الرئيسة \  مواقف  \  وجهة نظر : سقوط الحضارة

وجهة نظر : سقوط الحضارة

23.06.2025
زهير سالم



وجهة نظر :
سقوط الحضارة

زهير سالم*
كتب شبينغلر منذ مائة عام كتابه "تدهور الحضارة الغربية".. يقولون إن الصخرة قد تهوي في الهاوية أكثر من سبعين خريفا قبل أن تستقر في القاع…
شعور بالغضب ممزوج بالألم يمتلكنا مع إشراقة هذا الصباح..
نمنا على سلام من الله، لم تحرقنا شمس الله، بعد أن وسعنا ثقب الأوزون نتيجة ما تقذف محركات مصانعنا من سم زعاف، لم تطغَ علينا مياه المحيطات نتيجة ذوبان جليد القطبين..
وإنما طاف بنا طائف شيطاني خبيث هو فيض بعض الشر الذي اختزنه بعضنا في نفوسهم ثم قذفوا كل هذا العالم به.
والخلاصة التي ما زلنا نعايشها في هذا الجيل من الآدميين.. من البشر .. من أبناء الإنسان..
مجرمون مولعون بالجريمة يتحكمون بمصائر البشر.. تقتيل الناس بالنسبة إليهم، نزهة لصيد العصافير..يصطادون العصافير عبثا، يسمونهم قادة وزعماء ورؤساء، ويتحدثون عن شريعة الإنسان ضد شريعة الله..ويعتقدون أصلا أنهم قد قتلوا الله…
هذه الحرب البغيضة الكريهة التي ما تزال تقاد على عالمنا، بل على أمتنا وشعوبها، منذ أكثر من قرن، ثم منذ أربعة عقود فتقتل وتذبح وتدمر وتستبيح. وأبشع كل شيء فيما نراه هو سقوط الإنسان على جبهة.. وموت الإنسان على أخرى..
وما تزال شخصية "دون كيخوتة" لثربانتيس، هي النموذج المحبوب الذي يثير الإعجاب، وتقدمه صناديق الاقتراع المبنية أصلا على توسيد أمور الناس لكل من يظل البرق يخطف أبصارهم…
"دون كيخوتة" الذي الذي يظل يصارع طواحين الهواء، ويحسب نفسه فارس الفرسان وهو مجرد مهوم!! هل يعلم أصحاب مدرسة التهويم، أن الإنسان الذي حباه الله بعض القدرة على التهويم، لينتصر على ظروفه الواقعية الصعبة، سأقول جميلا التهويم لسجين يعيش في زنزانة ضيقة، فيهرب من ضيق الزنزانة ومن ضيق اللحظة، ولكن من العبث بل من الجنون، أن يستعين الإنسان وهو على كرسي القدرة والسلطة أن يستعين ببعض أعشاب التهويم لينتشي أكثر على طريقة "الدون كيخوتة"
مقالي هذا ليس سياسيا، بل إنساني، ليتفكر بعضنا بأن هذا الذي عشناه ونعيشه هو مخرج من مخرجات ما نسميه الآليات الحديثة، ونصفق لها..
هذا الذي جرى في سورية على مدى ستة عقود، لم يكن بقدرة حافظ وبشار الأسد وحدهما…ظلت هذه الدول التي نصفها بالحديثة، والزعماء الذين ننعتهم بالدينقراطيين، والهيئات التي نضفي عليها لقب المدنية، يصفقون منذ اليوم الأول حتى قبل ثلاثة أيام من سقوط هذا الشيء الكريه..حتى المحامون العرب الأشد كراهة كانوا يصفقون، ودعك ممن يسمون المفتين العرب على السواء..
نراقب يوميا ما يجري في غزة.. كيف يقتل نتنياهو أطفال غزة كما يقتل صياد في رحلة تسلية في كل جولة مزيدا من العصافير..
قصار النظر فينا من يعتقد أن هذه الجريمة هي جريمة شخص أو جريمة كيان..
ما يجري في غزة هو جريمة ما تسمونه حضارة.. جريمة نظام بشري عام قائم على هذه الركائز التي نظل نهتف لها، ونتعلق بها، ونبني عليها آمالنا…!!
إذا كان لنا أن نلتمس العبرة مما جرى اليوم، وما جرى اليوم بغض النظر عن القاصف والمقصوف، هو من أكثر الدلالات التي تنبئنا عن بؤس اللحظة ، وضيق اللحظة التي يعيشها الإنسان على سطح هذه الأرض..
والنداء اليوم لا يمكن أن يوجه إلى غير عقلاء البشر..
عقلاء البشر على كل خلفية، إلى ذرية ابن آدم المقتول..
كفانا جميعا، على كل ما قد ينشب بيننا من اختلاف عاقل، خضوعا لنزوات "قايين" الأحمق السفيه النزق المغرور..
هل فكر دون كيخوتة بالأمس ماذا يمكن أن يجري لو انفجر في المنطقة مفاعل لليورانيم الخصيب… تقولون إن العالم أصبح قرية، وتقول أفعالهم: إشعال النار في أجساد الآخرين سهرة رومانسية على الشموع..
 
لندن: 26/ ذو الحجة/ 1446
22/ 6/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي