الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نحو محاصرة العبث الإيراني في جنوب شرقي آسيا

نحو محاصرة العبث الإيراني في جنوب شرقي آسيا

13.11.2018
إسلام المنسي


الحياة
الاثنين 12/11/2018
لم يقتصر العبث الإيراني على المنطقة العربية التي تئن من الصراعات الطائفية، بل إن أذرع الملالي تعمل بعيداً من الملاحقة التي تلقاها في بلاد العرب، هناك في الركن البعيد من العالم في جنوب شرق آسيا. فالكتلة البشرية الضخمة التي تضم مئات الملايين من المسلمين في تلك البلاد، نجدها اليوم في مرمى نيران المخطط الإيراني، من دون أن يثير ذلك ضجة كبيرة، ما فتح أمام طهران ساحات واسعة للتمدد الناعم، وإحراز نجاحات على الصعيدين الشعبي والرسمي.
ففي إندونيسيا التي تعد أكبر دولة إسلامية في العالم، شهد التعاون الاقتصادي مع طهران نقلة كبيرة خلال الفترة الماضية، وتضاعف التبادل التجاري بينهما، وتم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون، كان آخرها اتفاقية في المجال الصحي أواخر الشهر الفائت. كما يشرف فيلق القدس (الجناح الخارجي للحرس الثوري)، على النشاطات التبشيرية الشيعية المكثفة، تحت غطاء الملحقية الثقافية، وبالفعل استطاعوا إيجاد موطئ قدم هناك، واصطناع أتباع وجنود لخدمة مشروعهم. ولا ننسى صيحة التحذير التي أطلقها من قبل شيخ الأزهر أحمد الطيب خلال زيارته إلى جاكرتا، حين دقَّ ناقوس الخطر منبهاً إلى ضرورة وقف التمدد الشيعي بين الإندونيسيين، بعد وقوع عدد من الاضطرابات المذهبية هناك.
أما ماليزيا التي مثَّلت لفترة طويلة حائط صد ضد التطلعات الإيرانية، فإنها منذ قدوم الحكومة الجديدة في أيار (مايو) الماضي، ولَّت وجهها شطر طهران، فقد أُعلن عن خطة للتعاون الشامل مع الإيرانيين في "مجال مكافحة الارهاب"، وألغى وزير دفاعها، محمد سابو، مشروع مركز الملك سلمان للسلام الدولي، ثم تخلى عن عضوية بلاده في التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، ليتلقى ثناءً علنياً من زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، الذي دعا دول العالم الإسلامي لتحذو حذو "الزعماء الماليزيين الجدد".
وفي الفيليبين تنشط الشبكات التي يديرها الحرس الثوري ليل نهار في محاولات استقطاب أبناء الأقلية المسلمة، وتقدم السفارة الإيرانية مِنحاً دراسية للطلبة، ويحضر مندوبوها في المنصات الإعلامية المختلفة في شكل لافت، وبدلاً من المراهنة على التقرب من الحركات الإسلامية هناك كـ"جبهة تحرير مورو"، كما في السابق، صارت الأذرع الإيرانية تعمل بتنسيق مع الحكومة الفيليبينية، وعقدت اتفاقيات مع جامعات حكومية لفتح أقسام للغة فارسية، وتبادل الأساتذة والطلبة والخبرات.
يستغل نظام الملالي ضعف المعرفة الدينية لدى غالبية شعوب تلك المنطقة، ومن ثم يبرع في تسويق مشاريعه في المنطقة.
وفي هذا السياق؛ وقَّع وزير الخارجية الإيراني في الثاني من آب (أغسطس) الماضي، الوثائق المتعلقة بانضمام إيران إلى معاهدة الصداقة والتعاون لرابطة دول جنوب شرق آسيا "تاك"، والتي تعد بمثابة منتدى اقتصادي، يتيح توسيع حجم التبادل التجاري بين الدول
الأعضاء.
إلا أن التحركات السعودية خلال الأيام الأخيرة، تبعث على الأمل في ما يخص محاصرة الدور الإيراني في جنوب شرق آسيا، وتعكس إلى حد كبير واقعية الرياض في التعامل مع المستجدات في تلك المنطقة، فقد جاءت الجولة الأخيرة لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، والتي زار خلالها جاكرتا وكوالالامبور، لتؤكد وعي المملكة بأهمية المنطقة، والرغبة في بناء صيغة تعاون معها، وعدم ترك فراغ قد يتسلل منه أصحاب المشاريع المناوئة. وتمتلك الرياض أدوات مهمة للتأثير في دول تلك المنطقة تستطيع من طريقها دعم الفكر المعتدل واحتواء تأثير الملالي، ويبدو الظرف الزمني مواتياً تماماً، مع تكبيل النظام الإيراني بأصفاد العقوبات الأميركية، واضطرار دول العالم إلى النأي عنه، وإن بدرجات متفاوتة.
ومثلت زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمنطقة جنوب شرق آسيا؛ العام الماضي خطوة مهمة في هذا المسار، لكنها بالقطع تتطلب مزيداً من الخطوات للبناء عليها، واستكمال المهمة، ليس فقط من أجل تحقيق مصالح المملكة وحدها، بل هي في ذلك تسدي خدمة للأمة جمعاء، التي تئن من الجراح التي حفرتها المخالب الإيرانية في أنحاء جسدها.
ولعل من يتابع مستجدات الساحة الدولية اليوم، يدرك الأهمية المتصاعدة لمنطقة شرق آسياً عموما، بالنظر إلى معدلات النمو الاقتصادي وحجم التأثير العالمي، الأمر الذي يكشف عنه بجلاء تراجع الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط لمصلحة الشرق الأقصى، منذ ما يقرب من عقد كامل.