الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في انتظار الاستقلال الثاني

في انتظار الاستقلال الثاني

18.04.2019
نبراس إبراهيم


جيرون
الاربعاء 17/4/2019
مع انطلاق شرارة الثورة السورية، في 15 آذار/ مارس 2011، بعد أن طفح الكيل من ممارسات الاستبداد، منذ استلام الأسد الأب زمام الحكم في سورية بعد انقلاب 1970، كان رفع علم الاستقلال عن الانتداب الفرنسي عام 1946 رمزًا للثورة السورية. فقد تبنّته الفصائل العسكرية التي تشكلت في المراحل اللاحقة بعد أن تسلحت الثورة، وانتقلت من مرحلة السلمية إلى مرحلة مواجهة الآلة العسكرية للنظام بالسلاح، وسرعان ما تبنّاه الحراك الشعبي والأجسام السياسية التي مثلت الثورة.
كان علم الاستقلال رمزًا للمقاومة ضد الاستبداد، وقد حمل الاستقلال معاني وأثرًا كبيرين في توحيد السوريين، على اختلاف طوائفهم وأديانهم وانتماءاتهم. فحرب السوريين ضد المستعمر كانت أحد أهم الأمثلة في التاريخ السوري على رفض الظلم والاستبداد، وتوحد السوريين لنيل أهدافهم، وقد أحيت الثورة التي بدأت سلمية هذه الروح في النفوس السورية من جديد.
كان “الجلاء” مُلهمًا ومبعثًا لصمود السوريين الذين رفعوا علم الاستقلال طوال سنوات الثورة الثماني، وما يزالون -منذ تولي نظام الأسد حكم البلد- يحنّون إلى ذلك النموذج من الكفاح والصمود والنضال الذي أشعرهم بوجودهم كسوريين، وباتوا يعتبرون النظام الذي دمّر بلدهم هو الاحتلال، والخلاص منه هو الاستقلال الثاني. ولا يزال هذا اليوم رمزًا لصمود السوريين واستمرار معركتهم وتضحياتهم، ضد احتلال نظام الأسد وحزب البعث للسلطة.
لم يكن الاحتلال الفرنسي الذي دام ستة وعشرين عامًا بدرجة سوء الاحتلال الثاني، احتلال حزب البعث وعائلة الأسد لسورية، الذي نهب مقدرات البلد وقمع شعبه، حتى باتت سورية توصف بأنها مزرعة آل الأسد، يعيثون فيها فسادًا كيفما شاؤوا. وما ارتكبه نظام الأسد خلال حكمه، من فظائع ومجازر وجرائم ومذابح بحق السوريين، لم يرتكبه المستعمر الفرنسي.
بعد مضي ثماني سنوات على ثورتهم، ما يزال يُصرّ السوريون على أن يستمروا في نضالهم حتى حصولهم على الاستقلال الثاني، وتشكيل دولة المؤسسات والقانون، دولة الشعب الذي يحكم نفسه، دولة المواطنة لكل مكونات الشعب السوري من عرب وكرد وتركمان، مسيحيين ومسلمين، سنة وشيعة، دروز وإسماعيليين. يوحّد فيها الشعب كلّه الهمّ والتوق إلى استعادة دورهم الفعال في بناء سورية جديدة حرة، لا يُهمَّش فيها أحد ولا تفككها النزاعات الطائفية والعرقية والقومية والمذهبية، توحّدهم الرغبة في بناء مستقبل يفخر فيه السوريون بأنهم ينتمون إلى هذا البلد.
بعد جلاء القوات الفرنسية عام 1946، مرت على سورية انقلابات عسكرية أربعة في ثلاثة أعوام، أولها انقلاب حسني الزعيم عام 1948، تلته ثلاثة انقلابات أخرى عام 1949، ولم يقبل السوريون في ذلك الوقت حكم العسكر أو حكم من أوصله الانقلاب العسكري إلى الحكم، إلى أن انتهى الحال بتشكيل دستور يُرضي السوريين عام 1950، والذي يرغب الكثيرون الآن في أن يُعاد العمل به خلال فترة حكم انتقالية في سورية.
في التاريخ السوري الحديث، الكثير من أمثلة الديمقراطية الناجحة التي لا يمكن إغفالها في هذا المضمار، تؤكد رفض السوريين للفشل السياسي ولحكم العسكر، منها استجابة أديب الشيشكلي للتظاهرات الشعبية ضد حكمه، ومغادرته السلطة في اليوم ذاته عام 1954، ليحافظ -كما قال- على وحدة الشعب السوري وعدم زج الجيش في المعركة.
لكن نظام الأسد غيّب الكثير من التفاصيل والجزئيات التي تتحدث عن الوجه الناصع من تاريخ سورية، ولم يدرسها جيل البعث في المدارس. وجعل هذا النظام أسمى الانتصارات والإنجازات السياسية التي تُمجّدها المناهج المدرسية، الحركةَ التصحيحية التي أوصلت الأسد إلى الحكم، وجعل حكم سورية ميراثًا للعائلة الأسدية، وأمرًا واقعًا لا يمكن مناقشته أو الحديث فيه. وجعل الرئيس قادرًا على تغيير الدستور ليناسب ويطابق مواصفاته، أبًا وابنًا وربما فيما بعد يأتي الحفيد.
يحلم السوريون بالاستقلال الثاني، وبأن يكون لهم دستور جديد أسوة بدستور عام 1950 الذي تلى الاستقلال الأول، كما يحلمون بحياة برلمانية انتخابية نزيهة، تتمثل فيها جميع القوى السياسية كانتخابات 1954 التي تلت الاستقلال الأول والتي ما تزال تُوصف بأنها أنزه انتخابات عرفتها سورية، وتمثلت فيها كل القوى السياسية السورية.
وكما حصل السوريون، بوسائلهم البسيطة وقدراتهم الذاتية، على الاستقلال الأول، لا بد من أنهم سيحصلون على استقلالهم الثاني، ولا بد من أن ينتهي حكم النظام الأمني الشمولي التمييزي الفاسد، لتحلّ محله العدالة والديمقراطية وتداول السلطة، ليكون لكل مكونات النسيج السوري فرصة في الوجود، لتنهض سورية من جديد، وطنًا حرًا مستقلًا لكل أبنائه، وهو أمرٌ لا بدّ آت، ولو بعد حين.