في أحكام “طشيش السكارى” في شوارع الغرب الليبرالي…
وأروي مختزِلًا مما شهدت في بريطانيا العجوز الوقورة، وأحكامها التي لا تعرف المجاملة في أمر الخمر وما يتولّد عنه من أذى.
في بريطانيا لا يُباع الخمر كيفما اتّفق، بل في محالّ تحمل رخصة محددة تُسمّى أوف-لايسنس؛ تبيع الخمر مختومًا في أوعيته، ولا تسقيه، ولا تسمح بشربه داخلها. أمّا الحانات التي يُشرَب فيها ما نسميه في حلب “الدلاقي”، فلها ترخيص آخر مستقل، يخضع لضوابط زمنية وأمنية دقيقة.
وفي الغرب الأوروبي عمومًا، لا يُباع الخمر ولا التبغ لمن هم دون الثامنة عشرة. ويحظر القانون أن يبيع البالغ شرابًا كحوليًا لقاصر، أو أن يشتريه لصالحه، ويحق للشرطي مصادرة المشروب فورًا. فحماية الأحداث ليست شعارًا، بل إجراءً عمليا نافذًا.
وفي بريطانيا خصوصًا، تُسيَّر دوريات شرطية متخصصة في الليالي بشكل خاص، تحمل أجهزة قياس فوري لنسبة الكحول في الدم (Breathalyzer). فإذا ثبت للشرطي أن السائق مخمور، مُنع من القيادة في الحال، ووُضع تحت طائلة قانون القيادة تحت تأثير الكحول، الذي قد يفضي إلى الغرامة، أو سحب الرخصة، أو الحبس في الحالات الجسيمة. وليس في الأمر شفاعة ولا محاباة؛ فسلامة الناس مقدّمة على رغائب الأفراد.
ثم هناك وجه آخر من القانون: في حظر "السكر العلني". ففي بريطانيا وأوروبا تجرّم القوانين "حالة drunk and disorderly conduct؛" أي أن يظهر الإنسان في مكان عام سكرانَ أخرق، محدثًا ضوضاء، أو مطلقا بذاءات، أو مستفزا لمشاعر من حوله من الناس، بسب وشتم أو اعتداءً على الآداب العامة.
ولذا تجوب الدوريات الشوارع نفسها في أوقات الذروة، تلتقط السكارى من الرجال والنساء، الذين يزرعون الأرصفة بقيئهم وطشيشهم، ويصكّون آذان المارة بهذيان مختلط بالترهات بالنجاسات المعنوية. فهؤلاء يُحملون إلى مراكز الإفاقة أو المستشفيات sobering-up centers، ويحتجزون هناك إلى أن يستعيدوا وعيهم—ولن أقول رشدهم؛ فلو كانوا راشدين أصلًا لما تردّوا في هذا الدرك من السفالة والانحدار.
في العرف الليبرالي العلماني – المتحضر، ولا تستنكر علي وصفه بالمتحضر، ففي كل بلاد الناس علمانيون وليبراليون متحضرون، إلا في عالمنا حيث يصر أحدهم على التعري أو التخلي وسط الناس؛ ليس مسموحًا للإنسان أن يُلقي على المجتمع نتائج سقوطه الجسدي والعقلي. ولا يعتبر مثل هذا لا حرية شخصية، ولا حقّ فردي، ولا تساهلٌ اجتماعي؛ بل جرمٌ ومخالفة تُعامل بصرامة. وحسب القانون العام الذي توافق عليه قوم متحضرون!!
هذه قوانين معمول بها في عامة مدن العالم المتحضر…
ويبقى لنا في مدننا البهيّة قوانينُنا وآدابُنا…
ولا ينبغي قطّ أن تُترك شوارع دمشق أو حلب مسرحًا يعربد فيه من شاء بما شاء. وحتى إن كنت “فنانًا”، فلن يجعل منك وصف الفنّان صاحبَ امتيازٍ في أن تقذف على المارّة بذاءات سُكرك ولا أن تلوّث الفضاء العام بهلوسات خُمارك أيها المخمور.
تضربوا منكم إليه…
25/11/20225