الرئيسة \  واحة اللقاء  \  منبج تعيد خلط الأوراق

منبج تعيد خلط الأوراق

20.01.2019
يونس السيد


الخليج
السبت 19/1/2019
في خضم الجدل الدائر حول انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، جاء تفجير منبج الانتحاري الذي أودى بحياة أربعة عسكريين أمريكيين ليثير الكثير من الأسئلة حول توقيته وأهدافه، ويضفي مزيداً من التعقيد على الحسابات المتعلقة بهذا الانسحاب ويضع الجيش الأمريكي والإدارة في واشنطن قيد الاختبار.
أياً تكن الجهة المنفذة، وهي هنا تنظيم "داعش"، أو المستفيدة من هذا الهجوم المباغت، فإن الإدارة الأمريكية، التي تتقاذفها التجاذبات والخلافات أصلاً حول انسحاب قواتها من سوريا، لم تكن تتمنى على الإطلاق، أن تتلقى هذه الخسارة الجسيمة، ولم تكن تنقصها هذه النهاية الدراماتيكية لتضعها أمام خيارين: إما الانسحاب المقرر مسبقاً، سواء كان عاجلاً أو بطيئاً، والذي سيحمل، إن حدث، مضموناً مختلفاً بعد الهجوم، أقل ما يمكن وصفه بالهروب من ساحة المعركة، وإما إلغاء فكرة الانسحاب راهناً والتفرغ لمواصلة الحرب على "داعش".
تصريحات المسؤولين الأمريكيين وأعضاء في الكونجرس تشير إلى أن الانسحاب سيتم وفق الخطط الموضوعة له، ولكن ماذا عن الخطط الأمريكية لمستقبل تلك المنطقة في شمال سوريا، ومقترح "المنطقة الآمنة"، في مسعى لمنع الهجوم التركي على الحلفاء الأكراد، والذي سارعت أنقرة إلى الترحيب به والبناء عليه، بينما رفضته دمشق والأكراد معاً باعتباره احتلالاً للأراضي السورية، وإن كان الأكراد عدلوا موقفهم قليلاً، تحت الضغط الأمريكي، بالحديث عن إمكانية التعاون بشروط معينة؟
لا جدال في أن الطرفين المستفيدين من تفجير منبج هما تنظيم "داعش" وتركيا، وهما يرتبطان، على أية حال، بصلات استخباراتية، وفق التقارير الغربية، وكلاهما له مصلحة في تسريع انسحاب القوات الأمريكية، إذ إن "داعش" خسر "خلافته" المزعومة على يد الجيش العراقي بالتعاون مع التحالف الدولي، كما أنه يريد الانتقام ما أمكنه ذلك للخسائر الباهظة التي تكبدها، فيما تريد أنقرة أن تفرض "الشرعية" الممهدة لاجتياح قواتها شرقي الفرات بذريعة أنها منطقة مضطربة وغير آمنة وتشكل تهديداً لأمنها القومي، خصوصاً بعدما أدركت أن الأمور تتجه لصالح انسحاب أمريكي قد يستغرق عدة شهور، وأن السيطرة على منبج أو إقامة "منطقة آمنة" لن تكون سهلة في ظل تنامي الرفض الكردي والسوري الحكومي وكذلك روسيا التي تطالب بوضوح بتسليم المنطقة كلها إلى دمشق، كما أن أنقرة لا تستطيع إبقاء حشود عشرات الآلاف من قواتها ومقاتلي الفصائل المتعاونة معها في حالة استنفار لعدة شهور. الاستعجال التركي كان واضحاً تماماً في لهجة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي تحول سريعاً إلى ما يشبه وكالة الأنباء، حيث نقلت عنه وسائل الإعلام تفاصيل الهجوم في منبج والخسائر البشرية، وفي ردة فعله الأولية على التفجير الانتحاري حينما اعتبر أن الهجوم ربما كان يهدف إلى ردع الولايات المتحدة عن سحب قواتها، قبل أن يستدرك بأنه لا يعتقد أن الرئيس ترامب سيتراجع عن قراره "في مواجهة هذا العمل الإرهابي. ولكن ماذا لو قررت واشنطن البقاء للتأكد من هزيمة "داعش" جغرافياً، على الأقل؟ عندها قد ينقلب السحر على الساحر وتصبح أنقرة في ورطة حقيقية ربما تكون لها تداعيات خطيرة على الدور التركي برمته في الساحة السورية.