الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نظرة على ضربات أميركية

نظرة على ضربات أميركية

22.07.2018
مصطفى طه باشا


العربي الجديد
الجمعة 21/7/2018
الآن، بعد زمن من الضربات الأميركية على سورية، وبعد أن وصل القطار السوري إلى ما وصل إليه أخيرا، نقول إن الأضرار المحدودة للضربات الأميركية والإسرائيلية على مواقع عسكرية للنظام السوري تجعلنا نشكك بصحة هذه الضربات، ونطرح تساؤلات كثيرة، أبرزها: هل كانت هذه الضربات حقيقيّة أم مجرد ذر للرماد في العيون؟
انتظر اللاعب الأميركي في اللعبة السورية طويلًا، قبل أن يستخدم هذه الخطوة الخطيرة التي ظلّ يُلوّح بها عدة سنوات منذ استخدام النظام السلاح الكيميائي أول مرّة. ولكن ماذا حققت؟ وماذا أفادت وقدمت للمدنيين في سورية؟ وهل خسر النظام السوري ترسانته الكيماوية، من وراء تلك الضربات العسكرية، أم ربح بعض الأمور في الساحة الداخلية؟
أميركا ومنذ أشهر، تُلوّح بالضربات العسكرية على دمشق، وهي بقيت تهدد وتهدد ولكن من دون تنفيذ، بل قام النظام السوري بعدها بقصف المدنيين في دوما بالكيميائي، وهو الهجوم الذي أسفر عن مجزرة كبيرة راح ضحيتها عشرات المدنيين والمصابين.
كل من يحلل الضربات العسكرية التي كانت بمثابة "وخزة دبوس" للنظام السوري، والتي ألهت العالم والمجتمع الدولي عن جرائمه طوال سبع سنوات، والتي قتل فيها مئات الآلاف من المدنيين، وقام تشريد الملايين داخليًا وخارجيًا ، يدرك أنها كانت مجرد ذر للرماد في العيون.
"وخزة الدبوس" تلك، غيّرت معطيات القضية السورية، وقلبت الموازيين وفتحت باب جديد للنظام السوري الذي يحاول أن يستغلّ كل شيء في سبيل استمراره في السلطة، إذ كسب النظام قلوب وعواطف مؤيديه داخليا وارتفع سهم اللحمة الوطنية لأعلى مستوياته منذ بدء الثورة السورية وأعطاه تأييدا كبيرا بأنه مازال "أسد المقاومة والممانعة" في وجه أميركا وإسرائيل.
لم يكن اعتماد النظام في قتله المُمنهج ضد المدنيين في سورية على السلاح الكيميائي والغازات السامة فقط، إذ استطاع خلال سبعة أعوام من قتل مليون سوري عن طريق الغارات الجوية المحمّلة بالصواريخ والبراميل المتفجرة والصواريخ البالستية وقصف بمختلف أنواع المدافع والقذائف، والتي فتكت بالعباد والبلاد. ولكن أميركا لم تحرك ساكنًا، وبقيت تشاهد بصمتٍ مثلها كمثل بقية دول العالم، بل ربما كانت تدير اللعبة من الخلف كما هو معروف عنها.
تناسى المجتمع الدولي جرائم السنوات الماضية التي كانت بالطيران والمدافع والصواريخ، وركّز وقتها على مجزرة السلاح الكيميائي التي كانت من ضمن مجازر تُعد ولا تُشكّل سوى 1% من آلة القتل للنظام السوري، وها هو اليوم (المجتمع الدولي) يتناسى كل الجرائم ويسعى إلى التطبيع مع المجرم، إذ لم يكن هدف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الضربة العسكرية؛ إنهاء آلة القتل التي تعمل من دون توقف، بل تحقيق المصالح الأميركية، فهل سيكون هناك، يوما ما، رداً يليق بجرائم النظام السوري، أم سيبقى الرد مجرّد صواريخ كلامية لا تغني ولا تسمن من جوع؟