الرئيسة \  تقارير  \  هل تقع سورية في فِخاخ الصناديق الدولية؟

هل تقع سورية في فِخاخ الصناديق الدولية؟

26.04.2025
مالك ونوس



هل تقع سورية في فِخاخ الصناديق الدولية؟
مالك ونوس
العربي الجديد
الخميس 24/4/2025
في وقت منعت واشنطن تدفق أموال المساعدات والاستثمارات إلى سورية من الدول العربية لمساعدة الحكم الجديد في التغلب على مصاعب مرحلة ما بعد نظام الأسد، أجازت لمسؤولين سوريين السفر إلى واشنطن لحضور اجتماعات الربيع التي يعقدها صندوق النقد والبنك الدوليان هذه الأيام، لمناقشة الخطوات الخاصة بإعادة دعم سورية بقروضٍ من الصندوقين. وإذ كان لافتاً أن واشنطن والدول الغربية لم ترفع العقوبات التي فُرِضت على سورية في مرحلة الأسد بعد سقوط النظام، لوحظ نشاط لهذين الصندوقين واهتمام بسورية عبر هذه الزيارة وعبر لقاءاتٍ سابقة عقدها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مع مندوب صندوق النقد الدولي في دبي على هامش القمة العالمية للحكومات. فهل يمكن القول إن واشنطن سمحت بهذه الاجتماعات لكي تتمكّن من هندسة الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأسد وفق متطلباتها وشروطها، هندسة وإقراض يأخذان شكل الفرض لا الاختيار؟
تحتاج سورية الاستثمارات والمساعدات من أجل إعادة بناء البنية التحتية من طرق ومرافئ ومطارات واتصالات وقطاع الطاقة والتعليم، وللتمكّن من إعادة بناء ما هدمته الحرب وإعادة بناء الاقتصاد المنهار من أجل الاستجابة للتحدّيات التي تَحول دون عودة السوريين من دول اللجوء ومخيمات النزوح، وتحسين مستوى معيشة المواطنين وإعادة دمج البلاد بالاقتصاد والنظام المالي العالميين، غير أن التفاؤل الكبير الذي اجتاح البلاد وأهلها وأخوتهم في الدول العربية بعد سقوط النظام، بتوفر فرصة لتغيير واقع البلاد، اصطدم بالعقوبات التي لم تسمح واشنطن برفعها، على الرغم من أنها فُرضت خلال حكم الأسد الذي ارتكب مجازر بحق أبناء شعبه. لذلك حل الإحباط محل التفاؤل، وتكرَّس حين فرض البيت الأبيض شروطاً ثمانية على الحكم الجديد لتلبيتها قبل التفكير برفع أي عقوبات. وزاد هذا الأمر في شلل الاقتصاد، وتسبّب في تردّي الأوضاع المعيشية وإحجام دول عربية وأصحاب رؤوس أموال عن التوجه إلى سورية لتأسيس أعمال في البلاد التي تعتبر واعدة، وتحتاج لجهد الجميع. كما تسبّب في حرمان السوريين من استغلال ثروات بلادهم النفطية والغازية، وغيرها من الثروات الباطنية التي تغنيهم عن القروض وتُعد الضرورية في عملية إعادة البناء وتحسين مستوى المعيشة.
تحتاج سورية الاستثمارات والمساعدات من أجل إعادة بناء البنية التحتية من طرق ومرافئ ومطارات واتصالات وقطاع الطاقة والتعليم، وللتمكّن من إعادة بناء ما هدمته الحرب
وبالنسبة لاجتماع واشنطن، لم يُطلع الوفد السوري إلى الاجتماع، والذي يضم وزير المالية وحاكم مصرف سورية المركزي، الإعلام على ما يحمله من خطط وأفكار يطرحها خلال الاجتماعات واللقاءات المزمع عقدها مع ممثلي الدول وأصحاب رؤوس الأموال وممثلي المؤسسات المالية المقرضة. لذلك ليس معلوماً ما إذا كان المعنيون قد وضعوا تصوّراً أو رؤية استراتيجية لإصلاح الاقتصاد وإعادة الإعمار، أو أي رؤية أخرى بشأن مستقبل سورية الاقتصادي وهوية اقتصاد البلاد، غير تلك العبارات التي أطلقها رموز النظام الجديد بعد أيام من سقوط نظام الأسد، وركّزت على فكرة الخصخصة سبيلاً للإصلاح الاقتصادي، والمنقذ من أزمات البلاد الاقتصادية والمالية، حسب اعتقادهم. فرؤية مستقبلية متكاملة هي أول ما ستطلبه الأطراف الأخرى في الاجتماعات، لكي تساعدها في وضع خططها لتقديم القروض أو الدعم، إضافة إلى أنها تعدّ ضرورية لأصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات الذين يمكن أن يجدوا فيها عوامل جذب تشجّعهم على الاستفادة من فرص إعادة البناء.
لكن، إذا أخذنا بالاعتبار الشروط الثمانية التي قالت مصادر لوكالة رويترز، نهاية مارس/ آذار الماضي، إن واشنطن سلمتها للحكومة السورية واشترطت تنفيذها قبل رفع العقوبات عن البلاد، فإن دعوة الوفد السوري إلى اجتماعات صندوقي النقد والبنك الدوليين تعد بادرة حسن نية تجاه الحكومة السورية، ودافعاً لها من أجل تنفيذ تلك الشروط، غير أن في تنفيذها من الصعوبة، بالنسبة لحكومة الرئيس أحمد الشرع، درجات تجعل التفاؤل برفع العقوبات أمراً ما زال مبكّراً. وعلى الرغم من ذلك، تشير كل إيحاءات واشنطن إلى أنها قد قررت هندسة الاقتصاد السوري وفق شروطها ورؤاها بشكل يجعل نهوض هذا الاقتصاد متوقفاً على تدفق المنح أو القروض الخارجية، لا على مقومات داخلية، وبالتالي تكبيل سورية بشروط الصناديق الدولية التي تسيطر عليها الإدارة الأميركية سنوات وربما عقوداً كما حصل مع دول أخرى.
ولا يمكن معرفة ما يشكله اعتماد سورية على القروض التي قد تحصرها واشنطن في صندوقي النقد والبنك الدوليين من مخاطر آنية ومستقبلية، إلا بعد الاطلاع على التجارب المؤلمة دخلت هذه التجربة، فهذان الصندوقان يُعدّان ذراع واشنطن الاقتصادية والمالية، وأداتين من أدواتها للهيمنة على دول كثيرة. وعادة ما تكون الاقتصادات المتعثرة فريسة لصندوق النقد والبنك الدوليين، فيوحيان للدول المتعثرة أن ثمّة مخاطر كبيرة جرّاء إقراضها، من أجل فرض قيمة فائدة كبيرة، والاستجابة لمطالبهما في تنفيذ وصفات جاهزة. وتتضمن الوصفات في بنودها بنداً أولياً وأساسياً ينصّ على رفع الدعم الذي تقدمه الحكومة للقطاعات الإنتاجية، خصوصا الزراعة، وعن المحروقات والخبز وغيرها من السلع الضرورية، وإلغاء التعليم والطبابة المجانيين، وتخصيص القطاع الاقتصادي المملوك للدولة، أو إعادة تقييم جدواه من أجل إعادة هيكلته، وغالباً ما يجري النصح ببيعه، وطبعاً بأثمان بخسة.
دعوة الوفد السوري إلى اجتماعات صندوقي النقد والبنك الدوليين تعد بادرة حسن نية تجاه الحكومة السورية، ودافعاً لها من أجل تنفيذ تلك الشروط الأميركية
وبسبب تداعيات الاقتراض السيئة من هذين الصندوقين، فإن دولاً كثيرة تتركه خياراً أخيراً، بعد عجز الخيارات البديلة. ونادراً ما تستفيد الدول المقترضة استفادة ملحوظة تنعكس إيجابياً، بسبب تقسيم مبلغ القرض على دفعاتٍ كثيرة، فلا يُلحظ لها أثر تنموي نتيجة عدم ضخ كتلة مالية كبيرة في قطاع يكون في أمسّ الحاجة إليه، فتذهب هذه الدفعات إلى ترقيع هذا القطاع أو إعادة دوران ذاك المصنع الصغير. وكثيراً ما عجزت دولٌ عن الإيفاء بأقساط القروض لضعف مردودها، فتتراكم الفوائد، وتزداد نسبة خدمة الدين حتى تصل إلى مبالغ تفوق القرض نفسه، كما في مصر ولبنان. وفي هذه الحالة، تعود الدول إلى استدانة قرضٍ جديد من أجل إيفاء القرض السابق، فتدخل في دوامة تصعب عليها الخروج منها، وتوصل البلدان إلى مرحلة الفشل الاقتصادي والانهيار وفرض هيمنة الصندوقين على قطاعات سيادية. عندها تبدأ البلاد بالدخول في الصراعات والقلاقل والانتفاضات، لخلع الطبقات الحاكمة التي تسبّبت في انهيار الاقتصاد ورهن البلاد للصناديق الدولية.
وبالنسبة لسورية، يُخشى أن الولايات المتحدة منعت دخول أي مساعدات مالية، وأبقت العقوبات، لمنع دخول الاستثمارات، من أجل جعل الاستدانة من صندوق النقد والبنك الدوليين أولوية للحكومة السورية، عبر استثناءات محدّدة وشروط مجحفة. وليس خافياً أن واشنطن على دراية بصعوبة تنفيذ الحكومة السورية الشروط الثمانية التي فرضتها على دمشق من أجل تخفيف العقوبات. وبالتالي، منع تعافيها اقتصادياً إلى أجلٍ غير مسمّى. لذلك، لا يبقى أمام دمشق سوى انتظار الاستثناءات للحصول على قروض أميركية تحديداً، وبالتالي، تفخيخ المجتمع والاقتصاد السوريين، وجعلهما عرضة للاضطرابات والقلاقل التي تعرف واشنطن تمام المعرفة أنها ستكون تحصيل حاصل.