحاولة تجنيب الشعب السوري في الداخل المزيد من الدم "وهو أسمى ما يمكن فعله في الوقت الراهن"، وكان فشلها في ذلك قد أدى لضغط إضافي أرعن من قبل روسيا تمثل في الحملة الأخيرة على إدلب، وهنا ينتقد المعارضون بأن روسيا استعملت العصا والجزرة وهذا صحيح، ولكن من وجهة نظر ثانية كان يمكن أن نوفر الكثير من الدم السوري لو تمت المشاركة، واستطاعت المعارضة فرض رؤيتها من خلال توسيع قائمة المشاركين، والضغط على الطرف المؤثر حاليا وهو روسيا، والتوصل معها إلى رؤيا توافقية، ولأن ذلك لم يحصل تقلّص وفد المعارضة لعدد قليل لم يسلم وجوده من حملة التخوين المعهودة.
محاولة تسجيل مواقف ترضي الشارع المعارض المتواجد خارج سوريا على حساب القابعين تحت خط النار في حالة مزاودة مجانية لم تثمر، حتى أن وفد السيد الطعمة الذي ارتجل موقفا لم يوفّق ولم ينجُ من كيل التهم والتهكم والمزاودات.
استطاع وفد المعارضة على قلته عدديا أن يفرض رؤيته على المخرجات.
ثالثا- سوتشي: هل حقق سوتشي ما كان يصبو إليه؟ مرة ثانية هذا السؤال هو الأهم في كل ما دار على مدار الفترة الماضية منذ الإعلان عن سوتشي حتى طرحه مخرجاته الثلاثة، ويستطيع القارئ غير النمطي أن يجد الإجابة لهذا التساؤل، وذلك من خلال العودة إلى ما تمت المصادقة عليه وتسليمه للسيد ديمستورا ليكون جزءا من مقررات جنيف والمتضمن:
البيان الختامي الذي ينص بشكل واضح على أن أي حل في سوريا سيكون تحت مظلة جنيف ومخرجاته وتحت سقف القرار 2254 لمجلس الأمن، البيان الذي صاغته المعارضة بالتوافق مع الجانب الروسي، ولابد من الإشارة إلى أنه للمرة الأولى يكون النظام طرفا في إصدار بيان يتضمن تعريته وموافقته على الاحتكام لمقررات جنيف على أساس للقرار 2254 دون قدرته على الاعتراض عليه، كما تضمن بناء جيش وطني، مما يحيل إلى انتهاء صلاحية الجيش المجرم وعدم إعادة تصديره كما يدعي البعض ممن يشكك بالبيان، علما أن ما تم الترويج على أنه البيان الختامي والمتداول على صفحات النظام عار عن الصحة، والبيان الفعلي منشور على صفحة وزارة الخارجية الروسية.
رسالة المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني والتي تؤكد أيضا على "التسوية على أساس القرار 2254، وعلى أن المشاركين يتشاطرون هدفا واحدا يتمثل في إعادة السلم والرخاء للوطن والتعايش بسلام بعيدا عن العنف والإرهاب بكل أشكاله ومظاهره"، والواضح من الرسالة ميلها لإنهاء الصراع والإرهاب، وعبارة "بكل أشكاله ومظاهره" لا تستثني إرهاب النظام وجيشه.
اللجنة الدستورية: وهي أهم ما نتج عن المؤتمر، حيث تم ترشيح 180 اسما من المعارضة والنظام، وتم رفع القائمة إلى جنيف ليصار إلى اختيار لجنة من ضمن هذه الترشيحات تكون مناصفة بين المعارضة ممن حضر وأيضا ممن لم يحضر والنظام وستباشر عملها في إطار جنيف، مما يعني أن المؤتمر في الحدود الدنيا حقق ما عقد لأجله، ولو أنه ظهر إعلاميا على عكس ذلك، ويظل الحكم الحقيقي عليه مرهونا بالقادم من الأيام.