الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  وجه الإسلام الهندي : ٢-٤

وجه الإسلام الهندي : ٢-٤

28.04.2021
زهير سالم



زهير سالم*

ربما تربع على عرش التأثير في شرقنا العربي في القرن العشرين ثلاثة من المفكرين من شبه القارة الهندية ...
أبو الأعلى المودودي ، وأبو الحسن الندوي، ووحيد الدين خان ...
كل الملاحظات التي ستسجل على طرائق الرجال الثلاثة في هذا المقال ، لا تعني التقليل من قدرهم ، أو قلة توقيرهم واحترامهم ...
كان أبو الأعلى المودودي ١٩٠٣ - ١٩٧٩ أمير الجماعة الإسلامية في باكستان ، أكبر الثلاثة عمرا ..
والجماعة الإسلامية في الباكستان جماعة إسلامية في مناخ برلماني توازي على نحو ما طريقة جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي، مع فارق في الظروف .
ردف الشيخ المودودي رحمه الله تعالى المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتب الإسلامية، منها كتاب الحجاب والربا ونظرية الإسلام وهديه في السياسة والمصطلحات الأربعة في القرآن الكريم وتناول في الأخير تعريفات محددة لكلمات الإله والرب والدين والعبادة ..
في كل كتبه وفكره يبدو أبو الأعلى رحمه الله تعالى صارما عابسا شديدا، حتى يصل الأمر في كتابه " الحجاب " إلى الدعوة إلى احتجاب المرأة في بيتها ومن محارمها ...
تتمثل خطورة الصرامة التي تحلى بها أبو الأعلى المودودي رحمه الله تعالى في أن كتبه ترجمت إلى العربية ، وشكلت رافدا أساسياً من الروافد الثقافية للجيل الذي ،أنتمي إليه ، بنظرة شديدة القداسة كنّا نستقبل كتب المودودي. وربما كان الأثر الأكثر عمقا تعريفاته للمصطلحات الأربعة ، وكذا بعض مقرراته في كتابه نظرية الإسلام وهديه ومن الناحية الاجتماعية كتابه الحجاب. نحن هنا لا نقوّم الصحة والخطأ بقدر ما نتحدث عن المنهج وعن الأثر . وموقع الشيخ المودودي رحمه الله تعالى في قمة هرم الجماعة الإسلامية لعقود طوال أعطاه مكانة وميزة متقدمة.
وإذا كان حسب قواعد المنبع والمصب كان المنتظر من العالم العربي ان يحتل موقع الأعلى اسموزيا لضخ الثقافة الإسلامية إلا ان المعادلة كانت لأسباب كثيرة معكوسة. كنّا في مصر والشام والعراق وجزيرة العرب مستقبلين للثقافة بكل أنواعها أكثر منا منتجين أو مصدرين !! ومن هنا فقد اكتسب السيد أبو الأعلى أيضا لقب "الإمام" وهكذا كنّا نلقبه ، وهذا ليس على سبيل الاعتراض
والمدخل الأكبر وغير المباشر للتأثير أن كتب السيد المودودي كانت موردا من موارد سيد قطب الفكرية ، فقد تمثلها الشهيد رحمه الله تعالى وأعاد إنتاجها أو التأكيد عليها في أكثر من موضع من كتبه وبالتالي فإن هذا التمثل " الهندي " للإسلام بالوجه الصارم للشيخ المودودي رحمه الله تعالى أصبح جزء من صورتنا المعاصرة ...صرامة امتدت إلى عقول وقلوب الكثيرين من جيلنا وممن يليهم.
إلى أي حد تجاوبت الصرامة الهندية المودودية مع روح الصرامة النجدية ؟! تذكروا قول الأقرع بن حابس لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتقبلون الأولاد ؟!!!!
الحدّية التي تمثلت في تعريفات المودودي لكلمات الرب والإله والدين والعبادة بطريقة كلامية حدية لعله لم يسبق إليها..
كل ذلك اختلط بثقافة جيل نجد شبابه اليوم يحاسبون أنفسهم على البسمة، ويعايرون التحية الذي ألقوها وإذا ردوها...
يقف أحدهم على منبره مقطبا جبينه عاقدا حاجبيه يقول للناس: وتبسمك في وجه أخيك صدقة .
وأصبحت كل لغتنا الاجتماعية والثقافية مشروطة بأن تقع في سياق " زيبقلية" منتجة حسب قواعد التعريفات الصارمة ..
ومقالنا القادم حول دور الإمام أبو الحسن الحسني الندوي وهو دور مختلف مؤتلف في الوقت نفسه ..
لندن: ١٥/ رمضان / ١٤٤٢
٢٧/ ٤/ ٢٠٢١
____________
*مدير مركز الشرق العربي