الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من هو النبَّاش الأول؟

من هو النبَّاش الأول؟

30.08.2016
الطاهر إبراهيم


القدس العربي
الاثنين 29/8/2016
جرى مجرى الأمثال على ألْسنة العامة وحتى المثقفين، لفظ النباش الأول. ولا بأس أن نعرّف هذا الاسم لمن لا يعرفه. وإذا كان الميت له قدسية عند الناس قاطبة، فقد اعتُبِر من يسيء إلى الأموات أنه أساء إساءة لا تغتفر عند من يبادر بالقول: اذكروا محاسن موتاكم. فالنباش الأول هو حارس مقبرة كان ينبش قبر من قبر حديثا فيخرجه من قبره ويخلع عنه كفنه ويعيده عاريا إلى قبره. تقول الرواية أن هذا الحارس مات فخلفه ولده الشاب وكان مطلعا على ما كان يفعله والده، ففعل مثل ما كان يفعل، غير أنه كان يترك الميت عاريا فتأكله الوحوش.
تذكرت هذه القصة وأنا أتابع مأساة السوريين منذ أكثرمن خمس سنوات في معظم مدن سوريا التي دأبت الطائرات السورية على قصفها ببراميل عمياء لأنها تسقط سقوطا حرا من الطائرة التي تقصف المدن والقرى. بصورة أشد كانت الطائرات الروسية العملاقة تقصف مدينة حلب وغيرها من البلدات حتى لكأنها تريد أن تنتقم من البشر والحجر في سوريا.
إذا استنكرنا على من يخرج الميت من قبره ويسلبه كفنه فإننا أشد استنكارا للذي يقتل البريء، فالمثل يقول:الحي أبقى من الميت،خاصة إذا كان القتل بالجملة. فالقاتل أولى بمسمى "النباش". تعالوا نستعرض الذين أساؤوا إلى السوريين من الزعماء فاستحقوا اسم النباش الأول.
حافظ الأسد كان أول نباش قبور عندما قبر في حكمه عشرات آلاف السوريين في مقابر جماعية في صحراء تدمر وفي غيرها بموجب قانون الذبح 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام لمجرد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين. وجاء من بعده وريثه بشار الأسد فكان نباشا آخر.
في بداية عهده حاول بشار أن يلمّع صورته، خصوصا في خطاب القسم. بعد ذلك نسي ما جاء في الخطاب عندما رأى أن هناك شخصا اسمه رفيق الحريري، الزعيم السني اللبناني، يحاول أن ينتقص من الهالة التي حاول أن يرسمها لنفسه فحرض على قتله حيث تم اغتياله في شباط/فبراير عام 2005.عندما قامت الثورة السورية في آذار/مارس2011جاءت الفرصة تمشي على رجليها إلى بشار الأسد ليصبح أكبر نباش قبور في سوريا، حيث بلغ عدد القتلى الذين سجلوا باسمه أكثر من نصف مليون قتيل، عدا من دخل سجونه ولم يخرج منها.
شارك كثيرون في نبش قبور السوريين التي افتتح مقابرهم آل الأسد. لا نريد أن نثقل القائمة بقبارين صغار كحزب الله أو رؤساء ميليشيات عراقية وإيرانية مثل ميليشيا أبوالفضل العباس أو ميليشيا فاطميين أو زينبيين أو صالح مسلم قائد ميلشيا (p y d ) الكردية، فهؤلاء مقاولون صغار، ويمكن أن نضيف لقائمة الصغار تنظيم الدولة. على أننا ننبه بأن المقاولين الكبار الذين ساهموا في إهراق دماء السوريين وكانوا من النباشين الأوائل قد لايكونون باشروا القتل مباشرة،بل على الغالب كانوا متسببين، بشكل أو بآخر، بقتل السوريين، لكن يتنافس نباشان كبيران على المرتبة الأولى: فلادمير بوتين أو باراك أوباما.
فلاديمير بوتين أول النباشين القتلة. زود جيش بشار الأسد بسلاح القتل من الرصاصة إلى الدبابة إلى الصاروخ والطيارة. صوت بالـ (فيتو) في كل القرارات الأممية ليحميه من أية مساءلة قد تطاله في مسؤولية القتل الجماعي للسوريين. وعندما وجد بوتين أن بشار على وشك السقوط أرسل طائرات السوخوي لتقصف المقاتلين، بحجة أنه سيقصف تنظيم الدولة وجبهة النصرة. لكن ما قصفته طائرات بوتين غير ذلك. لم تترك مخبزا يجتمع حوله الصغار لأخذ خبز يومهم منه، ولا مستشفى هو في حكم المستوصف، ولا مدرسة يستعملها الناس بيوتا بعد أن تهدمت بيوتهم إلا قصفته طائرات السوخوي. في كل ذلك يزعم أنه أرسل طائرات لمحاربة إرهابيين. لكن هل هناك بعد قصف الأطفال والنساء في المستشفيات من إرهاب؟
أما أوباما فهو "ألعن وأدق رقبة". فقد أوهم أنه صديق، حتى ظن السوريون أنه يوشك أن يأخذ بشار الأسد بالجرم المشهود حين قتل بشار الأسد1300طفل بالكيماوي في غوطة دمشق، ثم يقبل
أوباما بالفدية بأن يسلم بشار سلاحه الكيماوي إلى الأمم المتحدة، ويبقى المجرم حرا طليقا.
كان أوباما يعرف تفاصيل التفاصيل عن قتلى القصف الروسي وعن براميل بشار الأسد في حلب وإدلب فلا يحرك ساكنا. مع أن لبوتين مشاكل أكبر مع واشنطن في أوكرانيا. لم يتصرف كما تصرف الرئيس "بيل كلينتون" عندما أمر الطائرات الأمريكية بقصف صربيا يوم أن رفض سلوبودان ميلوسيفتش وقف قصف كوسوفو. ولم يتوقف القصف حتى أذعنت صربيا.
قتل بشار الأسد أكثر من نصف مليون سوري. كانت تفاصيل قصف النساء والأطفال في حلب الشرقية تصل إلى مكتب باراك أوباما يوميا وربما بالصباح والمساء. مع ذلك فما يزال يرفض إعطاء المعارضة صواريخ مضادة للطائرات تجعل طائرات بشار توقف انهمار البراميل فوق رؤوس من لم يستطع مغادرة أحياء حلب مع أن من فيها من الأطفال هم رفاق عمران دقنيش والطفل الكردي آلان عبد الله، فلم يتحرك بأوباما شعور نبيل ولا حتى ما يشعرك أنه من طينة البشر، وأخبار سوريا تأتيه من ألفها إلى يائها.
يتردد السوري في أيهما أكثر سوءا ومن يستحق لقب النباش الأول؟ أهو أوباما أم بوتين؟ أنا أرجح أن أوباما هو النباش الأول لأنه أسوأ من بوتين، ولأن نفس بوتين تحمل نزعة بوهيمية دونية، أما أوباما فماتت عنده الأحاسيس الإنسانية.