الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وثيقة واشنطن بشأن الحل السوري… ما هو الموضوع وما هي القضية؟

وثيقة واشنطن بشأن الحل السوري… ما هو الموضوع وما هي القضية؟

18.09.2018
ميسرة بكور


القدس العربي
الاثنين17/9/2018
لطالما أعتبر المجتمع الدولي بيان جنيف "واحد" الوثيقة الرسمية الأساسية التي يجب اعتمادها في أي تسوية للملف السوري، وأكدت عليها مجموعة من القرارات والوثائق الدولية على شكل توصيات أو بيانات أو قرارات صادرة عن الجمعية العامة أو مجلس الأمن، التي اعتُبر جميعها بيان جنيف "واحد" الصادر عن مجموعة العمل الدولية الخاصة بسوريا بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2012، المرجع الوحيد لكل المعنيين الدوليين فيما يخص القضية السورية.
البيان الذي لم يأت من فراغ أو من الهواء بل كان نتيجة جهود دولية تؤسس لخطة أممية شاملة، شكلت النقاط الست التي وضعها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، بوصفه مبعوثًا مشتركًا لمنظمتي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وذلك في مارس/آذار 2012، التي طالبت بوقف العنف والإفراج عن المعتقلين وحرية الصحافة ووقف العنف، وحرية تكوين المؤسسات وحق التظاهر السلمي على أنها حقوق مضمونة قانونيًّا.
طبعاً لا يفوتنا في معرض التذكير ببيان جنيف معارضة موسكو له، ومحاولتها تفسيره بما يخدم مشروعها في سوريا.
وبرغم موافقتها على البيانات والوثائق الأممية التي أكدت عليه كأساس لأي تسوية في سوريا، لكنها لم تألُ جهداً في عرقلة أي عملية سلام تقودها منظمة الأمم المتحدة تهدف لتنفيذ ما ورد في بيان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم " 2254 " لأنها جميعا تصب في غير صالح حليفها تنظيم الأسد بدمشق.
هذا يجعلنا نفهم العراقيل التي مارستها روسيا بهذا الشأن من استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن إلى التدخل العسكري المباشر لصالح تنظيم الأسد، ويفسر لنا أيضاً الأسباب الحقيقية الكامنة وراء مماطلة روسيا في تنفيذ قرارات مجلس الأمن فيما يخص التحقيق في استخدام السلاح الكيميائي في سوريا. باختصار مكثف كل ما ورد نتيجته الحتمية تجريم الأسد ونظامه وبالتالي اسقاطه ومحاكمته.
في هذا المسعى الروسي " منع تطبيق بيان جنيف" كان اجتماع "فيينا "حيث التقى وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا الجمعة (23 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) في العاصمة النمساوية لإجراء محادثات حول سوريا، في الوقت الذي أصبحت فيه روسيا عنصراً مهماً فيها منذ أن بدأت غارات جوية لدعم حليفها الرئيس السوري بشار الأسد.
 
الرؤية الروسية
 
نتيجة اجتماع فيينا كانت أن الرؤية الروسية انتصرت، حيث قبل المجتمعون أن تمتد المرحلة الانتقالية إلى سنة ونصف، بعدما كانت السعودية وبعض الدول يصرون على أن تكون مدتها 6 أشهر فقط.
للتذكير: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أن يوفد وزير خارجيته إلى فيينا، قد أعلن أن "الولايات المتحدة تريد التخلص من الأسد"، مندداً بما اعتبره "لعبة مزدوجة" يمارسها الغربيون مع "الإرهابيين" في سوريا
ثم كان من أمر موسكو أن استنبتت منصة الأستانة كبديل لجنيف ومخرجاته رغم أن الكثيرين لم يعتقدوا أن هذا المسعى الأستاني لن ينجح في اقصاء جنيف إلا انهم كانوا جميعا على خطأ حتى لو أن مجلس الأمن قد رحب به وأكد على جنيف، لكن النتيجة الماثلة بين أيدينا اليوم تفيد بما لا يدع مجالا للشك أن الأستانة استطاعت أن تجرف كل المواقف والقرارات الدولية حول ضرورة تنفيذ بيان جنيف حتى أنه مزق الفصائل المسلحة والنتيجة أن أخضعها بالعهود الكاذبة أو بالتهديد العسكري فكان أن سلمت ثلاث من أربع مناطق مما سمي بمناطق خفض التصعيد .
ومن نتائج الأستانة الروسي أن تركيا ولأسباب دولية انخرطت في المشروع الروسي وابتعدت عن الموقف الدولي.
واليوم ونتيجة مخرجات الأستانة فرضت موسكو إرادتها بمسح ملف جنيف من التداول وباتت المقاربة الروسية السائدة في أي نقاش حول سوريا.
 
الوثيقة كتبت في موسكو
 
وثيقة أمريكية تشترط على دمشق "مقاطعة نظام إيران"، تطالب بـ "تعديل صلاحيات الرئيس" وإصلاح أجهزة الأمن.
مما لا شك فيه أن الوثيقة وكل ما جاء فيها يمكن اختصارها بجملتين " أمن الكيان الصهيوني" وإعادة انتاج تنظيم الأسد بدمشق، وهنا ايضاً نستطيع القول أن الرؤية الروسية هي التي انتصرت بالوثيقة الصادرة عن واشنطن فهي حققت لموسكو كل ما تصبو له في سوريا.
على سبيل المثال لا خلاف بل اتفاق عميق على أن أمن الكيان الصهيوني لا يتقدم عليه مطلب أو مسعى روسي أو أمريكي.
وقد حققت الوثيقة هذا الأمر من خلال النص على "عدم رعاية دمشق للإرهاب أو توفير ملجأ آمن للإرهابيين" و"إزالة جميع أسلحة الدمار الشامل" و"قطع العلاقات مع النظام الإيراني وميليشياته" و"عدم تهديد الدول المجاورة" للتوضيح أن الإرهاب الذي عنته هذه الوثيقة يعني بشكل مباشر محاربة ما يسمونه "الجهاديين" وضمنا تنظيم حزب الله اللبناني ومنع وصول السلاح الإيراني له عبر الأراضي السورية، والأمر الأخطر أن الوثيقة ستمنع الدولة "السورية" من امتلاك أي سلاح نوعي يهدد امن الكيان الصهيوني على المدى البعيد .
بقية النقاط ترحب بها موسكو بل تتفق مع واشنطن فيها مثل "اعتماد نظام لامركزي" الأمر الذي طالبت به موسكو في دستورها المسرب وبما يخدم حليف الطرفين "المنظمات الانفصالية الكرية".
 
انتخابات حرة ونزيهة
 
ربما التحفظ الوحيد الذي يمكن أن تبديه موسكو في النقطة المتعلقة بإصدار قرار من مجلس الأمن بما يمكن الأمم المتحدة من توفير انتخابات حرة ونزيهة، لأن روسيا وتنظيم الأسد يتخوفان بشكل حقيقي من إجراء انتخابات سورية تحت إشراف كامل من الأمم المتحدة، خاصة إن جرت هذه الانتخابات في الداخل والخارج قبل عودة جميع من يحق لهم التصويت إلى سوريا الذين يتجاوز عددهم نصف المصوتين إن لم يكن أكثر، الأمر الذي يقلق تنظيم دمشق ، ويفسر لنا إصرار موسكو ومن خلفها تنظيم الأسد لضرورة عودة اللاجئين السوريين فورا تحت عناوين مشوهة تخدم روسيا والأسد والتي تدعي أن الحرب على الإرهاب انتهت أو أن الحرب الأهلية المزعومة قد انتهت والدولة السورية تسيطر على معظم الأراضي السورية.
أعتقد أن الجهود الروسية ستؤدي بالنتيجة لإزالة هذا المطلب، وتفرض إرادتها كما هو واضح من سر الأمور لصالح السفن الروسية.
ونعتقد أيضا أن هناك شرطا وضعته واشنطن قد يطيح بتنظيم الأسد لو وافق عليه وهو الشرط المتعلق بـ "قطع العلاقات مع النظام الإيراني وميليشياته".
أعتقد أن نظام الأسد لن يوافق على هذا المطلب لسببين إما لأنه غير قادر أصلا على ذلك وإما لأنه يتخوف من نتائج ابعاد إيران عنه. فيطرح على نفسه السؤال التالي ماذا لو أبعدت إيران، ثم خرجوا علي بعدها بشرط آخر، ما هي الضمانات التي ستقدمها واشنطن كعامل بناء الثقة من أجل تحقيق هذا الشرط" الاسفين" على سبيل المثال سيطرح مسألة التطبيع السياسي اولاً ومن ثم تقديم ضمانات لعدم ملاحقة عناصر النظام دولياً وانهاء العقوبات الاقتصادية على النظام وشركائه الاقتصاديين، والموافقة على دعم عودة اللاجئين دون شروط والمساهمة في مشروع إعادة إعمار كشروط أساسية لتنفيذ ما جاء بوثيقة واشنطن.
نعتقد أن الوثيقة تنسف وبشكل نهائي ما جاء في بيان جنيف وتنسجم للغاية مع الأطروحات الروسية في الملف السوري، ربما تكون المسمار الآخر الذي يدق في نعش الثورة السورية في سبيل تحقيق أمن الكيان الصهيوني الذي طالب علناً ببقاء الأسد ولكن دون إيران وهذا ما يوافق عليه الفرقاء الخليجيون دون تردد.
وكأني بهذه الوثيقة كتبت في موسكو وصدرت من واشنطن. علينا كسوريين أن نتمسك بضرورة تطبيق بيان جنيف وأن لا ننساق وراء وثائق تدس السم في العسل.
علينا التأكيد أن مشكلتنا في سوريا ليست مع الدستور وليست مع الدولة بل مع من هم فوق القانون وفوق الدولة
هذا هو الموضع وتلك هي القضية.