هذه غدرة فلان بن فلان
في الصححيحين عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما..
"ينصب لكل غادر لواءً يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان"
يُشهر به بين أهل العرض.
ولقد كانت أول غَدرة في الإسلام غدرة عبد الملك بن مروان بابن عمه عمرو ابن سعيد بن العاص الملقب بالأشدق..
وكان قد خرج على عبد الملك. واستعصم في دمشق، وأغلق الأبواب دونه. ثم حين حاصره عبد الملك، وضيق عليه، رجع إليه، واستأمنه على نفسه، فأمنه، وكتب له كتابا بالأمان على نفسه وأهله وماله؛ فلما نزل الأشدق على حكم عبد الملك واستسلم له، غدر به عبد الملك فقتله.
فحفظ أهل التاريخ أنها كانت أول غدرة في الإسلام.
وقالوا: وكان عهد الملك إليه بأمان الله وأمان رسوله، وهو أشد الغدر وأقبحه وأفظعه..
وفي الحديث: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وذكر رجلا عاهد باسم الله وباسم رسوله ثم غدر والعياذ بالله..
وفي الحديث الآخر إذا حاصرت أهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله وحكم رسوله، فلا تنزلهم على حكم الله ورسوله؛ بل أنزلهم على حكمك.. فإنك لا تدري أتصيب حكم الله ورسوله أم لا.. !!
وأمر القرآن الكريم بإجارة الخائف ولو مشركا، ثم أمر بإبلاغه مأمنه..
"وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ"
فمن وجد نفسه أضعف من أن يجير، فلا يحق له أن يخفر، يبلغ الخائف مأمنه. ثم يعتذر عن بذل الأمان للمستضعفين..
وقد عشنا نحن جيل الثورة الأول، نحو نصف قرن في أمان ملوك ورؤساء، وكان حافظ وبشار الأسد يمكران بنا الليلَ والنهارَ ليملكوا رقابنا، ويلحقوننا بمن وقع بأيديهم من إخواننا، فما وجدنا من الدول التي آوت ونصرت إلا البر والوفاء…
بل كنا خلال نصف قرن، نعيش ولا سبيل لنا إلى ما يثبت جنسيتنا أو شهاداتنا أو شهادات ميلاد أطفالنا، محرومين من جوازات السفر، وشهادات للميلاد، فنجد في عالمنا الجميل من يتفهم أوضاعنا وييسر لنا سبلنا، من غير منّ ولا أذى…
نصف قرن مضى ونحن نكرس لهؤلاء الأشقاء في أعناقنا حق الشكر والعرفان…
اللهم صُن ذمة أهل الشام أن تُخفر، ووجه الشام الجميل أن تلحقه وصمة الغدر والفجور..
وكانت القبيلة العربية يوم كانت العرب قبائل، تفخر في أنها تجير الخائف، حتى أجار بنو شيبان حريم الملك النعمان على كسرى. وكانت معركة ذي قار المشهورة وخطب فيها مسعود بن هانئ الشيباني خطبته المشهورة:
المنية ولا الدنية. استقبال الموت خير من استدباره، الطعن في ثغر النحور أجمل منه في الأعجاز والظهور. يا لبكر قاتلوا فما للمنايا من بد…
وفي فقه الجوار أنه كلما كان على الأقوى، وعلى الأكثر نفوذا، أو مكرا، أو دهاء، أو ثراء، كان أكثر..
أهمية…
وكانت العرب تقول في بعض المواطن: أجيرك على الأبيض والأسود، إلا على فلان..لكي لا تجير فتخفر
لتقي نفسها شر الغدرة.
وفي الدعاء نقول:
متبتلين: اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه، يا من يجير ولا يجار عليه..
يا خافرا جواره من يجيرك من الله إذا خفرت!!
وعندما أراد عمرو بن العاص في جاهليته، أن يغرى النجاشي ليغدر بالمهاجرين إليه من المسلمين!! رد عليه النجاشي: إن الله لم يأخذ مني الرشوة حين رد عليّ ملكي…
هل أخذ الله منا الرشوة حين نصرنا على حافظ وبشار الأسد…
لم نكن نملك غير الدموع والخشوع..
مولاي إني بباك قد بسطت يدي..
ما لي من ألوذ به إلاك يا سندي
23/11/2025