الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  وجه الإسلام الهندي -١

وجه الإسلام الهندي -١

27.04.2021
زهير سالم



زهير سالم*

وهذا المقال مرشح لمن يبحث عن موضوع ينال به الشهادة " العالمية "
وأعود إلى وجه الإسلام الهندي، وتسألني وهل للإسلام وجه عربي ووجه فارسي ووجه هندي ...
أليس الإسلام حقيقة كبرى مقررة من قبل رب العالمين ، وأقول نعم وكان لهذه الحقيقة تمثلاتها الجماعية والفردية . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم للتمثل الأرقى للحقيقة الإسلامية " كان خلقه القرآن" ثم نجد الصورة البكرية والعمرية والعثمانية ... نسخ طبق الأصل مع التمايز ..
ولقد كان لله حكمة بالغة في اختيار العرب بطبائعهم وتكوينهم ليكونوا الحامل الأكثر توازنا لحقيقة هذا الدين، دون أن يعني ذلك أن غيرهم غير قادر على المشاركة ، ويبقى حديث للعموم .
وتبقى عندنا نسخ من الإسلام كلها طبق الأصل ، وكلها تحمل ميزات وخصوصيات في بحبوحة الفروق بين الشقيق والشقيق تعبر عن نفسها وتنادي على الباحثين عنها .
وقد ذكرني بوجه الإسلام الهندي ونحن في أيام رمضان المبارك انه منذ أيام توفي المفكر والكاتب والداعية الهندي المعمر وحيد الدين خان ، توفي عن نحو مائة عام ؛ والذي لفت نظري أكثر أن بعض المهتمين بالثقافة الإسلامية نعوا الرجل واحتفوا بوفاته دون الانتباه إلى حقيقة ما يمثله في إطار المدرسة الفكرية الإسلامية الهندية.
لقد رسم ملامح وجه الإسلام الهندي لدينا هنا في الشرق العربي أربعة من قادة الفكر الإسلامي في الهند ، فقط لأنهم كانوا أكثر حضورا
الأول هو الشاعر والفيلسوف المسلم العملاق محمد إقبال. وظل محمد إقبال مع الأسف يحتل مكانته بين الخاصة ، لم يلتفت الكثيرون إلى كتابه " تجديد التفكير الديني" لا حظ معي تجديد التفكير، وليس تجديد الخطاب ، ولا ديوانه الأعرق في الفلسفة وفِي الدعوة إلى إعادة البناء الشخصية المسلمة " أسرار خودي - رموز بخودي " ديوان " الأسرار والرموز " أو أسرار إثبات الذات ورموز نفيها " الديوان الذي أراد منه إخراج الشخصية المسلمة من حالة السلبية الجبرية المتواكلة " الخشبة الطافية على سطح أمواج القدر " عودا بالمسلمين إلى الدعوة الكيلانية الأصيلة "دفع الأقدار بالأقدار" أو الدعوة العمرية "نفر من قدر الله الى قدر الله ". و ما تزال ريادة محمد إقبال الإصلاحية بعدُ ضبابية حتى في عقول وقلوب الكثيرين من الذين يدعون إليها. دواوينه الشعرية الجميلة والعظيمة والتي ترجمت معظمها إلى اللغة العربية وغيرها من لغات العالم ، ما تزال وقفا على الخاصة ، ولولا أن أم كلثوم غنت قصيدته أو مقاطع من قصيدته شكوى وجواب شكوى لما سمع الكثير من المثقفين باسم محمد إقبال رحمه الله تعالى ، فمن من مثقفي العصر اطلع على ما أو جزه أبو الحسن الندوي في كتابه "روائع إقبال " أو اطلع على ديوان محمد إقبال "بيام مشرق" " رسالة المشرق" الذي تفاعل فيه مع ديوان الشاعر الألماني العظيم " غوته " في الموضوع نفسه ، أو ديوانه "أرمغان حجاز " " هدايا الحجاز " يحمله لقومه في بلاد العجم .
لقد كان محمد إقبال رحمه الله تعالى الأقدر بين الإصلاحيين المسلمين المعاصرين منذ القرن التاسع عشر، على إدراك سر " الوهن" الذي تعيشه الأمة، وكان يقدم الحلول والوصفات الناجعة ، التي تستبطن العلل في أعماق النفس، ولكن وللأسف فإن دعواته شديدة التركيز والرقي لم تجد "الحامل" العملي على أرض الواقع فظلت رؤى فيلسوف يحلق بقومه في فضاءات لا يقدرون عليها...
لم يكن محمد إقبال رحمه الله تعالى هنديا بقدر ما كان عالميا، ولذا فإننا نعتقد أن ريشته لم تحظ بإضافة القليل من الرتوش إلى وجه الإسلام الهندي، لتبقى هذه الصورة وقفا على ثلاثة مفكرين مبدعين، مبدعون ولكن ..هم أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي ووحيد الدين خان وهذا ما سنتناوله في القسم الثاني من هذا المقال إن شاء الله.
لندن : 14 رمضان / 1442
26/ 4/ 2021
_____________
*مدير مركز الشرق العربي