الرئيسة \  مواقف  \  وجهة نظر : في وجيز التفسير: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)

وجهة نظر : في وجيز التفسير: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)

28.03.2024
زهير سالم




وجهة نظر :
في وجيز التفسير
(فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)

زهير سالم*
والخبر في هذه الآيات كان يدور عن الطغاة من آل فرعون، وما تركوا من جنات وعيون…
واختلف أهل التفسير في توجيه هده الآية..
حيث تساءل المتسائلون: وهل تبكي السماء والأرض؟؟ هذا واحد؟؟
والسؤال الثاني: في إجراء دلالة "مفهوم المخالفة" فإذا كانت السماء والأرض لا تبكي على الطغاة المتجبرين، والعتاة المفسدين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فهل تبكي على المؤمنين القانتين العابدين الصالحين المصلحين؟؟
وبينما اتفق المفسرون على المعنى الثاني، وهو أن السماء والأرض ربما تبكي على مثلي ومثلك، من المؤمنين الصالحين المصلحين، إذا أهلّنا أنفسنا لذلك، وقالوا إنها تظل تبكي علينا: أربعين يوما وليلة، وهل يكون بكاؤها إلا دعاء واستغفارا وشفاعة، وطلب رحمة وعفو ومغفرة…
اللهم ارحم من فقدنا، وارحمنا إذا فُقدنا..
أما في القضية الأولى في الجواب على سؤال: وهل تبكي السماء والأرض؟؟ فقد تفاوتت أقوال المفسرين في ذلك: فقال أكثر أهل الأثر: نعم إن السماء والأرض تبكيان على المؤمن، فيبكي عليه من الأرض موضع سجوده، ومواضع سعيه للبر وعمل الخيرات، والقيام بحق الخلافة الحقيقية، فهنا كان يقوم، وهنا كان يصلي، وهنا كان يمر، وهنا كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهنا كان يزرع أو يبني أو يثمّر..وكل تلك المواضع إذا فقدت موضع جبهته، جبهتنا، عليها أو موضع خطوته خطوتنا عليها، أو مضرب فأسنا، أو وقع أقدام الذين يكرون في سبيل الله، بكت عليهم كل تلك البقاع..
وقالوا: وأما في بكاء السماء فثمة باب أو مصعد لكل مؤمن يرفع فيه عمله كل يوم، أو كل خميس، حسب رواية لحديث آخر، في سر صيام يوم الخميس، فإذا مات العبد المؤمن الصالح المصلح، بكى عليه ذلك الموضع من السماء..!! هذا قول..
وحمل آخرون قوله تعالى (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ) على أسلوب من أساليب العربية عنوانه "حذف المضاف" وباب هذا في العربية عريض، ومنه (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا)، فلا القرية تسأل، ولا العير تُستنطق؛ وإنما المقصود: واسأل أهل القرية، واسأل أصحاب العير من أهل القافلة..
فعليه يكون المعنى في قوله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ)  فما بكى عليهم أهل السماء من الملائكة، ولا أهل الأرض من الناس الذين يحفون بهم.
قالوا: وأما الملائكة الذين يبكون على الانسان، فهم ذلك الرهط من الملائكة الكرام، الموكلون بحفظ أعمال العبد في ديوانه، في عرفنا الإداري في سورية نسميه، ديوان الذاتية، حيث لكل موظف ملف تحفظ فيه أعماله، فهؤلاء الملائكة يظلون يستقبلون يوميا أو أسبوعيا، كل خميس على ما بينا، أعمال الإنسان المؤمن الصالح، وإذا قلت الإنسان، فإن ذلك في لغة العرب ينطبق على الرجل والمرأة "فإذا مات هذا الإنسان، توقف وصول الأعمال إلى الملائكة، فيسألون عنه؟؟ فيقال لهم: قد مات وانقطع عمله، فيبكون حينئذ عليه، أنعم الله عليّ وعليكم بمثل تلك الدموع…وهذا تأويل بكاء أهل السماء..
أما بكاء أهل الأرض على الرجل الصالح، فقد عرفناه،..
أذكر رجلا مسلما من أهل حلب، كنت وأنا صبي كلما وقفت بجانبه برفقة الكبار، يظل يعبث بشعري، ويخلل أصابعه فيه، ثم يعيد ترتيبه، لا أزال أذكر حنان تلك الأصابع؛ فأدعو الله له، وكنت كلما سألتُ من أرافقه: لماذا صاحبك هذا، يظل يفعل ذلك برأسي، فكان يضحك، ويقول لي: تكبر وتعرف..
تبكي السماء والأرض على المؤمن الصالح المصلح أو أهليهما في صيغة: من هنا مروا، وهاهنا تركوا أثرا..
هل تتذكرون: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ)
لعل هذا من هذا..
على آثارنا تبكي السماء والأرض..
وقد جد بنا الجِد فجدوا
لندن: ١٣/ رمضان/ ١٤٤٥
٢٣/ ٣/ ٢٠٢٣
____________
*مدير مركز الشرق العربي