الرئيسة \  رؤية  \  وجيز التفسير : " اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ "

وجيز التفسير : " اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ "

24.04.2019
زهير سالم




وعندما يضيف الله سبحانه وتعالى عباده إلى نفسه بهذه الصيغة من الجمع " عبادي " فإن السياق القرآني سياق اختيار وتحبب وتكريم ، والمقام مقام تبشير ومنّة ووعد . وفي المقابل فقد ورد في القرآن الكريم لفظ " للعبيد " في سياق آخر هو سياق حقوقي كما نقول في هذا الزمان بأن الله ليس ظلاما للعبيد . ومع أنه سبحانه لا يُتصور منه الظلم أصلا إلا أنه حرمه على نفسه كما ورد في الحديث القدسي وفي نداء التحبب أيضا : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " .
ونقرأ في مواضع عدة من القرآن الكريم على لسان سيدنا داود وسليمان ، لما آتاهم الله من الملك ، آيات الشكر والاعتراف بالفضل والمنة والخروج من الحول والطول والقوة .
قوله تعالى : اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا .. من أقرب ما قيل فيه : اعملوا عملا يشكركم عليه المتفضل الأول ، ويشكركم عليه الناس من بعد . ثم جاء التعقيب القرآني المطلق : وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ..
يعني أن الشكر قليل حتى في هذه النخبة التي يضيفها مولانا إلى نفسه إضافة اختيار وتكريم . فلم يقل مولانا : وقليل في الكفار الشكور ، ولم يقل وقليل في الفساق الشكور ، بل لم يقل وقليل في الناس الشكور ، بمسمى الناس المطلق  المحايد ؛ بل قال " وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ " لتقرير حقيقة أن الشكر قليل حتى في هذه النخبة المضافة إلى مولاها إضافة اختيار وتكريم .
ومن معنى الآية
وقليل في هذه النخبة الشاكرون ، وقليل منهم في حق مولاهم الشكر المكافئ لنعمه .  إذ أن يلهمك شكره نعمة تستحق منك الشكر في متوالية من النعمة والاستجابة لا حدود لها .
فالقلة تكون في الشاكرين عددا ، والقلة تكون في الشكر مكافأة موازية للنعمة السابقة السابغة التي لا يوفي شكرها عمل ولا قول .
وقوله تعالى " وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ "  ينصرف بعموم اللفظ أيضا إلى شكر الناس بعضهم . فإذا كان الشاكرون لخالقهم ورازقهم والمتفضل عليهم قليلا ؛ فإن شكر الناس لأندادهم من البشر أقل . ربما نتذكر شكر المرء أباه وأمه وأخاه وأخته ومعلمه وأستاذه وكل من أحسن إليه .. فنرى حقيقة الجفاف في سيولة الشكر في قلب الإنسان وعقله وجوارحه وبالأخص على لسانه .
 بل إن الأمر كثيرا ما ينعكس إلى ضد حتى وضع من ظن نفسه حكيما وما هو بالحكيم  مقولة : اتق شر من أحسنت إليه . فخطه الخطاطون ، وأطرها المؤطرون مع أنها من كلام أهل الباطل ، ومن الدعوة إلى القطيعة والعقوق.
" الشَّكور " اسم من أسماء الله الحسنى تسمى به مولانا مع أنه الأول في النعم ابتداء ؛ فما أجمل أن يكون له تجليات في سلوكنا وعلى أخلاقنا وفي جزئيات عيشنا .
وفي الأثر : من قال لأخيه جزاك الله خيرا فقد أجزل له المثوبة . أي أن هذه العبارة الموجزة القصيرة مكافئة صالحة لكل يد تمتد إليك بمعروف ..
 ونقيض الشكر الكفر ، كفر النعمة ، وكفر الإحسان ، وقال للنساء وتكفرن العشير.
ومن أضداد الشكر الكبر ، حتى يقول مثل قارون : " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي " ينكر نعمة الله عليه . فالمتكبر في نفسه أو في ماله أو في مكانته يرى نفسه أكبر من أن يشكر خالقه ، وهل العبادة إلا صيغة من صيغ الشكر ، أو أن يشكر الناس وخيلاؤه تزين له أنه فوق الفوق .
ومن أضداد الشكر بطر النعمة ، " وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ "
شكر الله عنا كل من كانت له يد عندنا يد احتسبناها ولم نقدر على الوفاء بها ، ويد غفلنا عنها نحيل شكرها على الشكور مولانا .
17 / شعبان /  1440
----------------
*مدير مركز الشرق العربي