الرئيسة \  رؤية  \  نظرات .. المطيباتية : تراث فن وسياسة

نظرات .. المطيباتية : تراث فن وسياسة

25.11.2013
زهير سالم




تشتهر مدينتنا حلب بمجالس طربها . وبين الإنشاد الصوفي بغزله الرمزي والقدود الحلبية بألحانها المتعايشة مع الكينونة الحلبية التي دمجت في شخصية الحلبي الديني بأخيه لا يكاد ينفك إنسان حلبي عن هزة روح أو خفة طرب . ومن مجالس الطرب هذه يعرف الحلبيون أن لكل منشد صغر أو كبر ، مجليا كان أو مصليا أو فسكلا ( المجلي الجواد الذي يأتي أولا في مضمار السباق والمصلي الذي يأتي ثانيا والفسكل الذي يصل أخيرا ..) مرافقَه الذي يجلس بجانبه ، مطيبا لغنائه ، مشجعا لأريحيته ، هازا لعطفه كنوع من أنواع التسخين للمغني وللجمهور على السواء ..
هذا المرافق الذي يجلس على يمين المغني هو ( المطيّباتي ) وأحيانا يكونان مطيبين أحدهما يجلس عن يمين المطرب والآخر عن شماله ،يجوّدان كل ما يصدر عن المغني أو المنشد من حسن أو غيره ، بعبارات التطريب المعهودة ومنها الترنم وراءه بألحان على وزن لحنه بتأوهات وتنهدات مثل : إييييييييييييه أو آآآآآآآآآآه أو الله يفتح عليك ، أو زيييييييييد زييييييد وأحيانا يتجاوز الأمر العبارة إلى الحركة فيضع المطيب يده على كتف المنشد ويهزه برفق ، وينادي أحدهم ( هزو لعزو ...) وأحيانا إذا شعر المطيب أن الجمهور قد انتشى عند محط يطالبه بالإعادة بعبارات مثل : عيد...عيد .. وما صار وكمان وكمان ..
لن أنسى أن أضيف أن من مهمات المطيباتي الأساسية في مدينتنا حلب أن يلقن المنشد أو المطرب كلمات النشيد ولاسيما إذا شعر أنه يمكن أن يذهل وهو منغمس في الأداء  يذكره إذا نسي ويصحح له إذا أخطأ ..
تقفز بي هذه المهمة إلى عالم السياسة حيث يحيط كل جالس على كرسي قرار كبر أو صغر كرسيه بجوقة من المطيباتية لا يذكرونه ولا يصححونه وإنما جلّ أمرهم أو كله فيما يصدر عنه أمر مشركي مكة في صلاتهم حول البيت : مكاء وتصدية ..
قال أحد السلف حمدت الله مرة في شبابي فما زلت أستغفر الله منها منذ أربعين سنة ، قيل له وكيف ذلك ؟! قال : قيل لي احترق السوق إلا دكانك فقلت : الحمد لله وما زلت أستغفر الله منها ..
كمدرس متابع لأمور التربية أتفهم أن يقول الرجل للمتعلم الصغير السن يريد تشجيعه أحسنت في .. وأصبت في .. وإن كان غير محسن ولا مصيب في المجمل على أن يعطف على أحسنت في ولكن ... ليتسلل من وراء أحسنت إلى قلب المتعلم ويجد لديه القبول ..
أما هؤلاء الذين يجعلون كلمات ( أحسنت .. وأجدت ولا فُض فوك ولا عاش من يشنوك..) مثل حبة البركة تنثر على وجه كل رغيف . وينسون حتى دور المطيباتي في التذكير والتصحيح فعليهم أن يستغفروا الله إن كانوا من أهل الاستغفار ، وأن يستحووا من مراياهم إن كان في وجوههم بقية ماء ..
بعض التطييبات أو التطريبات يكون ثمنها من نار ودماء والحياء شعبة من الإيمان .
لندن : 20 محرم / 1435
24 / 11 / 2013
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk