الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل اقترب “الهجوم الكبير” على مناطق الانتشار التركي شمال سوريا؟

هل اقترب “الهجوم الكبير” على مناطق الانتشار التركي شمال سوريا؟

22.09.2021
إسماعيل جمال


إسماعيل جمال
القدس العربي
الثلاثاء 21/9/2021
إسطنبول – “القدس العربي”: منذ زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى موسكو الأسبوع الماضي يطلق الجانبان الروسي والسوري تصريحات متناسقة ورسائل عسكرية وسياسية متلاحقة ضد الوجود التركي في شمالي سوريا وسط تصعيد عسكري متواصل وتسخين للجبهات وحشود عسكرية ينذر بما يعتقد أنه “هجوم كبير” يخطط النظام السوري لشنه على مناطق انتشار الجيش التركي في شمالي سوريا بشكل عام وذلك على الرغم من الزيارة القريبة المتوقعة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى موسكو.
المؤشر العسكري الأبرز، هو التصعيد التدريجي في محيط إدلب وصولاً لمناطق انتشار الجيش التركي “درع الفرات وغضن الزيتون ونبع السلام” حيث تصاعدت تدريجياً هجمات النظام السوري والغارات الجوية الروسية في الأسابيع والأيام الماضية وركزت كما يبدو على اضعاف الخطوط الأمامية الدفاعية للمعارضة السورية وخاصة في جبل الزاوية الذي يعتقد أنه الهدف العسكري الأول للنظام السوري في أي عملية عسكرية مقبلة.
ويذكر التصعيد الأخير بسياسة النظام السوري التي ارتكزت في السنوات الأخيرة على القيام بهجوم كبير يقضم مساحات واسعة من مناطق سيطرة المعارضة السورية قبيل الانصياع للضغوط العسكرية والسياسية والبدء فوراً بالاستعداد لجولة جديدة من القتال حيث باتت المعارضة السورية محصورة في مناطق صغيرة من وسط وشمال إدلب ومناطق صغيرة متفرقة يسيطر عليها الجيش التركي شمالي سوريا. كما يتوقع أن النظام السوري الذي يسعى بكافة الطرق لإحكام سيطرته على كافة الأراضي السورية قد تفرغ إلى درجة كبيرة لحسم مناطق المعارضة شمالاً وذلك بعدما نجح مؤخراً في اختراق درعا جنوباً بالهجمات العسكرية والاتفاق الروسي الأخير وهو ما منح النظام مساحة لتركيز جهوده في المرحلة المقبلة على هدف واحد وهو إنهاء مناطق سيطرة المعارضة والجيش التركي في الشمال.
ويرى النظام السوري في بدايات العودة إلى النظام العربي الرسمي مجدداً فرصة للتصعيد ضد تركيا وهو ما يعتقد أنه سيزيد أسهمه في الجامعة العربية في ظل تركيز العديد من الدول العربية على قضية “التدخلات التركية” في الدول العربية ورغبة العديد من الدول العربية في استخدام النظام السوري لمهاجمة تركيا، وهي فرصة سانحة يرى النظام أنها ستمنحه اسمهماً وربما تسرع في إقبال الدول العربية على إعادة التطبيع مع النظام وإعادته إلى جامعة الدول العربية، لا سيما عقب الزيارة الأخيرة لوزير دفاع النظام إلى الأردن لأول مرة منذ 10 سنوات والاجتماعات العربية مع النظام السوري التي جاءت تحت بند إيصال الغاز والكهرباء للبنان.
 
رسائل عسكرية وسياسية متناسقة من دمشق وموسكو
 
وفي سياق غير مفهوم، الاثنين، خرج النظام السوري بتصريح على لسان مسؤول في وزارة الخارجية يقول إن “سوريا تحتفظ بحقها الذي يكفله الدستور والقانون السوري، في الرد على الممارسات العدائية التركية ووضع حد لها” مضيفاً: “تحمّل سوريا النظام التركي كامل المسؤوليات القانونية والسياسية والمالية التي تفرضها مبادئ القانون الدولي ذات الصلة… سوريا تدين الممارسات التركية العدائية وانتهاكاتها لأراضيها وتعتبرها عملاً عدوانياً وخرقاً لسيادتها واستقلالها وجزءاً من السياسات العدوانية التي ينتهجها النظام التركي منذ أكثر من عشر سنوات”.
وخلال استقباله الأسد في موسكو قبل أيام، قال بوتين: “بجهودنا المشتركة وجهنا ضربة للإرهابيين، فالجيش السوري يسيطر على أكثر من 90٪ من أراضي البلاد” مضيفاً أنه “للأسف، لا تزال هناك جيوب مقاومة للإرهابيين الذين لا يسيطرون فقط على جزء من الأراضي، بل ويواصلون ترهيب المدنيين أيضاً”. وأضاف بوتين: “المشكلة الرئيسية، في رأيي، تكمن في أن القوات الأجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة وبدون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدماً في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية”.
وقال الأسد إن “لبعض الدول تأثيراً مدمراً على سير العملية السياسية في سوريا” وأضاف: “مضى على العملية المشتركة لمكافحة الإرهاب حوالي 6 سنوات، حقق خلالها الجيشان العربي السوري والروسي، إنجازات كبيرة، ليس فقط من خلال تحرير الأراضي أو من خلال إعادة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم، وإنما أيضاً من خلال حماية مواطنين أبرياء كثر في هذا العالم، لأن الإرهاب لا يعرف حدوداً سياسية، ولا يقبل بالحدود السياسية” وتابع بالقول: “كما تعلمون هناك عوائق لأن هناك دولاً تدعم الإرهابيين، وليس لها مصلحة في أن تستمر هذه العملية بالاتجاه الذي يحقق الاستقرار في سوريا”.
هذا الخطاب الموحد والذي ركز على فكرة “محاربة الإرهاب” و”القوات الأجنبية” فهم منه على أنه خطاب موجه إلى تركيا بشكل مباشر رغم عدم ذكرها بشكل علني، وما يزيد من أهمية هذه التصريحات أنها تأتي في إطار زيارة للأسد إلى موسكو وهي الزيارة التي لا تجري في سياق طبيعي وإنما ما يسميه السوريون “استدعاء” روسي للنظام من اجل الانتقال لمرحلة جديدة من المسار العسكري والسياسي في البلاد، وفي ظل الشلل الذي يصيب المسار السياسي فإن الخشية تتزايد من مسار عسكري جديد وقريب.
ورغم الخلافات التركية الروسية الظاهرة في الملف السوري، فإن كثيرون يعولون على القمة المرتقبة بين اردوغان وبوتين في موسكو من أجل منع حصول مواجهة عسكرية جديدة وذلك عبر التوصل إلى اتفاق جديد أو آليات عملية تمنع أو تؤجل بالحد الأدنى تفجر الأوضاع العسكرية ولو لعدة أشهر جديدة، حيث أكد الكرملين في بيان له، الاثنين، أن اردوغان وبوتين سوف يبحثان بدرجة أساسية الملف السوري.
=========================
هجرة الصناعة السورية إلى مصر: المقربون من النظام يرحلون بعد استنزاف خزائنهم
دمشق ـ فؤاد عبد العزيز
العربي الجديد
الثلاثاء 21/9/2021
تتفاعل يومياً قضية هجرة الصناعيين السوريين والأدمغة من مناطق النظام السوري باتجاه مصر على وجه الخصوص، وسط إنكار رسمي لوجود مثل هذه الهجرة من الأساس، رغم المعطيات الكثيرة والمعلومات التي أدلى بها مقربون من النظام، وعلى رأسهم رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي، ورئيس تحرير صحيفة "الوطن" شبه الرسمية وضاح عبد ربه، الذي اختار الكتابة عن هذا الموضوع على صفحته الشخصية في "فيسبوك" أخيراً وليس على صفحات جريدته.
وقبل أيام، كتب فارس الشهابي، على صفحته في "فيسبوك"، أن هجرة العقول والأموال هي أخطر بكثير مما حصل في العام 2012، واصفا كل من ينكرها بأنه "منفصل عن الواقع"، في إشارة إلى تصريحات رئيس الوزراء في حكومة النظام حسين عرنوس، الذي أنكر خلال إلقائه البيان الحكومي في مجلس الشعب وجود مثل هذه الهجرة، طالبا من أعضاء مجلس الشعب تزويده بأي معلومات لديهم عنها.
أما عبد ربه، فقد اعتبر هجرة العقول والأموال إلى مصر أنها انطلاق لمرحلة تفريغ سورية من كوادرها وشبابها، محملا الحكومة المسؤولية، لأنها لم تفعل شيئاً لوقف مثل هذه الهجرة، على حد قوله.
رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية : على الحكومة التدخل لوقف نزيف هجرة الصناعيين من سورية إلى مصر
كما هاجم عبد ربه وزارة المالية بسبب سياستها الضريبية، متسائلا "ما الفائدة من تحصيل 100 مليار ليرة إذا خسرت سورية آلاف المليارات"، داعيا رئيس الوزراء إلى "عقد جلسة حوار موسعة مع التجار والصناعيين والأطباء والكوادر و"محاولة وقف هذا النزيف الذي سنسدد ثمنه غاليا جدا" على حد قوله.
وعدا عما كتبه الشهابي وعبد ربه، فهناك يومياً عشرات المعلومات التي يكتبها محللون اقتصاديون وخبراء وناشطون على صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، أو على المواقع الإعلامية، والتي يطالبون فيها الحكومة بالتدخل لوقف نزيف هجرة الصناعيين من سورية إلى مصر، بالإضافة إلى هجرة الشباب من أصحاب الشهادات إلى خارج البلد، بقصد الوصول إلى أوروبا أو العمل في أسواق الدول الأخرى، بعد أن أصبحت ظروف الحياة المعيشية في سورية لا تطاق. ناهيك عن الأوضاع الأمنية السيئة في ظل سيطرة المافيات المقربة من أجهزة المخابرات على مجمل الحياة العامة، وتعميق الفساد داخل المجتمع.
غير أن اللافت في الحديث عن هجرة كبيرة للصناعيين السوريين إلى مصر، أنه تنقصه المعلومات الدقيقة والبيانات عن أسماء بعينها أو شركات ومعامل قامت بهذا الفعل، وهذا الأمر مرده، بحسب المحلل الاقتصادي مروان القويدر الذي يعيش في دمشق، إلى إن هجرة الصناعيين السوريين، بالمعنى الحقيقي للكلمة، لم تحصل بعد، وإنما هناك معامل كثيرة متوقفة عن العمل ومعروضة للبيع، ورجال أعمال باتوا يزورون مصر بكثرة في الآونة الأخيرة، ويلتقون مع التكتلات التجارية والاقتصادية هناك، بهدف جس نبض الأسواق تمهيدا للهجرة النهائية.
تسهيلات وتطمينات مصرية
ويرى القويدر أن مصر من جهة ثانية بدأت تغازل الصناعيين ورجال الأعمال السوريين، وتقدم لهم التسهيلات والتطمينات الكثيرة، من أجل جذبهم إلى أسواقها، بعد نجاح تجربة اللجوء السوري في مصر، التي أثمرت عن نشاط اقتصادي في عدد كبير من القطاعات، وبالذات النسيج والألبسة والعقارات والسياحة والمطاعم، بالإضافة إلى سوق المهن.
القويدر: مصر بدأت تغازل الصناعيين ورجال الأعمال السوريين، وتقدم لهم التسهيلات والتطمينات الكثيرة، من أجل جذبهم إلى أسواقها، بعد نجاح تجربة اللجوء السوري على أراضيها
وفي سياق متصل، يرى الإعلامي "م. ع"، الذي يعمل في إحدى مؤسسات النظام الصحافية وطلب عدم الكشف عن اسمه، أن الهجرة الحقيقية للصناعيين السوريين تمكن مشاهدتها بوضوح في مدينة حلب (شمال غرب)، التي توصف بعاصمة الصناعة في سورية، لافتا في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن هناك أكثر من خمسين مصنعا كبيراً توقفت عن العمل، إضافة إلى عشرات المعامل الصغيرة والورش، وأنه تم بالفعل شحن آلاتها ومعداتها إلى خارج سورية، وليس بالضرورة إلى مصر، على حد قوله.
وكشف الإعلامي "م. ع"، الذي يقيم في حلب، أنه التقى قبل عدة أيام برئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي، وأن هذا الأخير أخبره بأنه إذا لم تتدارك الحكومة الأمر، فإن جميع صناعيي حلب سوف يغادرون إلى خارج سورية، واصفا الأمر بالكارثي والخطير، وخصوصا في أعقاب التضييق على التجار من خلال الضرائب والجمارك و"شبيحة الترفيق" على الحواجز التابعة لمليشيات الدفاع الوطني والفرقة الرابعة.
وأفاد المحلل والخبير الاقتصادي أسامة القاضي بأن هناك تعتيماً على حجم هجرة الصناعيين السوريين إلى خارج البلد، لكنه أكد أن واقع الاقتصاد السوري "بات منفراً إلى درجة هائلة"، مشيرا إلى أنه "حتى الذين كانوا مستفيدين سابقاً من واقع الاقتصاد السيئ، لم يستطيعوا البقاء في السوق السورية".
الموالون والأكثر قرباً من النظام
وأضاف القاضي، الذي يترأس مجموعة عمل اقتصاد سورية، أنه منذ المرسوم رقم 3 لعام 2020، الذي منع التعامل بغير الليرة السورية مع عقوبات تصل إلى سبع سنوات سجناً لمن يخالف المرسوم، بدأت أوضاع التجار والصناعيين السوريين في التدهور، بمن فيهم الموالون والأكثر قرباً من النظام، لأن هذا المرسوم، بحسب قوله، أصاب الاقتصاد السوري في مقتل، حيث أصبح مستحيلاً على الصناعي والتاجر داخل سورية أن يستورد المواد الأولية لصناعته من الأسواق الخارجية، في ظل إغلاق العديد من مكاتب الصرافة والتضييق على السوق السوداء التي كانت تؤمن للصناعيين ما يحتاجونه من الدولار، بينما عجز المصرف المركزي حتى الآن عن تأمين أية بدائل أخرى.
كان تقرير صادر عن "نقابة عمال المصارف" في دمشق، مطلع العام الجاري، قد قدر خسائر الاقتصاد السوري منذ بداية الحرب في 2011 وحتى حينه بأكثر من 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.
ورأى القاضي أن الصناعيين صبروا أكثر من عام بعد صدور هذا المرسوم، بانتظار أن يتم طيه أو إجراء بعض التعديلات عليه، إلا أنه مع استمرار العمل به، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الحياة المعيشية للسوريين وتدهور قدرتهم الشرائية، فإنه بات من المستحيل على الصناعيين والتجار الاستمرار والعمل في السوق السورية، ناهيك عن ظروف انقطاع الكهرباء والمياه، وغياب حوامل الطاقة من مازوت وغاز وفيول، وغيرها من الظروف، من ارتفاع الضرائب والرسوم والتضييق الأمني المتعمد.
واعتبر القاضي في حديثه مع "العربي الجديد" أن ذلك نتيجة طبيعية لهجرة الصناعيين ورجال الأعمال من سورية، مشيرا إلى أنها قد تكون آخر الهجرات، ممن استطاع البقاء والتحمل خلال السنوات العشر الأخيرة.
=========================
سورية والسؤال اليومي: ماذا بعد؟
مالك ونوس
العربي الجديد
الثلاثاء 21/9/2021
لم يعد السوريون في مناطق سيطرة النظام يهتمون بالسياسة هذه الأيام. لم يهزُّهم خبر انسحاب القوات الأميركية والغربية من أفغانستان أخيراً، ولم يتوقفوا عند تداعياته، كما كانت عادتهم مع كل الحوادث في العالم. كذلك لم يخوضوا في زيارة رئيس بلادهم موسكو قبل أيام، ولا في دوافعها أو نتائجها المتوقعة، أو حتى في احتمال انعكاسها تغييراً في ظروفهم المعيشية. كل ما يشغلهم هذه الأيام ويقلقهم إمكانية الحصول على ربطة الخبز، والخوف من غياب هذه الإمكانية في اليوم التالي، في ظل ندرة عدد من السلع الأساسية في الأسواق السورية، والترويج الدائم لاختفاء سلع أخرى قريباً.
ومع كل صباح يومٍ جديدٍ، ينتظر السوريون أن تكون هنالك مصيبةٌ جديدةٌ تتحضَّر لتقع على رؤوسهم، ويتكرر بذلك سؤالان على ألسنتهم: ماذا بعد؟ وماذا أيضاً أكثر من الذي وقع؟ إذ باتوا على ثقةٍ أنهم سيستفيقون كل صباح على مصيبة جديدة، المصيبة التي سبقتها أهون إذا ما قورنت بها. أما تلك الـ "ماذا" فقد سيقت لتطاول كل ما يتوقعونه أو لا يتوقعونه. كان السؤال خلال الحرب: ماذا بعد الحرب؟ ثم تطاول السؤال، ليصبح ماذا بعد الأزمة المعيشية؟ وهي الأزمة التي لم تكن بهذا السوء خلال الحرب وطغيان المعارك. وكثرت الأسئلة من هذا القبيل؛ ماذا بعد الانتخابات الرئاسية؟ ماذا بعد خطاب القسم؟
وتبقى الأسئلة اليومية؛ ماذا بعد تقنين التيار الكهربائي إلى حد العتمة؟ وماذا بعد تقنين غاز الطبخ؟ ماذا بعد تقنين مادتي البنزين والمازوت؟ ثم كيف سيواجه السوريون برد الشتاء مع تراجع حصة العائلة إلى 50 ليتراً من مازوت التدفئة في السنة؟ يبقى السؤال الأهم: ماذا بعد تقنين مادة الخبز الذي أصبحت حصة الفرد بموجبه رغيفين وثلث الرغيف في اليوم؟ رغيفان وثلث؟ لا تكترثوا بهذه الحسبة! لدى الحكومة الحل لكيفية صرف هذا الثلث؛ تحصل في يومٍ على ثلاثة أرغفة ونصف، وفي اليوم التالي تحصل على رغيف وثلاثة أرباع الرغيف، ثم هنالك ثمانية أيام في الأسبوع لا تحصل فيها على الخبز، فيكون حاصل القسمة صحيحاً: رغيفان وثلث في اليوم، ويكون التوزيع عادلاً.
لا وعود ينتظر الشعب تنفيذها، حتى أن الحكومة الجديدة مارست أعمالها من دون أن تقدّم بيانها الوزاري إلى مجلس الشعب
ربما كانت الصدمة التي تعرّضوا لها بعد خطاب القسم الذي تلا فوز بشار الأسد في انتخابات مايو/ أيار الماضي، حين تحدّث عن واقع التيار الكهربائي السيئ، ودعا إلى الاعتماد على الطاقة البديلة، المكلفة للمنازل، والتي تبيَّن أن الميسورين لا يقدرون عليها، فما بالك بالمُفقرين؟ وكانت تلك كلمة السر، حين أوضحت أن لا رجاء في تحسّن واقع الكهرباء. وبالتالي، استمرار شلل الحياة الاقتصادية وتغلغل الكآبة إلى نفوس أبناء الشعب بسبب العتمة. وهي أيضاً كلمة سرٍّ أدرك السوريون من خلالها أن كل الوعود التي منوا أنفسهم بها قد ذهبت أدراج الرياح. وزاد في الطين بلّة تصريح مستشارة الرئيس، لونا الشبل، إن الرئيس لم يَعِد السوريين بشيء قبل الانتخابات، معبِّرةً بذلك عن استغرابها من الآمال التي علقها السوريون على مرحلة ما بعد خطاب القسم.
إذاً، لا وعود ينتظر الشعب تنفيذها، حتى أن الحكومة الجديدة، والتي تشكَّلت بعد الانتخابات الرئاسية أخيرا، مارست أعمالها من دون أن تقدّم بيانها الوزاري إلى مجلس الشعب، لتنال الثقة على أساسه، كما هي العادة، وهو البيان الذي عادة ما يتضمّن خططاً عليها تنفيذها خلال مدة عملها. وإذا افترضنا أن أحداً من المسؤولين لم يقدِّم وعوداً للشعب السوري تنقذه من أزماته المعيشية التي يعيشها، ألا يتطلب الوضع الكارثي الذي تمر به البلاد عملاً من المسؤولين، وإنْ لم يكن من أجل الإصلاح، فعملٌ لوقف التدهور الذي قد يطيح بالمجتمع.
أي تأجيل للحل السلمي هو تأخير لروسيا في جني ثمار تدخلها العسكري لصالح النظام
هل يمكن للساحة السورية أن تشهد تحولاتٍ جديدة، بسبب استمرار البلاد ضحية للاستقطاب الدولي والتجاذبات الدولية التي تتحكّم في مستقبلها وفي شكل الحل السلمي وفقاً لأهواء كل لاعبٍ، علاوة على انقطاع المبادرات الخاصة بالحل؟ تنبئ الأوضاع الاقتصادية والمالية واستمرار ظهور متحورات جديدة للأزمة المعيشية، لا يكاد المواطن يعتاد مشقّة العيش تحت ضغط مصاعبها، حتى تأتيه التالية ليبحث عن سبل التأقلم معها. ويشير غياب فرص التسوية إلى أن دوام هذا الحال أمر محتمل، ويُمكن أن يُدخِل البلاد في جمودٍ، قد لا يشهد إراقة مزيد من الدماء خلاله، لكن الدماء قد تتجمّد في عروق أبناء البلاد، مع مؤشّرات تعمّق الأزمات وازدياد كارثيتها. ويشي استمرار العقوبات والاحتلالات على الأرض السورية بأن هذا الواقع لن يشهد أي تطوراتٍ تُغيِّر فيه، أو تجبر الفاعلين على هذا التغيير.
في ظل هذا الجمود، تبدو روسيا، الفاعل الأهم على الساحة السورية، في ورطةٍ وضعت نفسها فيها، حين لم تضغط لإنجاح عمل اللجنة الدستورية من أجل الإسراع في صياغة دستور جديد، تجري على أساسه الانتخابات الرئاسية، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 2254 الخاص بالحل السياسي والتسوية في سورية، والذي كان وحده السبيل إلى إلغاء العقوبات الدولية على سورية. وبالتالي، البدء في إعادة الإعمار. وإضافة إلى تغييب فرص التسوية، أدّى الجمود إلى استمرار هذه العقوبات، فزاد من مشكلات روسيا، وأبعد فرصها وآمالها في الحصول على قطعةٍ من كعكة إعادة الإعمار. وكذلك أدّى إلى عدم استفادتها من العقود التي وقعتها مع الجانب السوري، لإدارة المرافق الاقتصادية من مرافئ ومطارات وغيرها، واستثمار حقول النفط والغاز على أرض سورية، وتحت مياهها الإقليمية. وبدا أن أي تأجيل للحل السلمي هو تأخير لروسيا في جني ثمار تدخلها العسكري لصالح النظام، وهو تأخيرٌ من غير المعروف أنها كانت تدرك إمكانية حدوثه، حين ماطلت في وضع قطار الحل على السكّة الصحيحة التي يمكن أن توصل إلى المحطة الصحيحة أيضاً.
من المرجّح أن يستمر الجمود، وأن يبقى السوريون يطرحون، ربما لسنوات عديدة مقبلة، سؤالهم اليومي: ماذا بعد؟
لا أحد يدري إن كان إدراك روسيا هذا الواقع، هو ما دفعها إلى إصدار تصريحٍ على لسان نائب وزير خارجيتها، ميخائيل بوغدانوف، تحدّث فيه عن إمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سورية بعد سنة أو سنتين. وليس معلوماً إن كان سبب التصريح الذي صدر في 3 يونيو/ حزيران الماضي، أي بعد أيام من الانتخابات الرئاسية التي رعتها روسيا، والتي رفضت دعوات أطرافٍ دولية لتأجيلها، هو تقييمها ردود الفعل الدولية على تلك الانتخابات وإدراكها، متأخرةً، أن العقوبات الدولية ستستمر، ولن تحصد نتائج وازنة لتدخلها.
في هذا السياق، ربما يكون البحث عما يحرّك هذا الجمود في الملف السوري هو الدافع إلى عقد الاجتماع الذي جرى بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والسوري، بشار الأسد، في موسكو قبل أيام. وقد يكون الطرف الروسي قد التقط فكرة السماح بمرور الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان عبر سورية، ورأى فيها بداية تساهل الولايات المتحدة وتخفيفها العقوبات، لذلك جاء ذلك اللقاء للتحضير للمرحلة المقبلة. غير أن تساهل الولايات المتحدة مع الضرورات في العراق، على سبيل المثال، لجهة استجرار الكهرباء والغاز مؤقتاً من إيران، ومع سورية في الخطوة هذه، لا يمكن التعويل عليه في ملفاتٍ جذريةٍ من قبيل إزالة العقوبات بكاملها، وبدء مرحلة جديدة في التعاطي مع الملف السوري يشهد خلالها انفتاحاً. لذلك من المرجّح أن يستمر هذا الجمود، وأن يبقى السوريون يطرحون، ربما لسنوات عديدة مقبلة، سؤالهم اليومي: ماذا بعد؟