اخر تحديث
الأحد-04/05/2025
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أسماء شهداء الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
قطوف وتأملات
\ من قصص الواقع : لا بد أن تعتذر، يا مسيو ؟!
من قصص الواقع : لا بد أن تعتذر، يا مسيو ؟!
10.02.2021
يحيى حاج يحيى
في مبنى فخم ، يطل على قناة السويس ، كان المسيو (سولنت) كبير المهندسين يسكن ! وقد بالغ في زخرفته ، وتأنق في أثاثه ، وجعل له حديقة غنّاء يشبه جمالها حدائق باريس ؟؟ وقد اعتاد أن يتفرغ لتحسين سكنه في أيام الإجازة .
أمسك بالهاتف ، وطلب من سكرتيره أن يرسل له نجاراً ماهراً لإصلاح ما يظنه قد تلف !؟
نظر المسيو سولنت من ثقب بالباب ، فرأى شاباً أسمر اللون، له لحية خفيفة ، عريض المنكبين ، يحمل في إحدى يديه زنبيلاً يضم عدة وأدوات .
قال سولنت بعد أن استطاع إفهام النجار حافظ ما يريد : كم تكلفة هذا العمل ؟ قال حافظ : مئة وثلاثون قرشاً . فصاح المسيو بعربية فيها لكنة فرنسية : أنت حرامي ؟! ثار الدم في رأس حافظ ، ولكنه تمالك نفسه ، وقال بهدوء : لماذا ؟
قال : لأنك تأخذ أكثر من حقك !!
قال حافظ ، وهو يحدق في وجه سولنت ، ويرميه بنظرات تجمع بين الازدراء والإشفاق : مسيو ! إنني لن أتقاضى شيئاً إذا كان ما طلبته أكثر من السعر المناسب ؟! وإذا قال أحد مرؤوسيك إن السعر مناسب فسأسامحك في الزيادة . انتظر حافظ عدة دقائق ، ووصل أحد المرؤوسين ، فطلب منه المسيو سولنت أن يقدر ، فقدر العمل بمئتي قرش ... هز المسيو رأسه وطلب من حافظ أن يبدأ العمل .
قال حافظ : سأفعل ، لكنك أهنتني ، فعليك أن تعتذر عما وصفتني به .
لم يكن سولنت يتوقع أن يسمع مثل هذا الكلام ، فهو هنا الآمر الناهي، فغضب واصطبغ وجهه بالحمرة وقال محتداً، وقد تصور أن هذا النجار ينتقص من مكانته ، فيما كانت بسمة استخفاف على شفتيه : تريد أن أعتذر لك – ها – ومن أنت ؟ لو طلب مني ملككم نفسه ما اعتذرت له !!
قال حافظ ، في هدوء : وهذه غلطة أخرى – يا مسيو سولنت- كان أدب الضيافة يفرض عليك ألا تقول مثل هذا الكلام ؟! أحسَّ سولنت ، وهو يغلي في داخله ، أن هذا النجار استطاع أن يضعه أمام تحدي الند للند ، فتركه وأخذ يتمشى في البهو الفسيح ، ويداه في جيب بنطاله ..
أما حافظ فوضع عدته، وجلس على كرسي قريب متكئا على الطاولة .. ومرت فترة من الصمت لا يتخللها إلا وقع أقدام المسيو الثائر الغاضب .
استدار سولنت ، وأشار بأصبعه ، وقد حاول أن يهدئ نفسه، وقال : افرض أنني لم أعتذر فماذا ستفعل ؟
قال حافظ : لن أفعل شيئاً سوى أنني سأكتب تقريراً إلى قنصلكم وإلى سفارتكم ، ثم إلى مجلس إدارة قناة السويس بباريس ، ثم الجرائد الفرنسية ، ثم أترقب قدوم أي عضو من الأعضاء فأشكوك إليه.
قال المسيو متحدياً مستخفاً : وإذا لم يسمع لك أحد ولم يرد عليك؟
قال حافظ : إذا لم أصل إلى حقي ؛ فإنني أستطيع أن أهينك في الشارع ، وعلى ملأ من الناس ، وأكون بذلك قد وصلت إلى ما أريد ، ولن أتقدم بشكوى إلى الحكومة المصرية التي قيدتموها بسلاسل الامتيازات الأجنبية الظالمة .
أحس سولنت أنه أمام رجل غير عادي ، على الرغم من بساطة مظهره ، فقال : وقد خفضت نبرة صوته : يبدو أنني أتكلم مع أفاكاتو (محامي) لا نجار ... ثم انتفش وشمخ برأسه ، وقال : ألا تعلم أنني هنا كبير المهندسين في قناة السويس ، فكيف تتصور أن أعتذر منك ؟!
قال حافظ ، وهو ينظر إلى سولنت من أعلى رأسه إلى أخمص قدمه، وقد لمعت عيناه السوداوان : ألا يعلم المسيو أن قناة السويس في وطني ، لا في وطنه ، وأن مدة استيلائكم عليها مؤقتة ، وستنتهي ثم تعود إلينا ، فتكون أنت وأمثالك موظفين عندنا ؟ فكيف تتصور أن أدع حقي لك ؟!
أحس سولنت أنه لم يربح في هذه الجولة أيضاً ، ولكنه استمر في صلفه ، فعاد يمشي مرة أخرى ...
مرت فترة من الصمت فالتفت بسرعة وقد تغيرت ملامحه ، وطرق بيده على المنضدة في عنف عدة مرات وهو يردد : أعتذر – يا حافظ – سحبت كلمتي ..
لم يرد حافظ بشيء ، ولكن قام بهدوء وقال : متشكر – يا مسيو سولنت – وبدأ يعمل حتى انتهى من عمله .
مد سولنت يده وأعطاه (150 ) قرشاً ، فأخذ حافظ (130) ورد إليه الباقي !
قال سولنت : خذها ( بقشيشاً ) ! قال حافظ : لا – لا آخذ أكثر من حقي فأكون (حرامي) وركز بصره في عيني سولنت .
ارتبك سولنت وقال بدهشة : إنني مستغرب ! لماذا لا يكون كل الصناع أولاد العرب مثلك ؟ أنت (فاميلي محمد ) فقال حافظ : كل المسلمين " فاميلي محمد " يا مسيو سولنت ، ولكن الكثير منهم عاشروا الخواجات ، وقلدوهم ففسدت أخلاقهم !
لم يرد المسيو بشيء ، واكتفى وهو يمد يده مصافحاً قائلاً : متشكر – كثر خيرك .
انطلق حافظ بأجرته وزنبيله الذي يضم عدة العمل ، وكرامته التي لم يسمح لأحد أن يجرحها ، حتى ولو كان سولنت كبير المهندسين في قناة السويس .
- جرت في الأربعينيات من القرن السالف ، ووردت في كتاب مذكرات الدعوة والداعية على شكل حادثة ، فأقمت بنيانها الفني دون تغيير في الشخصيات والحدث ( يحيى )