الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وزارة العدل السورية تسن قانونا يستهدف أموال وممتلكات المفقودين والغائبين وملايين المُهجرين المعارضين

وزارة العدل السورية تسن قانونا يستهدف أموال وممتلكات المفقودين والغائبين وملايين المُهجرين المعارضين

19.09.2021
هبة محمد


وزارة العدل السورية تسن قانوناً يستهدف أموال وممتلكات المفقودين والغائبين وملايين المُهجّرين المعارضين للنظام
القدس العربي
السبت 18/9/2021
دمشق – “القدس العربي”: اشترطت وزارة العدل لدى النظام السوري في قانون جديد، الحصول على الموافقة الأمنية قبل تنظيم الوكالات القانونية للمفقودين والغائبين وملايين المُهجّرين، حيث ربطت منح الوكالة القضائية بموافقة أفرع الأمن والاستخبارات.
ويؤخذ على القانون الصادر حديثاً، وفق حقوقيين تحدثوا لـ “القدس العربي” إلغاؤه الوكالات الخاصة السابقة وربط حياة أصحابها بموافقات أفرع الأمن، معتبرين أن هذا القرار يهدف إلى التحكم الأمني والقبض على المطلوبين وحرمان السوريين في الخارج من أموالهم أو استثمارها، كما أن الإجراء “باطل لمخالفته الدستور، فضلًا عن أن المبررات التي ساقها باطلة طالما أن مصلحة الغائب المفقود مضمونة ومحمية بقوة القانون” بينما ذهب البعض إلى وجود سبب أمني آخر وراء هذا الإجراء.
 
حقوقيون لـ “القدس العربي”: القانون الجديد يربط حياة نصف الشعب السوري بالأفرع الأمنية
 
وقالت وزارة العدل في بيان نشرته على معرفاتها الرسمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي “أصدر وزير العدل القاضي أحمد السيد تعميماً يقضي بالاستحصال على الموافقات الأمنية اللازمة لدى البدء بإجراءات الحصول على الوكالة أسوة بباقي الوكالات، واعتبار الوثيقة المتضمنة لهذه الموافقة من الوثائق التي يجب إبرازها ابتداءً كمرفق أساسي من مرفقات طلب الحصول على الوكالة”.
وأوضح البيان أن مسوغات هذا البيان يعود إلى “إصدار وكالات عن الغائب أو المفقود بشكل كبير في الآونة الأخيرة بسبب الأحداث التي حصلت في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، وما تسببت به من إشكالات وحالات استغلال من قبل الوكلاء”.
 
البني: باب لإرهاب الناس
 
المحامي البارز مأمون البني فسر قرار وزارة العدل بأنه باب جديد لإرهاب الناس ومحاولة التحكم بحياتهم ومنع السوريين من تسيير حياتهم. وقال للـ “القدس العربي” إن القرار يعمل على تعقيد حياة الناس من خلال ربطها بالأمن في كل الأحوال، كما أن النظام السوري يرغب من وراء هذا القرار التحكم الأمني والقبض على المطلوبين وحرمان السوريين في الخارج من التحكم في أموالهم أو بيعها أو استثمارها كما إنها محاولة لإجبار الناس على أجل مراجعة أفرع الأمن. مضيفاً أن “البنوك أصدرت التعميم ذاته، وأصبح التعامل معها مربوطاً باستخراج الموافقات الأمنية، حيث يهدف النظام إلى معرفة أماكن أموال المعارضين إن كانت في البنوك أو عقارات ونهبها وسرقتها”.
 
القاضي الشرعي الأول في دمشق: أحكام قضائية بوفاة وفقدان 15 ألف شخص شهرياً
 
وللحديث عن الأثر الرجعي للقانون الجديد، تحدث المحامي عبد الناصر حوشان عضو هيئة القانونيين السوريين لـ “القدس العربي” عن أحكام الغائب والمفقود وآثار الغياب والفقدان على شخصية الغائب أو المفقود القانونية وأثرها على زوجته وورثته وأمواله وممتلكاته، والآثار الضارّة لربط منح الوكالة القضائية بالموافقة الأمنية، حيث قال إن القانون “من شأنه تحكم النظام السوري بمصائر الناس وأموالهم وممتلكاتهم، والحجّة أو الذريعة الحاضرة هي “مطلوب أمنياً أو إرهابياً” وبذلك تتوقف حياة ومصائر زوجات الغائبين والمفقودين حيث يبقين معلّقات لا يستطعن الزواج ولا التصرّف بأموال أزواجهن وكذلك الأمر بالنسبة للورثة الذين يحرمون من حقهم في التملك والتصرّف بحقوقهم الإرثية”. وأكد أن هذا القانون يتعارض مع القانون والدستور الذي كفل وصان حق الإرث في المادة 17 منه. وتعتبر الوكالة القضائية بمثابة إعلان وفاة الغائب والمفقود والتي توجب حكماً توزيع تركتهما على ورثتهما.
وقال حوشان “تطبّق على الوكيل القضائي أحكام القانون المتعلقة بالوصي، وعليه فإن القرار باطل لمخالفته الدستور أولاً، وثانياً، إن الحجج التي ساقها أيضاً باطلة لان القانون في المادة 182 من قانون الأحوال الشخصية، أوجب على الوصي أو الوكيل القضائي عن الغائب أو المفقود الرجوع إلى القاضي للحصول على إدن بالتصرف بأي حق من حقوق الغائب أو المفقود وبالتالي فإن أي تصرّف كان دون الإذن القضائي ويضرّ بمصالحهما قابل للفسخ أي أن مصلحة الغائب المفقود مضمونة ومحمية بقوة القانون”.
الإجراء قديم، فقد اتخذه النظام السوري في ثمانينيات القرن الماضي بحق المفقودين والمعتقلين في سجونه، ومازالت أوضاعهم القانونية موقوفة رغم عمليات الإعدام والقتل التي ارتكبها بحقهم إلا أنه كان يمنع تسجيل وقائع الوفاة في سجلات الأحوال المدنية أو يمنع القضاء من منح وكالة قضائية عنهم لذويهم. وهو ما يكرره اليوم مع الآلاف من المفقودين والغائبين وملايين المُهجّرين، ويُعطِّل حياتهم ويُجمِّد أموالهم، ويسلب حقوقهم ويزيد من معاناتهم ومأساتهم.
ويؤكد حوشان أن ثمة سببا أمنيا آخر وراء القانون، حيث ربط “القرار بتصريح القاضي الشرعي في دمشق، عندما قال بأنه يقوم بتنظيم 500 وكالة قضائية و500 وصاية يوميا” معتبرا أن التصريح مؤشر على أعداد المفقودين، وأغلبهم من المعتقلين أو القتلى الذي فقدوا حياتهم أثناء المداهمات أو القصف، مضيفا أن “هذا الكلام وحجم الأعداد يفضح حقيقة قتل المعتقلين في الزنازين، وهو السبب الأهم وراء القرار لأن الأمن سيتحكم بتسريب الأسماء أو عددهم”.
 
“15 ألف مفقود شهرياً”
 
وكان القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي، قال في تصريحات لصحيفة الوطن شبه الرسمية إن المحكمة تمنح يومياً حوالي 500 وكالة قضائية، و500 وصاية شرعية مختلفة من أذونات سفر وتسجيل الأولاد في المدارس وتسجيل الولادات وغيرها، لافتاً إلى أن الوصايا المؤقتة لا تعطى عادة إلا للأقارب حتى الدرجة الثالثة. وهو ما يشير وفق تصريحات القاضي الشرعي الأول، إلى أن ما يقارب 15 ألف مفقود يحكم بوفاتهم أو فقدانهم شهرياً.
رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني اعتبر أن أي إجراء إداري يشترط وجود موافقة أمنية، هو مخالف للمفاهيم والقوانين ومن شأنه أن يعرقل الأمور، مؤكداً أن القانون يستهدف بشكل أساسي المعارضين السياسيين للنظام والمغيبين قسراً والنازحين واللاجئين أي نصف الشعب السوري وفق قوله.
وأوضح للـ “القدس العربي” أن النظام يشغل الأجهزة الأمنية ويوسع من صلاحياتها وتوغلها في المجتمع بهدف ابتزاز الأهالي ودفع مبالغ مالية وهو ما يشكل خسارة لدى المعنيين بالقانون الجديد، عدا عن أنه يردع الكثيرين عن مراجعة الأجهزة الأمنية خوفاً من المساءلة القانونية حول الشخص المطلوب وهو ما قد يقود أقارب الغائبين والمهجرين إلى السجن والتعذيب. وقال عبد الغني إن القانون يعرقل ويكبل الحركة الاقتصادية في البلد، ويستهدف المعارضين من النازحين والهاربين خوفاً من النظام والمشاركين في الثورة، وجميعهم متأثرون بهذا القرار وهؤلاء بحاجة لوكالة والشخص منهم لا يعرف إن كان مطلوباً للأفرع الأمنية والاستخبارات أو غير مطلوب.
القانون وفق الخبير القانوني “عذاب للمواطن” وقد اتخذ بطلب من الأجهزة الأمنية من أجل أن تكون شريكة للمطلوبين والمعارضين للنظام بممتلكاتهم وأموالهم وهو ما يفتح لها المجال في النهب والسرقة، مؤكداً أن “القرار يخالف القوانين والدستور ومخالف للقانون الدولي لحقوق الإنسان ويستهدف السياسيين كما أن هناك نهباً اقتصادياً يخالف أكثر من قاعدة قانونية”.