الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من سيكتب الدستور السوري؟

من سيكتب الدستور السوري؟

19.06.2018
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 18/6/2018
حين اندلعت الاحتجاجات الشعبية في سوريا في منتصف مارس/ آذار 2011، كانت هناك مطالبات بإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن "حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع"، ولم تكن تلك المطالب جديدة، لكنها كانت المرة الأولى التي تتحول فيها من مطالب نخبوية إلى مطالب شعبية، فقد كانت أحزاب المعارضة الموجودة ضمن التجمع الوطني الديمقراطي (المؤسس في عام 1979) تناضل من أجل كسر احتكار حزب البعث للسلطة.
في دستور عام 2012، تمّ الإقرار بمبدأ التعددية السياسية، وجاء ذلك في المادة الثامنة من الدستور الجديد التي نصّت على أن النظام السياسي يقوم على "مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع"، وقد أرادت السلطة السياسية القول إنها مستعدة للتغيير، عبر صناديق الاقتراع، لكن الوطن السوري كان قد دخل فعلياً حالة الانقسام السياسي والاجتماعي، وكان الجيش، كمؤسسة وطنية، قد انحاز فعلياً للسلطة السياسية، في مواجهة الاحتجاجات، وأريق الكثير من الدماء، وجرت تحوّلات كثيرة على الصراع نفسه، كما أن السلطة السياسية هي التي قامت بتغيير الدستور، ولم يأتِ نتيجة حوار بين السلطة السياسية وبين المعارضة والقيادات الشابة التي كان أفرزها الحراك الشعبي في بداياته.
وفي الحالة السورية التي باتت حالة نموذجية لصراع الأمم، بقيت كل الدول المنخرطة في الصراع تقول إن الحل في سوريا هو حلٌ سياسي، وهو ما أقرّت به الأمم المتحدة نفسها، في القرارات المتعلقة بالمسألة السورية، لكن صراع الإرادات الإقليمي والدولي فعلياً، ظلّ متناقضاً على طول الخط مع ضرورات الحل السياسي، إذ لا يمكن إيجاد حل سياسي من دون توفر أدوات ضغط كافية على أطراف الصراع المحلية، ونتيجة لذلك فقد باءت كل جولات جنيف بالفشل، في الوقت الذي استعاضت فيه موسكو عن مسار جنيف بمسار أستانة الذي اشتركت فيه إيران وتركيا، كدولتين ضامنتين، بجانب روسيا.
قامت الرؤية الروسية للحل في سوريا على ثوابت محددة، ومن أهمها عدم سقوط الدولة والنظام، والقضاء على المعارضة المسلحة، بما يسمح لموسكو القيام بتغيير سياسي يتوافق مع مصالحها، ويضمن لها وجوداً استراتيجياً، تعيد من خلاله ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط، وملف الطاقة على وجه الخصوص، بعد الاكتشافات الغازية الهائلة في حوض المتوسط، وقد تمكّنت فعلياً من تحقيق الكثير من أهدافها، خصوصاً إمساك قرار النظام السوري بيدها، ودحر المعارضة المسلحة في حلب، وإخراج مقاتلي المعارضة من محيط العاصمة دمشق.
وفي مؤتمر "الحوار الوطني" الذي عقد في سوتشي في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني من هذا العام، تمكنت روسيا من حصر المؤتمر في نقطة واحدة، وهي تشكيل لجنة دستورية، من قبل الأطراف المشاركة من النظام والمعارضة، وقد رفضت حينها الكثير من قوى المعارضة السياسية الرئيسية حضور المؤتمر، لكن موسكو قررت عقد المؤتمر بمن حضر، انطلاقاً من قناعتها بأن تغيير المعادلات الميدانية كفيل بأن يضمن لها موقفاً قوياً في فرض نتائج المؤتمر على جميع الأطراف.
إن المسار الذي يفرض اليوم على السوريين، من قبل الدول الضامنة لأستانة، (روسيا، إيران، تركيا)، يختصر المسألة السورية برمتها إلى مجرد تسوية دستورية، ومن شأنه أن يختصر مفهوم الحل السياسي بإعلان دستور جديد، في ظل حالة من الدمار الكارثي غير المسبوقة في تاريخ سوريا، وفي ظل خروج ملايين السوريين من أرضهم، ووجود عدد غير معروف من المعتقلين والمفقودين، وفي ظل عدم تمكّن المعارضة السورية، على اختلاف تنوعاتها الإيديولوجية، من العمل ضمن مناطق تواجد النظام.
في الحالات المشابهة للحالة السورية، حيث تصبح الدولة دولة فاشلة بكل المقاييس، وحيث تسيطر القوى الخارجية بشكل مباشر على مفاصل القوة، وحيث يصبح وجود السلطة السياسية مرهوناً بدعم هذه الدولة، أو تلك، وحيث تصبح معظم القوى السياسية رهن الدول الداعمة لوجودها، فإن الدستور الذي يكتب في ظل هكذا أوضاع قد لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به، بل قد يكون مقدمة لفترات طويلة من عدم الاستقرار.