الرئيسة \  مشاركات  \  في ذكرى تحرير ادلب ٢٠١٥ - ٢٠١٨

في ذكرى تحرير ادلب ٢٠١٥ - ٢٠١٨

20.03.2018
ياسر السيد عيسى



لا أحد يريد أن يسمع حقيقة مؤلمة أن ٩٠٪ من أهالي ادلب تركوها ولم يعودوا اليها منذ ما بعد تحريرها في ١٥ آذار ٢٠١٥ وليس زمن احتلال الجيش الطائفي في ١٥ آذار أيضا ٢٠١٢ ، فالذين تركوا المدينة قبل دخول الجيش وفترة وجوده لم يتعدوا بضع مئات من النشطاء والمقاتلين بعضهم بدون عوائلهم .
يوم تحرير المدينة هو يوم تاريخي لها ولمئات أسماء عوائلها التاريخية التي عاشت في هذه المنطقة لمئات السنوات ، جزء منها لم يبق لهم أحد للأسف ، وتفرقوا في هذه المعمورة كمن يلقي حفنة أرز لمسافة بعيدة، وتركوا بيوتهم ومصالحهم وأرزاقهم فارغة أو لا أحد يشرف عليها  ، لا أصدق حين أسمع بأن أهل حارتي جميعهم تقريبا في المانيا وهولندا والسويد وتركيا ومصر  .
وللأسف أيضا فإن قيادة فصائل جيش الفتح الذين يتقاتلون اليوم على حكم ادلب هم من دفعوا وساعدوا اهل المدينة في الخروج منها وقتها ، ببث الذعر بينهم بالقصف القادم ، وبمشاهدة الغرباء يتحكمون بقيادة الفصائل ، أو فصائل كاملها  حركة الدولة التي تنظم حياة الناس وتدير شؤونهم ، وإفراغ عمل عشرة أجهزة شرطية وأمنية تضبط الوضع الأمني مع كل انتهاكاتها ،  وانعدام أية فرصة لحياة مستقرة بتوقف المصارف ودفع رواتب لسكان أغلبهم يعتاشون على الوظائف الحكومية وعلى حياة رتيبة في وظائف لايعرفون عملا سواها .
أخرج السكان خلال ساعات من بيوتهم بطريقة هستيرية مهينة الى اللامكان ، الى الكروم ينامون تحت أشجار الزيتون بدون أية خدمات أو مساعدات ، ومنهم استجدوا معارفهم في القرى المحيطة بقبولهم لفترات قصيرة مع ان أغلب بيوت قرانا الفقيرة أصلا غرفتان ، أسبوع أسبوعان ، وبدأ الناس يبحثون عن مكان آخر طويل للإقامة ، جزء منهم اختار المدن تحت سلطة النظام كالساحل وحماه ودمشق وخاصة الموظفين الذين ينتظرون رواتب آخر كل شهر ، وجزء دخل الحدود الى تركيا ، رافق كل تلك الهيصة طلب أمريكي لجميع الدول على خط يصل تركيا بأوربا الشمالية بتسهيل فتح حدودها واستقبال اللاجئين .
لم يطل الوقت بعدها وبدأت ادلب بالاستقبال تباعا لجموع النازحين من جميع أنحاء سورية بخطة التغيير الديمغرافي ليسكنوا البيوت الفارغة من أهلها ويفتحوا المحلات التجارية المغلقة ، ولتبدو ادلب اليوم لأي أحد من سكانها يزورها خلسة ليست تلك مدينته التي يعرفها ، فوضى عامة نهارا ومدينة أشباح ليلا ، عشرات حكايا الاغتيالات والخطف والتعديات والسرقة وجميعها تقيد ضد مجهول ، وبحكم تبعية أمنيتها لفصيل معين فكل الاحتمالات واردة بشبهة خلفية المتهمين .. خلايا نائمة للنظام ، أو لفصائل تابعة للقاعدة ، الأمنية ، الفصائل المقصية ، .. ،
الحريات شبه معدومة وتسلط نهج فكري غريب عن المنطقة على المساجد وفرضه على حياة الأهالي .
لم يستطع مجلس شورى فصائل جيش الفتح سابقا وفصيل هيئة تحرير الشام المسيطر على المدينة حاليا بإقناع أهالي المدينة المقيمين داخل مناطق النظام أو تركيا بالعودة لمدينتهم بتهيئة الأجواء الملائمة للعودة ، بالعكس فحتى البقية منهم التي لم تخرج منها تفكر بالنزوح والهجرة لو سمحت لها الامكانيات والظروف ، وجميع الأدالبة الذين زاروها بإجازة الأعياد من تركيا عادوا يجرون آلامهم عن أحوال مدينتهم .
ادلب كباقي المحرر تعيش يومها فحسب ، ولا أحد لديه القدرة على استنباط مستقبلها القادم ، وكل الاحتمالات واردة .. عودة النظام ، أو سيطرة تركية كمناطق درع الفرات ، صراع فصائلي على السيطرة .
لكن الحقيقة المؤلمة أن من خرج منها ترسخت القناعات لديه بأن بقائهم في الاغتراب عن مدينتهم سيكون طويلا ، وعليهم التأقلم مع أحوالهم الجديدة .