الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من يمثل وفد المعارضة في جنيف؟

من يمثل وفد المعارضة في جنيف؟

27.02.2017
وائل عصام


القدس العربي
السبت 25/2/2017
ثمة مفارقات لافتة تخص وفود المعارضة السورية التي يفترض أنها تمثل القوى السياسية والعسكرية للثورة مقابل وفد النظام الثابت في كل جولة تفاوضية.
أحد هذه المفارقات أن معظم الشخصيات التي تمثل المعارضة السورية لا تستطيع ربما الدخول لأغلب مناطق المعارضة إلا بحماية خارجية من الدول الداعمة لها، كما حصل مرة عندما أراد الجربا رئيس الائتلاف الدخول لمناطق المعارضة، فحل ضيفا سريعا لساعات وفي منطقة حدودية وسط حماية مشددة من جماهير المعارضة الغفيرة، قبل ان يعلن مواقف اكثر قربا وتحالفا مع اعداء الثوار لاحقا.. القوى الكردية الانفصالية وروسيا.
ولا تعجز الشخصيات المعارضة افتراضيا عن التواجد في مناطق المعارضة، وهو ما يفترض أن يكون عليه القادة الثوريون الممثلون للقوى الشعبية، ليس لأن النظام يمنعها، بل لأن الفصائل العسكرية والقوى السياسية المهيمنة على معظم مناطق المعارضة على قطيعة، بل عداء مع معظم هذه الشخصيات.. ببساطة إنها شخصيات ثورية لا تمثل قوى الثورة.. إلا بالواقع الافتراضي ربما. ولو ألقينا نظرة على خريطة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ولو استثنينا مناطق تنظيم "الدولة"، لوجدنا ان المحافظة الوحيدة التي تسيطر عليها القوى المسلحة المعارضة للنظام هي إدلب، وتكاد تكون التكتل الاكبر والبقعة الجغرافية الأبرز خارج سيطرة النظام، وهي تحت سيطرة مطلقة لتحالف النصرة الجديد مع الجناح السلفي لأحرار الشام المسمى "تحرير الشام"، وهذا التكتل العسكري والمؤسسات التابعة له من محاكم وإدارات مدنية غير ممثل في الوفد المفاوض، إضافة لأنه أعلن معارضته الصريحة لهذه المفاوضات ولكل عملية تسوية.
والأهم أن هذا التكتل العسكري الذي تهيمن عليه النصرة، على عداء فكري وعسكري دائم مع معظم الفصائل المقربة من الشخصيات والتيار المؤيد للمفاوضات، بل ان طرد هذه الفصائل المقربة من الحكومات العربية والغربية وتركيا من إدلب وريفها كان خطوة سابقة لطرد النظام منها، كما حصل مع فصيل جمال معروف، وحركة حزم، والفرقة 16، وجيش المجاهدين مؤخرا، وكما حصل أيضا في حلب المدينة عندما اعتقلت النصرة قادة هذا الخط من الفصائل كالسلطان مراد وغيرها، وسيطرت على مقراتهم بتهمة التخاذل بمواجهة النظام. وإذا نظرت لأحد ممثلي الفصائل البارزين كممثل "جيش الإسلام" الذي كان ناطقا باسم الوفد المفاوض، فإنه وكل زملائه من ممثلي القوة العسكرية من "الجيش الحر" لا يكادون يمثلون سوى جيوب معزولة تبدو وكأنها جزر صغيرة في ريف دمشق وشمال حمص وبعض قرى درعا، في بحر مناطق المعارضة الممتد من الجولان حتى القلمون، وصولا بريف حلب الجنوبي وإدلب الذي تملك النصرة وحلفائها القرار الامني والسياسي الاول فيه، وإن ظهر تواجد شكلي لقوى مسلحة صغيرة.. عدا طبعا عن مناطق تنظيم الدولة الشاسعة شرق الخط الحيوي بين حلب ودمشق. أما مناطق درع الفرات ورغم انها جزيرة ايضا في بحر المناطق الكردية التي تحيطها شرق وغربا على عرض 600 كلم اي معظم الحدود السورية التركية، إلا انها مقاطعة تركية شبه رسمية، يمكن لتركيا بنفسها ان تفاوض عنها، دون عناء إرسال وفد من الفصائل الموالية لها ضمن الوفد.
وإذا كان التمثيل العسكري ضئيلا بهذه الدرجة، فإن التمثيل الاجتماعي والسياسي يكاد يكون معدوما، خصوصا أن شخصيات يسارية وليبرالية وعسكرية انشقت عن النظام لها حضور إعلامي كبير في وفود المعارضة، لا تكاد تجد لها أي حضور شعبي داخل مناطق المعارضة، بينما كانت عمليات التفاوض السابقة المتعلقة بنزاعات الشرق الاوسط في جنيف واخواتها، تجري مع قوى تملك تمثيلا شعبيا وعسكريا وازنا، وعندما قرر الزعيم الفلسطيني ابو عمار اتفاقا للتسوية في اوسلو وجنيف، ورغم القوى المعارضة له، إلا أنه استقبل في غزة واريحا بمئات الالاف من الفلسطينيين المناصرين لحركته سياسيا وعسكريا، ولا اعتقد ان احدا من قادة المعارضة السورية يستطيعون حتى التجول في أي قرية بمناطق المعارضة، خارج كانتونات فصائلهم عدا عن فرضهم لاتفاق تاريخي مع النظام. في المقابل نرى وفدا ثابتا للنظام، يمثل سلطة تملك قرار السلم والحرب في كل المناطق الخاضعة للاسد.
المفارقة الاخرى اللافتة، أن عملية التفاوض ووقف اطلاق النار تجري مع ممثلي فصائل تكاد لا تطلق النار تقريبا على النظام منذ عامين، ورغم المناوشات التي تحدث بين الحين والاخر، بين هذه الفصائل الصغيرة والنظام، الا ان معركة حلب أثبتت أن هذه القوى هي في حالة هدنة غير معلنة مع النظام، وسرعان ما خرجت هذه الهدنة للعلن بمجرد هجوم النظام على حلب المدينة واستعادته لها في أيام قليلة، ليتبين أن الجهاديين وحلفاءهم هم فقط من تصدى للنظام، وإن كان بعد فوات الأوان في حلب. وبالنظر لخريطة المعارك الأساسية في العامين الاخيرين تحديدا، سيظهر بشكل جلي أن القوى العسكرية الممثلة في وفود المفاوضات لم تقم بأي عملية عسكرية ذات تأثير ضد النظام، الا بالإعلام الفضائي وشبكات التواصل الافتراضي ربما، بينما تكفلت التنظيمات الجهادية ممثلة بتنظيم "الدولة" و"النصرة" و"الأقصى" و"التركستان"، و"أنصار الدين"، بالاغلبية الساحقة من الفعل المعارض المسلح المؤثر ضد النظام بعمليات كبرى في جنوب حلب وإدلب ودرعا وتدمر وغيرها، وإن لم تكن حصيلتها النهائية فارقة على الصعيد الاستراتيجي.
وبانضمام الجناح السلفي لاحرار الشام ممثلا بابو جابر الشيخ لتحالف النصرة مشكلين تحرير الشام، حسمت معظم القوة العسكرية الجهادية الفاعلة لاحرار الشام أمرها بترك الجناح الموالي لتركيا وقطر والخاضع للحاكمية الدولية، وانضمت للنصرة وخندقها، الذي ما زال يحاول البقاء على منهجه الرافض لشروط المنظومة الدولية، بالاستقواء بمن يؤلف قلوبهم من الفصائل التي كان يوما يكفرها كالزنكي.. وهكذا فإن الخريطة تشير لثلاثة تيارات تهيمن على مناطق المعارضة، اثنان منها ينتميان للعائلة الجهادية نفسها، قبل ان تفرقها متلازمة النزاع الدموي نفسها بين اخوة العقيدة والمنهج، التي تتواصل منذ قرون، مخلفة صدوعا اكثر عمقا مما يخلفه اعداؤهم مجتمعين.
تكتلان من مناطق المعارضة اذن يهيمن عليهما الجهاديون ممثلون بتنظيم الدولة شرق حلب، وحلف النصرة غرب خط حلب دمشق، وهما يمثلان الغالبية الساحقة من المساحة الجغرافية والقوة العسكرية المناوئة للنظام، ولكنهما غير ممثلين في عملية التفاوض ووفودها، التي يهيمن عليها ممثلو القوى المسلحة المقربة من الحكومات العربية وتركيا والغرب، التي لم تعد تمارس فعليا دورا معارضا للنظام، بل أخذت تنخرط تدريجيا في حروب الآخرين في جبهة مشتركة مع النظام وروسيا، وهي جبهة الحرب على الارهاب، لهذا كله تبدو عملية التفاوض عبثية، بل هي تدور مع طرف معارض لا يملك تأثيرا على المعارضة الفعلية، ولهذا كان من أبرز نتائجها التي تسجل كسابقة أيضا، إنها تعلن عن وقف لإطلاق النار لا يطبق إلا بفضاء الإعلام. وفي كل جولة يواصل اعضاء الوفد التحدث باسم ساحة لا علاقة لهم بها، لهذا هم يعلنون مثلا عشرات المواقف الحاسمة، ثم يخرج بيان المؤتمر بعكسها تماما، كما بالموقف من رحيل الاسد والعملية الانتقالية الخالية من وجود الأسد، وكما حصل عندما قالوا إن مناطق النصرة خاضعة لوقف النار، قبل أن يعلنوا بأنفسهم أنهم تعرضوا لخديعة بنسختين مختلفتين من الاتفاق.
هذه المشاهد لا يمكن ان تحدث مع طرف مؤهل سياسيا وتاريخيا لتمثيل ثورة شعب، قدّم كل هذه التضحيات، عدا عن تواضع القدرات المهنية البحتة، وليس أبلغ من نتيجة على تردي رؤية الوفود المفاوضة، من سقوط منطقة في كل جولة، حلب في جولة، ووادي بردى في جولة ثانية، والآن الغوطة تحت القصف اليومي وتهديد باستعادة إدلب تحت قصف دموي لها، هذا كله ويتحدث القوم عما يسمى بوقف لإطلاق النار. أما السابقة الأكثر طرافة، التي استحدثها وفد المعارضة السوري في عالم السياسة، هو انه يجري مفاوضاته مع النظام برعاة سلام هم انفسهم كانوا وما زالوا اطرافا بالحرب وحلفاء للنظام.. ايران وروسيا 
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"