الرئيسة \  مشاركات  \  هذه الشعوب .. مَن يَحني ظهورها لحكّامها .. كي يَركبوها !؟

هذه الشعوب .. مَن يَحني ظهورها لحكّامها .. كي يَركبوها !؟

18.11.2017
عبدالله عيسى السلامة




إذا صحّ قول القائل : ( لا أحد يستطيع امتطاء ظهرك ، مالم تكن منحنياً !) وهو صحيح ، في الغالب .. فلا بدّ من طرح السؤال التالي : مَن يحني طهور الشعوب الخاضعة للاستبداد ، كي يمتطيها حكّامها المستبدّون !؟
 الجواب ، هنا ، ليس سهلاً ، ألبتّة ! لأن المشاركين في حني ظهور الشعوب ، كثر.. وكل منهم يسهِم ، بطريقة ما ، وبنسبة ما ، في هذه العملية المعقدة ! ومِن هؤلاء :
1) الحكّام أنفسهم : عبر أساليبهم المتنوعة ، في المكر والخداع ، والتزييف، والكذب، والدجل، وتوظيف كل شيء ، حَسن وقبيح ..لتحقيق أهدافهم، في امتطاء ظهور الشعوب!
2) رجال الحكّام : السياسيون منهم ، والأمنيون ، والإعلاميون .. الذين يمارسون الخداع والدجل ، خدمة للحكام ، وبالتالي : خدمة لانفسهم التي باعوها للحكّام ، وربطوا مصيرهم بمصيرهم ( ومع ذلك ، لايستطيع الحكّام ورجالهم ، وأتباعهم المعروفون .. أن يذلّلوا ظهور الناس جميعاً ! وكل ما قد يستطيعون فعله ، هو تذليل ظهور أقلية من الناس .. من الجهلة ، و أصحاب المصالح والأهواء !).
3) علماء السلاطين : الذين تتوقّع منهم شعوبهم أن يكونوا قدوة لها ، في الصدق والأمانة، وقول الحقّ، والدفاع عن مصالح الأمّة ! إلاّ أن أهواءهم، ومصالحهم الخاصة،  تدفعهم إلى الانسياق مع رغبات الحكّام ، وتزيين باطلهم ، في نظر أنفسهم ، ثمّ في نظر الناس ! والثناء عليهم ، وعلى مواقفهم وسياساتهم ، في وسائل الإعلام .. حتى يظنّ البسطاء من الناس ، أن هؤلاء الحكّام ، هم من الأتقياء البررة ، لكثرة ثناء العلماء عليهم! ولولا ذلك ، لما جرؤ العلماء على تزكيتهم ..لأن العالِم لا يزكّي أناساً فاسدين! (وهؤلاء العلماء ، أيضاً ، قد يسهمون ، في تذليل ظهور قسم من المواطنين، لكنهم لايستطيعون خداع الشعب كله .. بل إن تأثيرهم في الناس ، يقلّ ، كثيراً ، بعد أن تنكشف علاقاتهم بالحكّام ، عبر أجهزة استخباراتهم ! وفي كل الأحوال ، تبقى أكثرية الناس ، بعيدةً عن تأثيرهم !) .
4) مثـقفو السلطة : من كتاب وأدباء وأكاديميين ! وهؤلاء ، غالباً مايكون ارتباطهم بالسلطة واضحاً مكشوفاً ، وتأثيرهم في الجماهير محدوداً ! إلاّ أن لهم تأثيراً من نوع ما ، لا يمكن إنكاره ، في شرائح معيّنة من البشر ، تقرأ كتاباتهم ، وتسمع خطبهم أو دروسهم .. وتتأثّر بهذي وتلك !  
5) قادة المجتمع : من زعماء قبائل ، ووجهاء مدن وأحياء .. ومن نقابيين وتجّار، وصناعيين ومهنيين .. ممّن تتمكن السلطة من شرائهم ، بالأموال أو الوعود .. أوتتمكّن من خداع عقولهم وضمائرهم، فينضمّون إلى جوقة الهتّافين لها، الحاطبين في حبالها، الذين يزيّنون لِمن حولهم من البشر ، حكمها وسياساتها ، ومواقفها وأخلاقها .. ويـُمنّون الناس بمستقبل زاهر، تحت ظلال حكمها الوارفة !
6) الصامتون : من سائر الفئات ، لاسيّما العلماء وأصحاب الرأي ، والمفكّرين والمثقّفين والوجهاء .. ممّن لا تستطيع الحكومات شراءهم ، ويظلّون محسوبين على الشعب ، بصفتهم قادة له غير منتخبين .. يوجّهونه وينصحونه ، ويسدّدون خطاه ! وحين يراهم الناس صامتين ، إزاء ممارسات الحكاّم ، يظنّون الحكّام على صواب ؛ لأن القيادات الشعبية لا تـغش رعيّتها ! فلو وجَدت هذه القيادات ، فساداً في الحكم ، أو انحرافاً..لما سكتت ! وبهذا يكون سكوتها إقراراً، بصحّة مايفعله الحكّام، أو يقولونه ، أو يرسمونه من سياسات ..! 
ـ وقد لا يخطر في بال الكثيرين من الناس ، أن قياداتهم الشعبية ، يمكن أن تسكت ، على الفساد والظلم ، خوفاً ، أو جبناً !
ـ وقد يقتدي كثيرون من أفراد الشعب ، بقياداتهم الشعبية ، فيلتزمون الصمت ، ملتمسين لأنفسهم أعذاراً ؛ إذ ؛ مادام قادتهم قد سكتوا ، فيسعهم هم السكوت ، أيضاً !
7) بعض القوى السياسية المعارضة : توطّد الحكم للحكّام الذين تعارضهم ، بأساليب مختلفة ، منها :
* تشويه صورة المعارضة ، عن قصد أو غير قصد ، وهي تحسب أنها تحسن صنعاً!
* إثارة العقبات والعراقيل ، في وجه المعارضات الجادّة ، باختلاق مشكلات وأزمات من لاشيء .. خدمة لمصالحها الخاصّة ، أو خوفاً من المعارضات الأخرى ، أن تنفرد بالساحة ! أوحسداً شخصياً ، أو حزبياً ، من أطراف معيّنة ، تجاه أطراف أخرى !
* التخبط الفكري ، أو السلوكي ، لدى بعض العناصر البارزة في المعارضة ، الذي يعيق عملها ، أو يضيع عليها الأهداف الصحيحة ، التي يجب أن تحدّدها لأنفسها ، وتسعى إلى تحقيقها ..! فيصبّ ضعفها وتخبّطها ، في دائرة خدمة الحكم المستبدّ ،  شاءت أم أبت !
* الإشفاق الزائد على الشعب ـ لدى بعض القوى المعارضة ـ إلى حدّ تجميد أيّ نشاط ، يمكن أن يعرّضه لأيّ أذىً ، من أيّ نوع ! بذريعة أن الزمرة التي تحكم البلاد، شرسة متوحّشة..وأن أيّ تحرّك شعبي ، سيعرّض الناس لانتقام شديد، وعنف شرس!  وذلك قد يصيب قوى المعارضة هذه ، بنوع من الإحساس بالذنب ، لتسبّبها في تعريض الناس للأذى ..!
وهذه هي الفلسفة التي قام عليها نظام أسد ، منذ البداية !غرْس الرعب في نفوس الناس، كيلا يفكّر أحد منهم ، بالتحرّك ضدّ الحكم ! ولقد كانت لتجربة السبعينات والثمانينات ، من القرن المنصرم .. آثار سلبية مدمّرة ، على نفوس المعارضات السياسية ، عامّة ؛ إذ غرس فيها النظام ، ماغرسه في نفوس المواطنين جميعاً ، من الحرص الزائد ، على اتّقاء غضب الحكّام ، وبالتالي ؛ إيثار السلامة على أيّ تحرّك ـ مهما كان سلمياً ـ يمكن أن يعرّض الناس للأذى ..!
وما الذي يريده آل أسد غيرذلك !؟ فينطبق على هذا النوع من المعارضة ـ والحال هذه ـ قول الشاعر: (زاد في الرقّة حتّى انخرقا) ! لكنه ،هنا، لم ينخرق وحده ، بل خرقَ ، معه ، إرادة الحياة ، الفطرية الإنسانية ، لدى أبناء شعبه ! إذ جعلهم قطيعاً من الأغنام ، لايتحرّكون ضدّ جزّاريهم ، إلاّ بإذن، أو سماح ، من الجزّارين أنفسهم! أو بضمانة دولية، حازمة صارمة ؛ بأن الشعب لن يمَسّ بأذىً ، إذا خرج في الشوارع ، معبّراً عن رأيه ، بصورة سلمية ! وهذا قد لايتحقّق في المدى المنظور، ولا في أيّ  مدىً ، مادامت القوى الدولية المتحكّمة بقرارات المنطقة ، ماتزال تراهن على آل أسد ، على أنهم أقلّ البدائل، الموجودة على الساحة السورية ، سوءاً ، بالنسبة إليها ! كما أن القوى الدولية ، وغير الدولية..لاتتحرّك ، أصلاً ، لحماية شعب ما، إلاّ إذا بادر الشعب نفسه، إلى انتزاع حقوقه ، وتعرّض لظلم أو اضطهاد! وما دام الشعب صامتاً،   عن رضىً أو خنوع ..فلا يـُتوقّع أن تظهِر القوى الدولية ، من الشفقة والعطف عليه ، أكثر ممّا يقدّمه لنفسه ، من استعداد للتضحية ، في سبيل انتزاع حريّته ، من جلاّديه !
وربّما تمثّـل آل أسد وأعوانهم ، هنا ، بمقطع من الأغنية المتداولة ، مع بعض التحوير: (الشعب راضي  ، وأنا راضي ، مالك ومالنا ياقاضي !؟).  
8) القوى الدولية : التي لها مصالح ، في بقاء الحكومات المستبدّة ، متسلّطة على رقاب شعوبها ! لتستطيع ، هذه القوى الدولية ، التحكّم بقرارات هذه الشعوب ، وقرارات أوطانها .. عبر هيمنتها على الحكّام ، وابتزازهم ، وتهديدهم بانتزاع الكراسي منهم !
9) ويبقى السؤال الأهمّ ، في البحث كله ،هو: مَن يحمل الوزر الأكبر، أمام الله ، وأمام الناس .. عن تذليل ظهور الشعوب ، للحكّام الظلمة ، كي يمتطوها ويستعبدوها ، ويسحقوها ، وينهبوا خيرات بلادها !؟
لا شكّ أن لكل صنف من الأصناف المذكورة، نصيبه من الوزر، بقدر حجمه ووزنه،  في المجتمع ، من خلال موقعه الاجتماعي ، أو السياسي ، أو العلمي ، أو الثقافي..!
وعلى رأس الجميع ، تأتي مسؤولية العلماء الشرعيين ، سواء منهم الذين باعوا أنفسهم للحكّام الظلمة ، والذين سكتوا ، عن ظلم الحكّام : خوفاً ، أو جبناً ، أو مسايرة !
ثم تأتي أوزار الآخرين ، متدرّجة في الخطورة والضخامة ، بحسب مالكلّ منها ، من قدرة على الفعل والتأثير !
وسبحان القائل : بل الإنسان على نفسه بصيرة . ولو ألقى معاذيره .