الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في يوم الطفل العالمي… إسطنبول شاهد عيان على طفولة سوريا المشردة

في يوم الطفل العالمي… إسطنبول شاهد عيان على طفولة سوريا المشردة

23.11.2017
إيهاب بريمو


القدس العربي
الاربعاء 22/11/2017
في أحد شوارع مدينة اسطنبول المزدحمة، تتجول فتاة سورية لا تتجاوز العاشرة من عمرها جيئة وذهابا منذ الصباح حتى المساء، حاملة أكياس "المحارم" وبعض قوارير المياه. ينتهي اليوم عندما يجتمع في يديها ما حصيلته مائة ليرة تركية "حوالي 27 دولارا"، لتعود إلى المنزل وتعطيهم لوالدتها.
 
طفولة بطعم التشرد
من الطبيعي أن تستدعي مشاهد الأطفال المتجولين و"المتسولين" التعاطف منّا، فكيف الحال لو كانوا سوريين، وأنت ترى معاناتهم التي لا تنتهي.
تشتري منهم مرة وتمازحهم أخرى، وتسأل عن عائلاتهم وظروفهم، فتنفتح الحكايات الحزينة حينا والمستفزة أحيانا للدوافع التي تجبرهم على سلك درب "التسول"، الذي بات سمة من سمات الأطفال السوريين في إسطنبول "للأسف".
هنا، في المدينة التي تحتضن الجميع، ترى العديد من أنماط الأطفال السوريين. الخجول والضعيف والصامت والمكسور والمزوح والـ "الوقح" أيضا.
لكن، في كل الأحوال، لا يمكن لوم الطفل المتسول على سلوكه، فما يقوله يتم تلقينه له من قبل أهله في غالب الأحيان، والذين عادة ما يقفون على بعد واضح من أبنائهم ليراقبوا أداء عملهم في "التسوّل".
وبعد مرحلة من تعاطف الأتراك والعرب والسوريين مع هذه الشريحة، انكشفت لعبة مهنة "التسوّل" التي يقودها الأب أو الأم في كثير من الأوقات، فخسر الطفل تعاطف الشارع معه، لاسيما مع الأساليب الفجّة و"الوقحة" التي باتوا يلجأون إليها. ودائما هناك الرواية التي باتت مكررة ولا تجدي نفعا في استجلاب التعاطف: "نحن نازحون من حلب، والدي مريض ونحن عشرة أخوة ويجب ان ندفع فواتير الكهرباء والمياه والغاز فضلا عن إيجار البيت".
يحدث هذا في الوقت الذي تعجّ فيه مناطق إسطنبول بالمطاعم والمحلات السورية، وتشهد الكثير من الأماكن نمط بذخ لا يستقيم مع "تسوّل" الطفل السوري. ولسان حال المارين يقول: هناك الكثير من الأثرياء السوريين وأنماط البذخ الواضح، فلمَ لا يساعدون أطفال بلدهم؟!.
 
على نواصي الشوارع … وفي مقاهيها
يعج المقهى بالزبائن الاتراك والعرب والسوريين. يدخل طفل في ربيعه الحادي عشر يحمل صندوقا فيه أكياس المحارم و بعض من الاكسسوارات والمسابح وغيرها. يبدأ بالتجول بين الطاولات، يكسب تعاطف البعض ويفشل مع البعض الآخر.
يدخل طفل سوري آخر "9 سنوات"، يقترب مني ويحادثني باللغة التركية، فأستفسر عن وضعه وأعرف أن أبويه يجلسان في البيت: أنا أحمد من حلب، يرسلني والدي مع أخوتي كل يوم للتسوّل وعلينا أن نجمع يوميا مئتي ليرة تركية وإلا سنتعرض للعقاب. يحاول شاب سوري يجلس على طاولة بجانبي استدراج الطفل ليعرف مكان سكنه واسم أبيه ليقدم شكوى عليه للشرطة، لكن "أحمد" هرب سريعا بعد أن عرفنا أن أمه أنجبت منذ أسبوع طفلا أسموه "سامر" وهو بحاجة إلى شراء الحليب والدواء له.
 
ظاهرة معقدة .. وحلول ممكنة
تتكاثر المنظمات والجمعيات التي تحصل على دعم وتمويل لمشاريعها لدعم الأطفال، لكن الغريب أنه يزداد تعدد "أطفال الشوارع" السوريين مع تزايد عدد تلك المنظمات!!.
ولفهم هذه الظاهرة تواصلت "القدس العربي" مع الدكتور طلال مصطفى وهو باحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة حيث قال: "تعد ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية المرضية التي عرفتها المجتمعات البشرية كافة، بحيث نجد العديد من الأطفال يستعطفون الآخرين بشتى أنواع السبل، وتزداد نسبة أعداد التسول تبعاً للحالة الاجتماعية الاقتصادية للمجتمع، حيث نجدها عالية في المجتمعات المتصدعة التي تعيش حالة من الحروب كحالة المجتمع السوري".
ويضيف: تعد ظاهرة تسول الأطفال السوريين في اسطنبول من الظواهر الأكثر تعقيداً وتشابكاً، وإذا ما حاولنا بحثها وتحليل العوامل التي تقف وراءها، نجد طرقا وأشكالا من التسول، فهناك متسولون محترفون، ومتسولون ظرفيون. لقد أدى تردي الأوضاع الأمنية في سوريا الى هجرة العديد من الأسر السورية الى المدن التركية ومنها اسطنبول، ونتيجة غياب الضوابط الاجتماعية في مدينة كبيرة كإسطنبول بالنسبة لبعض الأسر السورية، وجدنا امكانية توجيه أطفالهم باتجاه الشوارع للتسول بين شوارع المدينة أو على اشارات المرور، ويحملون تقارير طبية، او زجاجات ماء او علب محارم لإخفاء ظاهرة التسول في جوهرها . أما عن الحلول فيرى الدكتور مصطفى أنه يكون بالرعاية الاجتماعية بتعاون المؤسسات التركية المختصة والمؤسسات السورية العاملة في اسطنبول، من خلال فرز أطفال التسول إلى أطفال محتاجين يتم مساعدة أسرهم ماديا وعينيا، وتحويل الأطفال غير المحتاجين مع أهاليهم إلى المؤسسات العقابية المختصة.
يحدث هذا في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بـ "يوم الطفل العالمي" في 20 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، من خلال أهداف تسعى لتعزيز الترابط الدولي، والتوعية بين الأطفال في جميع أنحاء العالم، وتحسين رفاههم.
كاتب سوري يقيم في إسطنبول