الرئيسة \  مواقف  \  وجهة نظر : وجيز التفسير : من هم أولياء الله؟؟

وجهة نظر : وجيز التفسير : من هم أولياء الله؟؟

28.03.2024
زهير سالم




وجهة نظر :
وجيز التفسير
من هم أولياء الله؟؟
(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)) سورة- يونس

زهير سالم*
وتفسير هذه الآية، يستكمل تفسير قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون)

وفي طريقنا إلى تثبيت العقيدة، في عصر انتشار الشك والريبة وقلة اليقين، يبقى الارشاد إلى التجارب العرفانية، أوثق طريق إلى الايمان واليقين.
الايمان العقلي الكلامي على ما يقولون، هو الذي جعل الإمام الرازي، كبير متكلمي الإسلام، ليقول: اللهم إني أسالك إيمانا كإيمان العجائز…فيما يرون!!
لا نريد لشبابنا إيمان العجائز القائم على التقليد المحض،
ولا الإيمان العقلي الجاف الذي يقوم على حقائق ظرفية، تحكمها في كثير من الأحيان القدرة على الجدل.
وإنما نريد الايمان العقلى القائم على الدليل، والقلبي القائم على اليقين.
حتى يقول قائلنا: لو كشف الحجاب ما ازددت إيمانا..
جميل أن نأخذ بأيدينا معا لنذوق حلاوة الإيمان على ما وصف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار."
ثلاث مراتب نرتقي بها عالم العرفان..
ولقد تعرضت تجاربنا العرفانية الإسلامية، إلى كثير أو قليل من الاضطراب والتخليط..
وحين نتحدث عن عرفانيين من ذواقي حلاوة الإيمان؛ فنحن لا نتحدث: لا عن زي، ولا عن شطح، ولا عن ادعاء كرامات، الله أعلم بحقيقتها.
لا ننكر الكرامة، ونحفظ "واثبتن للولي الكرامة" هذه قاعدة عامة، ولكن نقول باب الادعاء في الحديث عن الكرامات عم وطم…
صاحب الكرامة لا يدعيها ولا يطلبها ولا ينتظرها. ونحن في أنفسنا وعند أنفسنا أقل من أن نحوم حولها، إلا بمعنى أن يكرمنا ربنا بالمغفرة.
في قوله تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون..
كانت كلمة السر في تفسير هذه الآية توصيف من هم أولياء الله!!
وترتسم في أذهاننا صور لأنماط مجتمعية "للولي" فمن هو الولي ؟؟ ومن هم أولياء الله؟؟
وأول ما يتبادر إلى المخيلة صورة الضريح المسجى بالغطاء الأخضر الموشى. وتحضر مع الصورة صورة السبحة، وترانيم الذكر، وأحيانا صورة السيخ "الشيش" وأكل الزجاج والمشي فوق النار أو الماء والقفز في الحلقات ونداء يا جداه ويا غوثاه…
ثم حكايات عن أرشيف من الكرامات تكاد تتجاوز ما روي من معجزات الأنبياء!! يفرق العلماء والمتكلمون بين معجزة النبي وكرامة الولي، بأربعة فروق. أهمها أن النبي يستحضر معجزته عند التحدي، وأن الولي لا يستطيع ذاك.
وأعود بنا لنتعرف بطريقة قرآنية على من هم أولياء الله!!
أولا أريد أن أؤكد جازما أن ولاية المسلم، كل مسلم، لله ورسوله وصالح المؤمنين، من فرائض الإسلام. وليس فقط من مراتب العرفان.
حين نتحدث عن عقيدة الولاء والبراء، نعني الولاء للمؤمنين والبراء من غيرهم. وقالوا في تعريف الولاء: "إنه حب ونُصرة". وافتح معنى "النصرة" على كل الآفاق الايجابية التي يقتضيها الموقف من الولي لوليه؛ ولنقرأ معا (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)
فأمر أن نكون جميعا أولياء لله ولرسوله ولصالح المؤمنين، ليس ناقلة، ولا ضريحا مسجى بالأخضر، ولا سبحة ولا خرقة، ولا شيش..
أن أكون، أن تكون، أن تكوني، أو نكون أولياء لله، وأولياء لبعضنا بجامع الإيمان، هو ركيزة أساسية من ركائز هذا الدين، واقرأ معي مرة أخرى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
في تفسيرات المفسرين وردت أقوال عديدة في تفسير قوله تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هو يحزنون..
وتضافرت الأقوال والنقول على توصيف أولياء الله بأنهم
"الذين إذا حضروا ذُكر الله"
"ولي الله" هو الإنسان الذي تذكرك بالله صورته وهيئته، ومنطقه، وبكل حاله..
في توصيف آخر يروي المفسرون عن سيدنا رسول الله صلى الله وسلم عليه يتحدث عن "قوم تحابوا بروح الله بينهم، على غير أنساب بينهم ولا أموال يتعاطونها" يقول إن وجوههم لنور، وإنهم على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس؛ ويتلو صلى الله عليه وسلم:
(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري يختصر وصف الولي بلفظين يقتبسهما من الآية نفسها، فيقول: "ولي الله من آمن واتقى.."
ويعيدنا إلى قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا)
ويؤكد مولانا هنا أن أولياء الله (الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) أو الذين آمنوا ثم اتقوا، بوصف آخر (لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)
وعن هذه البشرى كان حديث تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحرنوا
كن مع ربك واستقبل بشراك، وسر على نهج الحبيب ودعك من تخاريف من قال: حدثني قلبي عن ربي، فإنما هو حديث من تخبطه الشيطان، وللحديث بقية.
لندن: ١٦/ رمضان/ ١٤٤٥
٢٦/ ٣/ ٢٠٢٤
____________
*مدير مركز الشرق العربي