وجهة نظر :
شهداء تدمر أيها الأبرار
زهير سالم*
مرّت بنا بالأمس ذكرى المجزرة الرهيبة. مجزرة تدمر الكبرى 27/ 6/ 1980.
مرت ومكثت وفؤادي، مثل فؤاد أم موسى، فارغ يترقب!! خمسة وأربعون عاما أحمل بين على ظهري صعيدا طيبا، أقول عسى يتيمم به من فقد الماء، أو عجز عنه.. فيذكر أو يتذكر…
وبقيت سحابة يومي بالأمس ألوب، كما كانت تلوب أرواح الشهداء، الذين لا قبور لهم، غير حواصل الطيور الخضر ،إن شاء الله، وأعلم أنهم قد فرحوا فرحتهم الكبرى، يوم صاروا إلى جميل وعد ربهم، ولكنني قررت أن وقوع الفرحة على الفرحة هو من مزيد المنّة، أن يعيش الإنسان النعمة في وريقات خضراء على شجرة الوعد عاد إليها النماء. وقالوا تحقق الوعد، وما زلت أعض على شفتي، وأقول: يا زهير علكّ أو عساكا..
بالأمس كانت الذكرى الأول لحفل الموت الكئيب الجماعي الأول، نفذته أيدي الإثم الكالح، بحق خيرة من الخيرة الذين
قامت أركان هذه الثورة على دمائهم..
والبيت لا يُبتنى إلا له عمد
ولا عماد إذا لم ترسُ أوتـــاد
وكنت على أريكتي طوال الأمس، متدثرا بعجز وضعف السنين، وبعد أن استشعرت حالة من قالوا "خلص الحكي" فسكت، وانتظرت..
وقلت: اليومُ لهؤلاء الشهداء السابقين المكرمين على أرض سورية "ولي" هو أولى بدمائهم، ونحن تربينا على أن لا ننازع الأمر أهله، فصمت، ولو علمت الأمر سيؤول إلى إهمال وازدراء وتضييع لجهدت جهد المقل..كما كنت اجهد في كل عام..
وأصغيت إليهم، واستمعت إلى من يزعم، والعرب تقول: "زعموا مطية الكذب" إن الهيئة المكلفة بشؤون المفقودين ستتولى أمر المفقودين بدون استثناء، وسترد على كل مواطن سوري حقه!! واللجنة الموقرة ومن كلفها لا ترى أن توجه كلمة في ذكرى يوم العزاء بدم ألف شهيد، أظنهم وأحسبهم كانوا سوريين أيضا، وأخشى أن تفندون كنت أنتظر فقط كلمة عرفان لمن بقي من الثكالى والأرامل والأبناء والأحفاد..ولكن هؤلاء ليسوا أبناء بطاركة تشقى في استرضائهم الوجوه والأقدام!!
وهؤلاء الذين تم ذبحهم ظلما وعدوانا وبغيا لن تسأل عن الاعتراف بمظلوميتهم لا وزارات الخارجية، ولا منظمات حقوقية، وليس وراءهم بيع ولا كُنس..ولن يكون السؤال عنهم مقررا في امتحان ترامب أو ماكرون..
على اليوتيوب منذ أيام كنت أتابع معترف عن حادثة اغتيال حافظ الاسد في ذلك الوقت من العام 1980، يعترف الرجل نضّر الله وجهه، وسلم الله يداه، أن العملية كانت من تدبيره مع ابن اخت له، كانوا أفرادا.. أفرادا قدروا، وأفرادا دبروا، وأفرادا نفذوا، وأعيد تأكيد الشكر والعرفان لهم على المبادرة، وأدعو بخير لظهور أنجبت، ولبطون حملت، ولكن هذا لا يمنعني أن أقول: والحق أحق أن يتبع، أن الجماعة التي حُمّلت على علم من الأفّاك الاأثيم، مسؤوليةَ الواقعة، وقدمت ألف شهيد من خيرة بنيها وخيرة أبناء المجتمع السوري.. لم يكن لها يد في كل ما جرى هناك!!
لم يكن لها يد، وهي لا تتحمل المسؤولية، ولكنها حين حُملت تحملت كما يتحمل الرجال الرجال..إذ لا بد للقافلة حين تسير القافلة "من جمل للمحامل" حمال ألوية.. ثم ويحهم اليوم من صبية يتضاغون ويتنادون هلموا إلى جمل المحامل فاذبحوه…
وأرفع رأسي، كما في كل عام، وأسمع هدير التكبير، يختلط برشاش الدم، هذا مصطفى وهذا خالد وهذا زاهد يلوح بيده، وذاك أسامة وعمر وعثمان وإبراهيم وأعد الأسماء حتى الألف وتتوالى متوالية الألف حتى الألف ألف..فإذا نحن في 8/ 12/ 2024 نظن ونخال ونحسب، ثم نعيد العد لنعلم عدد السنين والحساب. عند الصباح يحمد القوم السرى، كذا تقول العرب، والحمد لله على كل حال، واشوقاه إلى تحميدة تتم بها الصالحات..
وتختلط في أذني الأصوات وأسمع صوتا من واشنطن يقول: العالم سيصبح بقتلهم أجمل، ويؤيده صوت من باريس.. أعلنوا عن مكافأة لمن يقتل منهم أكثر.. ويخشى البطريرك "كيرل" الروسي أن لا يكسب في دمائنا الأجر، فيبارك لبوتين ويوقع له صك غفران جديد…
وأعود إلى أولياء الدم الأحمر القاني الطاهر الذي سال من نحور الأسرى المكبلين في زنازين تدمر..
وأقول: إن وعد الله هو الحق فلا تيئسوا.. ولا تقنطوا.. ولا تُخدعوا .. ولا تذلوا!!
ولا تنتظروا الكثير من الذين يعجزون عن كلمة وفاء، أو من الذين يخافون منها، إذا لا فرق!!
وناغيت أخا لي بمثل هذا الكلام فهمس في أذني: اعذرهم إنهم منهمكون في استرضاء من قال الله فيهم (حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) قلت تقصد الذين قال الله عنهم أنهم لن يرضوا..
حيّتك عزة بعد الهجر وانصرفت
فحيّ ويحك من حياك يا جمــــــــل
لندن 3/ محرم/ 1447
28/ 6/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي