الرئيسة \  مشاركات  \  موقف الإخوان من وفاة الأسد وثورة الشعب-الحلقة 6 .. موقف طهران وأنقرة مما يجري في سورية

موقف الإخوان من وفاة الأسد وثورة الشعب-الحلقة 6 .. موقف طهران وأنقرة مما يجري في سورية

28.07.2018
محمد فاروق الإمام




لقد أصبح مؤكداً للجميع أن معظم دول العالم لا تقيم وزنًا للجانب الإنساني ومآسي الشعوب، بيد أنها تتخذ من الجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية ذريعة وورقة ضغطٍ للتدخل السياسي والعسكري أحيانًا كما قد تتغاضى عن هذه الجرائم وتغض الطرف عنها إن تعارضت مع تلك المصالح.
وفي وقت سئمت فيه الشعوب من استبداد حكامها فانتفضت معلنة الرغبة في إعادة سيادة المجتمع على دولته عملت الدول الإقليمية على الانخراط في لعبة المصالح. وبينما جاءت الاصطفافات الدولية واضحة في ليبيا، فحزم المجتمع الدولي أمره وتدخل مباشرة في الشأن الليبي، أخذ الأمر منحى آخر في الشأن السوري، حيث إن معظم هذه الدول التي ساهمت في رحيل القذافي لا ترى لها مصلحة مادية تستوجب التدخل، لاعتبارات جيواستراتيجية واقتصادية كثيرة، أهمها الأخذ بعين الاعتبار جديّة مصالح الدولة العبرية في المنطقة، حيث إن نظام "الأسد" حقق لها هدوء البال لعشرات السنين في حفظ حدود شاسعة ومترامية الأطراف من الصعب والعسير جداً أن يحققه أي نظام آخر، مهما بلغت جديته في الحفاظ على هذا التوازن الدقيق القائم على التجميد والتحنيط لمدة قاربت نصف قرن. أما الجانب الاقتصادي فإن الأرصدة السورية في الخارج كما النفط السوري لا تضاهي الليبي بحال من الأحوال.
حالة التجميد هذه يراها بعض المحللين بما فيهم الصهاينة أفضل من السلام مع الدولة العبرية، الذي إن حصل مع الجانب السوري فإنه لا يضمن الاستقرار للداخل في الدولة العبرية كما هو الآن. لأن "الديموقراطية " التي يسعى اليها الشعب السوري لن تستتب بين ليلة وضحاها، مما يجعل من مرحلة إعادة التوازن بما فيها الاقتصادية علاوة على التموضعات الإقليمية والدولية فترة "قلق" للجانب الصهيوني بل ولكل جيران سورية والمنطقة بأسرها.
وعلى الضفة الشمالية لسورية برز الدور التركي القوي جدًّا مع بداية الثورة السورية، ليخفت ويتحول إلى صراع خفي بعد أن تحركت الورقة العراقية كما الكردية بين طهران وأنقرة، كما ثمة ملفات كثيرة يأخذها الجانب التركي بعين الاعتبار أهمها الملف الكردي والملف المائي والملف النفطي، إضافة إلى الأقلية الكبيرة من العلويين المؤيدين للنظام السوري. والسياسة الخارجية التركية التي ترى أن كبح الجماح الإيراني ممكن أن يمر عبر الاتفاقات الثنائية الاقتصادية والعسكرية.
وفي ضوء كل الاحتمالات المفتوحة فإن خطر اندلاع حرب "أهلية" أو "طائفية" من شأنه ان يُشعل المنطقة، فتسرب الحرب إلى الجوار السوري العراقي والتركي واللبناني، أمر ليس ببعيد في ظل التشابكات العرقية والإثنية والطائفية حيث يرى محللون أن طهران لن تتوانى عن افتعالها وتذكيتها بشتى الوسائل في ظل أذرعها المنتشرة في لبنان والعراق بعد أن تحوّل كلا البلدين إلى ساحة لتبادل الرسائل بين طهران "الصفوية " وأنقرة "العثمانية" على حدّ وصفهم مما ينذر بأن الأزمة السورية ستطول حاملة مزيدًا من الدماء وإزهاق الأرواح.
 فقد حذَّر المدير العام لإدارة شئون تركيا بوزارة الخارجية الإيرانية مصطفى دولتيار في تصريحاته لجريدة أيدنلك التركية دول المنطقة وخصوصاً تركيا من الوضع في سورية، مشيرًا إلى أن المشكلة الرئيسة ستظهر بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، لأن المنطقة ستصبح مثل البلقان.
تحذير لا يمكن قراءته بعيداً عن انزعاج إيران من زرع رادار حلف شمال الأطلسي الذي يهدف إلى مواجهة برنامج إيران للصواريخ على الأراضي التركية. كما يُعدّ تهديداً لخطة داوود أوغلو الساعي لجعل بلاده "لاعباً دولياً " في السياسة العالمية وهو الذي أعرب عن ذلك صراحة عام 2011 لصحيفة الفاينانشيل تايمز عندما أشار إلى ضرورة إحاطة تركيا نفسها بـ"حزام من الرخاء والاستقرار والأمن" معتبراً أن بلاده ستكون لها رؤية استراتيجية وأن الأتراك لن يكونوا "محايدين أبداً".
هذه النبرة التركية تراجعت حدتها لدى أوغلو في محاولة منه لجعل المسؤولية دولية حيث اعتبر أن ما يجري في سورية مسؤولية "تقع على عاتق المجتمع الدولي" عبر "توجيه أكثر الرسائل حزماً إلى القيادة السورية والقول هذه الوحشية يجب ألا تستمر" مكتفياً بالدعوة إلى ضرورة إدخال المساعدة المخصصة للمدنيين المتضررين من أعمال العنف إلى البلاد.
أما المبادرة العربية فقد تعثرت فيما بدأ المجتمع الدولي إعادة تقدير مواقفه من أجل تهيئة الظروف حيث أبدت الولايات المتحدة رغبتها في تشكيل موقف دولي يضمن نقل السلطة من خلال سحب شرعية بشار الأسد وتغيير بنية النظام دون تعريض الدولة السورية للانهيار لاسيما أنها غير راغبة في إعادة السيناريو العراقي. أما إيران فهي مصممة على دعم النظام السوري حتى النهاية حتى وإن أدى الأمر إلى نشوب حرب.
 من جانب آخر فإن الدول الأوروبية لا ترى في المعارضة السورية ما يؤهلها لضبط الوضع الداخلي، فيما اتجهت روسيا نحو الحفاظ على آخر حصن لها في المنطقة مستندة إلى متانة علاقتها مع معسكر الأسد وإيران مما يجعلها تضمن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
وفي ظل كل هذه التشابكات والتعقيدات والأزمة المتفاقمة يبدو أن شباب الثورة السورية غير آبهين بالمصالح الدولية ولا حتى بدبلوماسية المعارضة "الأنيقة" بقدر ماهم يعبرون عن رغباتهم الحقيقية في تغيير النظام الديكتاتوري، حيث ان الشريحة العمرية مابين 20 و35 سنة تسيطر على ديموغرافية الثورة في سورية العربية وهم يسعون لإثبات حضورهم ووعيهم في مؤسسات المجتمع المدني التي تسيطر عليها مافيا النظام التي تُعمل آلة القتل والتعذيب في رقاب البشر ولم ترحم نساءهم وأطفالهم.
يتبع