الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مهاجرو أوروبا: السوريون والعراقيون أكثر اندماجا

مهاجرو أوروبا: السوريون والعراقيون أكثر اندماجا

22.05.2018
حكيم مرزوقي


العرب
الاثنين 21/5/2018
النزوع نحو العنف والتشدد الذي طبع سلوكيات مهاجرين قادمين من دول المغرب في أوروبا مقارنة بنظرائهم من السوريين والعراقيين، يربطه باحثون ومتخصصون بأسباب عديدة تتعلق بعوامل تاريخية واجتماعية ونفسية وثقافية معقدة ومتشابكة.
جاء ذلك على ضوء تقرير حديث حمل اسم “الجريمة في سياق الهجرة”، وأصدره المكتب الاتحادي لمكافحة الجرائم بألمانيا. هذا التقرير كشف أنه، وعلى الرغم من أن 35.5 بالمئة من جميع اللاجئين الذين جاؤوا إلى ألمانيا العام الماضي كانوا قادمين من سوريا، فإن نسبتهم كانت 20 بالمئة فقط من بين المهاجرين المشتبه فيهم، لافتا إلى أن الشيء ذاته ظهر مع اللاجئين القادمين من العراق. وأشار التقرير الألماني إلى أن النقيض تماما كان مع المهاجرين القادمين من دول المغرب.
وكشف التقرير عن أن الوافدين من مناطق الحروب والنزاعات، نادرا ما يتورطون في حوادث تطرف وأعمال عنف، وذلك مقارنة بقادمين من مناطق أكثر سلما واستقرارا. وعلى الرغم من أن التقرير المذكور يركز على العنف بشكل عام، دون ربطه أو حصره بالتطرف والإرهاب، فإن من المحللين من لا يرى فرقا في الأمر، انطلاقا من أن غالبية المتورطين في أعمال إرهابية، سبق وإن ارتكبوا جنحا وجرائم جنائية. أما الذين يربطون الأرقام الواردة في التقارير الجنائية بكثرة عدد الجالية المغاربية في أوروبا مقارنة مع العراقيين والسوريين، لا يقدمون تفسيرا كافيا لتشبع العديد منهم بأفكار العنف والتطرف، إذ إن الجالية التركية مثلا، لها تعداد كبير في أوروبا، يفوق أي جنسية أخرى، غير أن تورطهم في أعمال العنف، أقل كثيرا، مقارنة بمهاجري المغرب وتونس والجزائر.
أما عن السؤال حول جنوح المهاجرين القادمين من سوريا والعراق، للسلم والاندماج الاجتماعي، رغم قدومهم من مناطق يعربد فيها العنف والحرب، فإن لذلك تفسيرا بديهيا وأوليا وفق القراءة السيكولوجية القائلة بأن السوريين والعراقيين، إنما جاؤوا ينشدون السلام، قادمين من مناطق يمزقها الاقتتال، ولا يعرف قيمة السلام الاجتماعي إلا من خبر وعاش نقيضه أي الاقتتال. ولو كان هؤلاء ميالين بطبعهم إلى العنف لظلوا في مناطقهم أي أنهم هاربون أصلا من العنف والتطرف لأنهم متضررون منه، على عكس جهاديين تونسيين مثلا.. يشدون الرحال إلى “الجهاد” شدّا.
تقرير يكشف أن الوافدين من مناطق الحروب والنزاعات، نادرا ما يتورطون في حوادث تطرف وأعمال عنف، وذلك مقارنة بقادمين من مناطق أكثر سلما واستقرارا
ولا ينبغي أن نتناسى أن غالبية المهاجرين العراقيين والسوريين في أوروبا هم من المتعلمين ومن أوساط ونخب مدنية وثقافية، وذلك على عكس المهاجرين المغاربيين القادمين في أغلبهم من أوساط ريفية فقيرة، ومتواضعة المستوى التعليمي والثقافي، ولا تربطها بالبيئة الثقافية الأوروبية رابطة غير القرب الجغرافي ولغة المستعمر الفرنسي.
مهاجرو بلاد المغرب، وعلى عكس نظرائهم من سوريا والعراق وأفغانستان، ليسوا مشردي حرب، فباستثناء الجزائريين من لاجئي العشرية السوداء في التسعينات، لا يأتي المهاجرون من المغرب العربي إلى أوروبا هربا من قطع الأعناق بل سعيا وراء الأرزاق.
الوجود المغاربي في أوروبا تمركز وتأسس أصلا على الطبقات الفقيرة وشبه الأمية من العمال الذين كانت تحتاج أوروبا المنهكة إلى سواعدهم دون عقولهم في ستينات القرن الماضي. وهم استوطنوا منعزلين في أحيائهم الفقيرة دون أن يشكلوا أزمة اندماج، إلا أن الاستقطابات الإخوانية والسلفية والجهادية القادمة أساسا من المشرق العربي، بدأت عمليا في التسعينات وسط غياب تنبه الحكومات المغاربية لخطورة ما يجري، وعدم إسراعها بالعمل لإدماج مواطنيها في أوروبا.
أمر آخر أخذه دارسون بالحسبان، هو الخاصية الثقافية المرتبطة بإنسان المنطقة المغاربية، والتي تتمثل في الازدواجية الثقافية والجمع بين المتناقضات، وقد سبق أن عبّر عنها المفكر وعالم الاجتماع الفرنسي جاك بيرك، بـ”الفصام غير المَرضي”، وهي خاصية أكدها علماء اجتماع آخرون، منهم بول باسكون.
ويقول عالم الاجتماع المغربي محمد جسوس، في هذا الشأن إنّه “لو خُيّر لإنسان المنطقة المغاربية التصويت بين الدولة الإسلامية والدولة العلمانية، لصوت للدولة الإسلامية وذهب للعيش في أرض العلمانية”.
ومن الجهة المقابلة، وفيما يخص استعداد السوريين والعراقيين للتأقلم والاندماج أكثر من نظرائهم المغاربيين، لا يمكن إنكار الطبيعة المدنية والذهنية التفاعلية التي تميز سكان بلاد الشام واعتيادهم على التنوع والتعددية الدينية والثقافية، وذلك على عكس بلاد المغرب.
 وفي المقابل، فإننا إذا أخذنا السوريين كنموذج لإيجابية التأقلم والاندماج، نرى أنهم، وإلى جانب تلك الصور الدرامية عن اللجوء، تمكّنوا من إثبات قدرات كبيرة على الاندماج، والتفاعل والتأثير، الأمر الذي أثار اهتمام المجتمعات والحكومات المضيفة.
وبرز الطلاب السوريون حول العالم كعقول متفتحة، قادرة على جمع العلم، في أي مكان، وتجلّى الأمر بالقدرة على دراسة لغة بلدان المهجر بسرعة كبيرة، فضلا عن تحصيل الدرجات المرتفعة في المراحل الدراسية المختلفة، ومنهم من تفوق على مستوى الدولة المضيفة، وعلى حساب طلابها.