وجهة نظر :
"المسلمون تتكافأ دماؤهم..."
زهير سالم*
وأكتب هذا المقال اليوم، والمسلمون أحوج ما يكونون إليه، في ظرفهم الزمني العارض والمكرور.
وكانت العرب في جاهليتهم، يقتصون لدمائهم على مقتضى شرفهم وقوتهم ومنعتهم، وضعف خصومهم. وطالما أسرف الأقوياء أو السفهاء في القتل فلم يكادوا يتوقفون. حرب داحس والغبراء اشتعلت بين عبس وذبيان على خلفية سباق بين فرس وحصان. وحرب البسوس اشتعلت على خلفية نهكة ناقة لجار…
في ثنايا حرب البسوس أن الحارث بن عباد، وهو سيد من سادات وائل، لما بلغه قتل جساس لكليب، أزعجه الأمر فبعث ابنه "بجيرا" إلى المهلهل لعله يتلافى؛ وعدا عليه المهلهل فقتله. وقال له إذ قتله بؤ بشسع نعل كليب… فاعتبر دم ابن عم له، ومن سادات قومه، وفاءً لحبل حذاء أخيه!! وكانت تلك هي الجاهلية.
وجاء الإسلام، وحارب وجاهد، وما زال للجاهلية بين ظهراني المسلمين مخالب وأنياب..
جاء الإسلام بقاعدة "المسلمون تتكافأ دماؤهم" وجاء الإسلام بقاعدة (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) ويأبى كثير من المسلمين حتى اليوم..!!
يقتلون البريء، لأنه أشرف من القاتل، ويقتلون بالواحد العشرة والمئة والأمة ولا يكادون يتوقفون!!
في التشريع الاسلامي القصاص ليس حدا، وإنما الحد ما لا شفاعة فيه قبل أن يرفع، بينما القصاص شرع فيه القود، وفتح بجانبه العفو المطلق أو العفو المرتبط بالدية..
في العفو يقول تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) ،وفي الآخر يقول تعالى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)
في القصاص الإسلامي تتجلى وحدة الدم الإنساني. فدم كل قاتل كفء لدم كل مقتول. وإن تكن آراء الفقهاء قد اضطربت في بعض الإسقاطات إلا أنها في جوهرها اتفقت على أن سلطان ولي الدم فيما جعلت له الشريعة الغراء واحد. أن يقتص بقود من الجاني، أو يقبل دية من العاقلة. ودية المسلمين في شريعة الاسلام واحدة، فلا دية لشريف أزرق الدم، ولا دونها لدونه مهما كان..الرواية عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم أحد يوم استشهد سيدنا حمزة وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة: لأمثلن بسبعين؛ لا تصح.. وهي أوهى من الناحية الحديثية أن يعتمد عليها..
وقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه، وانحصر قتلته في النفر الذين تسوروا عليه الدار، والذين باشروا القتل منهم.
ثم لما طعن سيدنا علي رضي الله عنه، قال لأبنائه وهو يعالِج الموت: إن أعش فالجروح قصاص. وإن مت فشأنكم به.
طاغية مجرم مثل حافظ الأسد هو الذي انتقم لمحاولة اغتياله بقتل ألف من المسلمين الأتقياء.
كل الأمم تقع فيها المصائب فتتجاوز. ولا أحد يجعل من يوم النقمة عيدا يكرس فيه الحقد والعداوة والبغضاء..
من منا يحفظ تاريخ اليوم الذي قبض فيه سيدنا أبو بكر وهو خير الأمة بعد نبيها!!
من منا يحفظ تاريخ استشهاد عمر رضي الله عن عمر ، وقد اغتاله في محرابه مجوسي حاقد لئيم؟؟
من منا يحفظ تاريخ مقتل ذي النورين أمام مصحفه، وقد عدا عليه أفاكون أفاقون، فقطعوا أصابع زوجه، وأصابوا مصحفه برشاش دم؟؟
وسيدنا علي، وما أدراك ما سيدنا علي رضي الله عنه ، وقد عدا عليه الخارجي وقيل فيه:
يا ضربــــــــة من تقــــــي ما أراد بهــــا
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
وقد شقي والله بها شقاء يدركه في الدارين.
أتساءل أمام العقلاء لنعقل إنها ليست رمانة بل قلوب بالحقد على هذه الأمة ملآنة
أي اتهام لسيدنا الحسين أن يقال: إنه يرضيه أن يرى أمة جده متناحرة متدابرة متحاربة فيه!!
هل في تكريس هذا الحقد وهذا التدابر وهذه البغضاء وفاء لأبي عبد الله الحسين.
بقي أن أقول لكم حديث: "المسلمون تتكافأ دماؤهم"! من حديث سيدنا علي رضي الله عنه، وفي صحيفته التي ورثها عن رسول الله وحفظها في قراب سيفه..
فليرد حديث أبي الحسن والحسين من شاء!!
لندن: 7/ محرم/ 1447
2/ 7/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي