الرئيسة \  مشاركات  \  وقفات مع القراءات المعاصرة للقرآن

وقفات مع القراءات المعاصرة للقرآن

09.07.2018
د. أحمد محمد كنعان




           في إطار الحملة العالمية على الإسلام انتشرت خلال العقود القليلة الماضية مودة  "القراءات المعاصرة" للقرآن الكريم، وقد طرحت هذه القراءات ركاماً متهافتاً من التأويلات التي ما نزل الله بها من سلطان !
          وقد سارع الإعلامُ العربي المأجور إلى تبني أصحاب هذه القراءات، وراح يروج لهم، ويظهرهم في صور المجددين للإسلام ! بل راحت بعض الأنظمة العربية تتنافس في رعاية أدعياء التجديد هؤلاء، وراحت تغدق عليهم الأموال الطائلة بلا حساب، وتمنحهم الجوائز الكبيرة في احتفالات يراد منها تعظيمهم وإحلالهم في نفوس المسلمين محل علمائنا الكبار من أمثال : الشافعي ومالك وأبي حنيفة وابن حنبل !؟
         وقد كشف النقاب مؤخراً أن هذه المحاولات مدعومة من جهات معادية للإسلام، كما أثبت تسجيل مصور في اليوتيوب اجتماعاً جرى في باريس، جمع عدداً من هؤلاء الأدعياء مع حاخام يهودي ومستشرق فرنسي معروف، وقد طرح المجتمعون في هذا اللقاء طرفاً من خطتهم لتجديد الإسلام بتقديم تأويلات معاصرة جديدة للقرآن تحل محل التفاسير القديمة لكتاب الله !
        وقد ظهر جلياً أن هذه الحملات المشبوهة تستهدف زعزعة مكانة القرآن الكريم في نفوس المسلمين !
       ويعتمد هؤلاء الأدعياء خطة ماكرة ليس بالهجوم على القرآن الكريم مباشرة أو التشكيك في مصدره الرباني كما فعل أساتذتهم من المستشرقين المغرضين، وإنما يعمد هؤلاء التلاميذ إلى محاربة القرآن من الداخل، من خلال تشكيك المسلمين بفهم نصوص القرآن الكريم، وإثارة الشكوك والشبهات حول أحكامه ومبادئه، وهم يعتمدون في خطتهم الخبيثة هذه على طرائق عديدة، من أبرزها :
أ‌- التشكيك بالسنة النبوية : التي تعد المصدر الثاني في التشريع بعد القرآن الكريم، وهي تمثل التطبيق العملي للقرآن، فالرسول الله - صلى الله عليه وسلم – هو خير من فهم القرآن الكريم، وبلغه قولاً وعملاً، ومن ثم فإن قطع المسلمين عن السنة النبوية يعني حرمان المسلمين من الفهم الصحيح لكتاب ربهم، وفتح الباب لمن هب ودب ليقول في كتاب الله ما يريد دونما رقيب ولا حسيب !
ب‌- إخضاع النص القرآن للنقد : كما يفعل النقاد بالنصوص الأدبية من شعر ونثر ونحوه؛ بهدف إسقاط قدسية القرآن الكريم في نفوس المسلمين .
ج – ادعاء المنهجية : والخطير في عمل هؤلاء الأدعياء تظاهرهم باتباع الدراسات المنهجية والعلمية والموضوعية في تأويلاتهم للقرآن، وهم في الحقيقة أبعد الناس عن المنهجية والنزاهة، فقد كشفت أعمالهم عن افتراءات لا حصر لها، وسقطات منهجية تكذب دعاواهم، وهذا هو في الحقيقة مبلغهم من العلم !
د- رفض التراث الإسلامي : فهؤلاء الأدعياء يعملون رفض التراث الإسلامي جملة، مع أن هذا التراث قد أهدى العالم ثروة فكرية فريدة، واعترف بمكانته العدو قبل الصديق، وكان هذا التراث – ولاسيما منه التراث الفقهي – مصدر دساتير أوروبا وكثير من دول العالم، ويظهر من مواقف هؤلاء الأدعياء أن رفضهم للتراث الإسلامي يرجع إلى خوفهم من كشف سوءاتهم، وافتقارهم إلى المنهجية العلمية التي تفرد بها هذا التراث العظيم !
         وانطلاقاً من إيماننا الجازم بفشل هؤلاء في النيل من القرآن الذي تكفل الله عز وجل بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة  الحجر 9 ، فإننا نرى عدم الانشغال كثيراً بهؤلاء، بل الانشغال بنشر المؤسسات القرآنية والتركيز على الثقافة القرآنية الكفيلة بالقضاء على هذه التيارات، وحماية المسلمين من حملاتهم المسعورة !
تاريخ المؤامرة على القرآن :
          منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين مع انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يناكف الولايات المتحدة وينافسها على زعامة العالم، منذ ذلك التاريخ بدأت فصول هذه المؤامرة الكبرى للقضاء على الإسلام، ودخلت الخطة حيّز التنفيذ بإعلان الرئيس الأمريكي الأسبق "بوش الأب" عن ولادة "نظام عالمي جديد" أحادي القطب، فتفرّدت الولايات المتحدة بقيادة العالم وبدأت مؤامرتها الكبرى ضدّ الإسلام بمساندة الصهيونية العالمية، والصليبية العالمية، واستبدالوا الدائرة الحمراء في حلف شمال الأطلسي "الناتو" بالدائرة الخضراء في إشارة واضحة إلى استهداف الإسلام للقضاء عليه بعد أن تمّ القضاء على الشيوعية !
        وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 رأينا الرئيس الأمريكي السابق "بوش الإبن"  يعلن بكل صراحة وصفاقة "الحرب الصليبية" على الإسلام والمسلمين، وبدأ سلسلة حروب واسعة ضد الدول الإسلامية، افتتحها بـ حرب أفغانستان (2001 – 2014) ثمّ حرب العراق (2001 – 2011) وتسارعت الأحداث الساخنة في الوطن العربي خاصة وفي بقية العالم الإسلامي عامة لتكشف عن حقيقة هذه المؤامرة الكبرى ضد الإسلام، وكان من أبرز معالم هذه المؤامرة :
أوّلاً :  ضرب الإسلام عن طريق شنّ حملات منظمة ضدّه من خارج العالم الإسلامي وداخله، ومنها شنّ حملات التشكيك بصحّة القرآن الكريم والسنّة النبوية المُطهّرة ، وشنّ حملات التشويه لصورة الإسلام في العالم أجمع عن طريق إلصاق تهمة التطرّف والإرهاب بكلّ ما هو مسلم، حتى أصبح الإرهاب تهمة لاصقة بالإسلام، وصار الخوف من الإسلام (Islamophobia) من أبرز شعارات القرن الحادي والعشرين ولم يكتف الأعداء بهذا بل راحوا يشنّون الحملات للطعن بالإسلام وإثارة الشبهات حوله، مع الإساءة المُتعمّدة لشخص الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - والنيل من سمعة أصحابه الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين .
ثانياً : العمل على تمزيق وحدة الأمّة الإسلامية وتفريق كلمتها وإحداث المزيد من الفوضى والقلاقل والفتن والحروب الطاحنة بين أبنائها، تارةً بإثارة النعرات العرقية بين أبناء الأمّة، وتارة بإثارة النزعات الطائفية فيما بينهم وضرب الفرق الإسلامية المتنازعة بعضها ببعض :
-      لإظهار الإسلام من الداخل على أنه دين تطرّف وإرهاب وعدم قبول الآخر حتى بين أبنائه ومعتنقيه فيما بينهم أو بعضهم مع بعض .
-      وإحداث المزيد من التفرقة والتمزيق والإنقسامات الداخلية بين أبناء الأمّة على طريقة "فرّق تسُد " للحيلولة دون وحدة الأمة  ووقوفها في وجه هذه المؤامرة الخبيثة على الإسلام .
-      إشغال المسلمين بعضهم ببعض وهدر طاقاتهم في الجدال وافتعال الأزمات السياسية الموهومة ذات الضجّة الإعلامية الفارغة مع الإغراق في تحليل أدقّ التفاصيل ، وإبراز أوجُه الخلاف فيما بينهم وإقامة الحُجج والبراهين على بعضهم لتبرير الخلافات، وتفيه آراء علمائهم الفقهية ومواقف دوَلهم السياسية، بهدف صرفهم عن المؤامرة الكبرى التي تحاك ضدهم وضد الإسلام، وسحب البساط من تحت أقدامهم جميعاً في غمرة إنشغالهم بما لا يُجدي نفعاً ولا طائل من ورائه .
ثالثاً : دعم وإسناد "العلمانيين الجُدد" وأدعياء التجديد في العالم الإسلامي، وتقديم رموزهم كدعاة للتحرّر والديمقراطية والعولمة وحقوق الإنسان، من أجل جعلهم البديل السياسي المطروح في مقابلة علمانيّي الأنظمة الحاكمة الحالية الطاغية والمُستبدّة بشعوبها بعد أن قامت أمريكا بتعرية هذه الأنظمة وكشفتها على الملأ، والقصد من إحداث هذا التغيير السياسي في العالم الإسلامي هو الانتقال بالوضع السياسي القائم حالياً إلى وضع سياسي متقدّم ونهائي هدفه القضاء على الإسلام – حسب تصوّر الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية – والفارق بين الوضعَين هو أن الوضع السياسي الحالي في ظلّ علمانيّي الأنظمة الحاكمة يكتفي بتعطيل دين الله وتعطيل شريعة الإسلام في حين أن الوضع السياسي المأمول لديهم في ظلّ العلمانيين الجُدد يُمكّن من تبديل دين الله بدين العقل والهوى واستبدال شريعة الإسلام بشريعة الغرب والغاب، أو بمعنى آخر الانتقال بالوضع السياسي في العالم الإسلامي من دور التجميد والتعطيل للإسلام إلى دور الإلغاء والتبديل للإسلام .
رابعاً : نشر المزيد من برامج الخلاعة والتعهير، والتضليل الإعلامي، وتجهيل المؤسسات التعليمية لشغل المسلمين بالشهوات، وتفريغ عقولهم من أيّ محتوى ثقافي وحضاري إسلامي، وتوجيه هذه العقول فيما يشبه خطوط السكك الحديدية لتحقيق أهداف هذه المؤامرة الكبرى على الإسلام ، والهدف النهائي من ذلك كله، تهيئة المجتمعات الإسلامية للانخراط في التغيير السياسي والانتقال إلى وضع علماني جديد وحكام جُدُد، وطريقة جديدة في العيش يرضى عنها أصحاب هذه الخطة العالمية بالقضاء على الإسلام في زعمهم !
خامساً : فتح أبواب العالم الإسلامي أمام الإرساليات التنصيرية المنظمة لتنصير ما يمكن تنصيره من المسلمين تحت شعار حريّة التديّن والاعتقاد، وهذه واحدة من أهم أهداف المؤامرة الكبرى للقضاء على الإسلام في العالم، وتحقيق أهداف الحملة الصليبية التي أعلن عنها "بوش الإبن" بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 .
سادساً : إسدال الستارة على ملفّ القضية الفلسطينية، التي بدأ الترويج لها في الآونة الأخيرة تحت عنوان "صفقة القرن" التي تستهدف ضمان أمن الكيان الصهيوني، وفتح أبواب العالم الإسلامي للتغوّل الاقتصادي الصهيوني، وتهويد ما يمكن تهويده من أرض الإسلام تحت شعارات الاستثمار والتطبيع الاقتصادي والتنمية وتحسين مستوى الدخل في المنطقة، وهذه واحدة من أهم أهداف المؤامرة الكبرى للقضاء على الإسلام؛ ألا وهي تحقيق "دولة إسرائيل الكبرى" !
وبعد ..
هلاّ نستفيق من سباتنا وننتبه لمّا يراد بنا ؟! وهل يستفيق أدعياء التجديد لما يراد بهم وبدينهم ؟!!
اللهم .. هل بَلّغت؟ اللهمّ فـﭑشهد