الرئيسة \  مشاركات  \  وتلجّ الثورة عامها الثامن

وتلجّ الثورة عامها الثامن

19.03.2018
عقاب يحي



لا أحد، كما أعتقد، كان يتصوّر أن تمتدّ الثورة كل هذه السنوات، وأن تثقل بمختلف التعقيدات لدرجة أن الأسئلة تتهاطل عن مصيرها، وهناك من يتحدث عن فشل، أو نهاية الثورة وسط أجواء من احتقان الوضع، وشيوع الإحباط، وضبابية الانفراج، وصولاً لأي حل سياسي يحقق الحد الأدنى من الأهداف التي قامت لأجلها .
ـ أسئلة مشروعة تتحدى وعينا وكبرياءنا، عن الذي جرى ومسؤوليتنا، واختلاط الذاتي بالعام، والداخلي بالخارجي، ومحاولات العديد الهروب للأمام بشعارات متفائلة مشبعة بنوع من الديماغوجية، أو تحميل، الآخر، الخارجي، وربما المجهول، مسؤولية الفشل في تحقيق الهدف، وهذا التراجع والانحسار، وانسداد الباب، حتى الآن على الأقل، أمام حل سياسي يتوافق وقرارات الشرعية الدولية.
ـ عمليات المراجعة والتقييم ضرورية، ليس لجلد الذات كما يعتقد البعض، بل لمعرفة الأخطاء والفجوات وجوانب التقصير، وقد حاولنا في الائتلاف ـ أيار 2016ـ عقد ورشة بعنوان : الثورة والحصائل، كان الهدف منها القيام بمراجعة شاملة عبر مشاركة عدد من المفكرين والسياسيين والناشطين من اتجاهات مختلفة، والذين أسهم معظمهم في كتابة وجهات نظرهم وقد طبعت في كتاب إلى جانب المداخلات دون حذف أو تدخل من قبلنا.. لكن النتائج والاقتراحات والتصورات التي طرحت لم نتمكن من تجسيدها لأننا في مواجهة حالة بنيوية داخلية، وشبه استعصاء على صعيد الحلول السياسية، ناهيكم عن التطورات التي شكلت عاملاً ضاغطاً يؤدي إلى التراجع على الأرض، وإلى الدحرجة في القرارات الدولية باتجاه مزيد التنازلات، وهيمنة روسيا على الملف السوري دون وجود إرادة دولية فاعلة تحدّ منها، أو تضع بعض ثقلها، ونخصّ الولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص.
ـ نعم يجب الاعتراف بحجم الانحسار الذي حدث على الأرض، والمسؤولية الذاتية فيه، وتراكب ذلك مع انزياحات دولية تعبّر عن مواقف واضحة تبحث عن تفسير يخصّ  كل دولة، خاصة أمريكا وسياستها.
ـ على الأرض كانت معارك، بل هزيمة حلب مفصلاً مهماً جديراً بالوقفة والمراجعة، وهو الذي لم يحدث، شأن أمور حيوية كثيرة لا تجد جهة موحدة، أو هيئة معارضة قادرة، ومهيّأة للقيام بهذا الضروري، وعبر نتائج حلب كان الانحسار عاماً حين أرادت روسيا بضغط كبير استثمار النتائج وتكريس أمر واقع يُفرض على الفصائل عبّرت عنه، في الجوهر، لقاءات أستانا وما يعرف بمناطق خفض التصعيد، وأشكال المصالحات المنفردة، والجهوية التي تحدث والتي تشرذم قوى الثورة، وتزيد من تبايناتها وصراعاتها الداخلية، وصولاً إلى محرقة الغوطة ونتائجها البعيدة المدى على تواجد الثورة، وعلى الحل السياسي.
ـ لنعترف أن تلك العَسكرة براياتها التي ابتعدت عن جوهر الثورة وغاياتها ومبرراتها، وتلك البعثرة والتشظي والتوالد غير المنطقي لمئات الفصائل، وحاجة أغلبيتها للموّل الخارجي، وعجزها عن التوحد، وحتى التنسيق فيما بينها ولو عبر غرف عمليات مشتركة، وتصفية معظم فصائل الجيش الحر، وإبعاد أغلبية الضباط المنشقين بواقع غياب استراتيجية موحدة، أو سياسة عسكرية.. كانت الأرضية المنطقية للتراجعات والانزياحات الكبرى.
ـ ولنقرّ بشجاعة أن الهيئات التي قامت لتمثيل الثورة، ونعني بها هنا الائتلاف بالتحديد، لم تكن بمستوى التحديات والمهام، ولا بمستوى قيادة وطنية قادرة على قيادة وضع شديد التعقيد. هنا تظهر خلاصات الأزمات البنيوية للمعارضة، وقوى الثورة، ولمستوى الضغط الدولي وطرق التعامل معها، وضعف الروح الجماعية، والمأسسة، وعقد رهانات على الخارج كانت بديلاً عن التواصل مع الشعب وقواه وفعالياته، وهروباً من التزامات تنصّ عليها الوثائق المكتوبة، مع التأكيد على أن طغيان العَسكرة بالطريقة التي حدثت سحقت السياسي، واحتقرته، وعملت على تهميشه، ومنعت القيام بدوره المأمول، خاصة في توحيد الفصائل، وفي العمل السياسي المركزي، والمفاوضات.
ـ وعلى صعيد آخر كانت المتغيّرات الدولية، ونخصّ  بها مواقف الدول المحسوبة على أنها أصدقاء الشعب السوري، واضحة التنازل، والتجويف منذ سنوات، وكانت تستدعي التعامل معها كما هي وبواقعية، وبوضع البدائل التي تعتمد على الذات أولاً، وانطلاقاً منها لعلاقات مع الدول الخارجية. وفي الوقت الذي كانت فيه سياسة الإدارة الأمريكية السابقة واللاحقة تستدعي النقاش والتغيير ظلت الآمال على أوهام خلبية هي التوجه الرئيس.
مقابل ذلك هناك حالة شعبية صامدة، متمسكة بالثورة وتواصلها مهما كانت التضحيات، وهنا تضرب الغوطة بصمود أهلها وتفضيلهم الموت في أرضهم على الخروج، أروع الأمثلة عن إرادة الشعب وتوجهاته، وحالة سكان الغوطة ليست خاصة، فقبلها كانت داريا وجموع الريف الغربي للغوطة، وريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي، وإدلب الذين يرفعون راية الثورة، ويخوضون حرباً ضروساً ـ بكل الوسائل ـ لإخراج النصرة والتنظيمات الإرهابية، ناهيكم عن الحراك في المناطق الشرقية ووجود استعداد كبير لدى أغلبية المواطنين على اجتراح المبادرات الخلاقة التي تبقي رايات الثورة عالية، وتؤكد التصميم على الاستمرار حتى النصر، وإقامة النظام المدني التعددي الديمقراطي.
ـ هنا لا تكفي الشعارات الشعبوية التي تغلب العاطفي والرغبوي على الواقعي، ولا الاستناد المجرد على مقولة الحتميات التاريخية التي تنصّ على أن إرادة الشعوب لا تقهر ولا تهزم، إذ يمكن للثورات أن تفشل، ويمكن لها أن ترتكس، أو تضمر، وتنتقل إلى الكمون ما لم تتوفر الشروط اللازمة.
ـ الشروط متوفرة في تصميم شعبي واضح، وفي إرادة الاستمرار والقابلية على مزيد التضحيات، وإذا ما استوعبنا أن المعركة طويلة، وقد تستغرق سنوات، وأن الحلول التعسفية التي يراد فرضها تحت عناوين التسوية السياسية لن تستقر وتنجح.. نعلم أن النصر ممكن حين تتوفر الأدوات والبرامج المتسمدة من الحقائق والواقع، وليس الافتراضية .
ـ يجب الانطلاق من حقيقة إيجابية بلورتها المخاطر والتحديات المحدقة بالثورة والبلد، والتي تظهر اليوم باستعداد كبير لدى قطاعات وفعاليات شعبية واسعة للعمل الجماعي، وتجاوز الخلافات الذاتية والثانوية لتحقيق مزيد التوافقات والعمل المشترك، والاستعداد للاصطفاف الوطني العريض.. وأن مجالات كبيرة مفتوحة في الجزيرة والفرات، وفي إدلب وعفرين ودرع الفرات والمناطق التابعة للمعارضة للعمل الواسع ضمن هبّة شعبية تضع أهالي المنطقة في موقع المسؤولية، وتوفير الشروط اللازمة لإدارة شؤونهم حين توفر الظرف المناسب. كما أن الوضع الدولي ليس مستقراً، ولن تبقى روسيا الطرف المستفرد بالملف السوري، بما يقتضي أخذه بالاعتبار في المواقف والسياسات الخارجية، وفي فحوى الحل السياسي الذي نريد.