الرئيسة \  مشاركات  \  من الفتنة الطائفية إلى الفتنة السياسية

من الفتنة الطائفية إلى الفتنة السياسية

05.08.2025
المهندس هشام نجار



من الفتنة الطائفية إلى الفتنة السياسية

المهندس هشام نجار*
أعزائي القراء..
فوجئت – كما فوجئ كثيرون – بأن مجموعة لا يتجاوز عدد أفرادها عشرة أشخاص، قررت أن تشكل كيانًا جديدًا هدفه المُعلن هو “تحريك الساحة السياسية”، لكن الهدف الحقيقي – كما تدل التحضيرات – هو إدخال سوريا في مرحلة جديدة من التوتر، لا تستند إلى الفتنة الطائفية كما حدث في السنوات الماضية، بل إلى فتنة سياسية خبيثة، أكثر تعقيدًا، وأعمق أثرًا، تتجاوز الانتماءات الدينية والمذهبية لتغلف نفسها برداء “الوطنية البديلة”، بينما تحمل في حقيقتها بذور انقسام جديد وخطر.
لسنا بحاجة إلى تحليل طويل لفهم الغاية؛ فمؤتمرهم المزعوم، المقرر عقده خلال ثلاثة أشهر، وهم بشكلون مجموعة متناثرة من الحالمين بالزعامة، أو من أُخرجوا من المشهد الشعبي والسياسي لأسباب تتعلق بسلوكهم أو ارتباطاتهم. يجتمعون الآن على شعار واحد: إفشال أي مسار تعافٍ بطيء، وتشويه أي محاولة لبناء الثقة بين الشعب والدولة، حتى ولو كانت تلك المحاولات خجولة.
وأسأل هنا بصراحة:
إذا كان هناك مجلس شعب قادم تُجرى انتخاباته بحرية نسبية، وإذا كنا على أبواب دستور جديد يُعرض للاستفتاء العام، وإذا كنا نرى على بعض المنابر السياسية والاقنية الفضائية، حتى تلك التابعة للدولة، أصواتًا تنتقد تعترض على بعض سياسات الدولة دون أن تُكمم أفواهها، فلماذا إذًا يُراد لسوريا أن تظل مشتعلة؟
لماذا يُصر البعض على أن يبقى الوطن على صفيح ساخن، لا تهدأ فيه نار حتى تُشعل أخرى؟
هل هي أجندات خارجية؟
هل هو حلم بالزعامة؟
هل هي مرارات شخصية تُصبغ بمواقف عامة؟
كل ذلك ممكن… لكن النتيجة واحدة: تعطيل التعافي الوطني، وإنهاك السوريين مرة أخرى بمعارك عبثية، قد تنقلهم من الصراع الطائفي إلى صراع سياسي انقسامي لا يقلّ خطرًا ولا دمارًا.
إن السوريين، بكل أطيافهم، تعبوا من الحرب، ومن الشعارات، ومن الزعامات الوهمية. هم اليوم بحاجة إلى تحسين خدماتهم اليومية واعادة تعمير الوطن ، هم بحاجة إلى كهرباء منتظمة وماء نظيف، إلى مدرسة آمنة ومستشفى محترم. ومن المنصف القول إن هناك، رغم كل شيء، تحسنًا بطيئًا لكنه موجود؛ وسوريا منذ سبعة أشهر فقط كانت تحت الصفر في كل شيء، واليوم تُبنى شيئًا فشيئًا أسس العودة.
فهل هؤلاء “العشرة الجدد” سيقدمون لنا طريقًا أفضل؟
هل في جعبتهم خطة اقتصادية؟ مشروع تعليمي؟ رؤية صحية؟
كلا، ليس لديهم إلا خطاب تعبوي جديد يهدف إلى تفجير الاستقرار الوليد قبل أن يكبر. حتى نتحول بالتدريج الى نظام انقلابي سيسي تتوفر له اموال الفساد من بعض الدول العربية الحاقدة.
أقولها بوضوح:
إذا كنا نريد إصلاحًا، فلنسر به ضمن المسار المؤسساتي، بالنقد البناء، والاقتراح الذكي، والضغط الشعبي السلمي، لا بالتآمر ولا ببناء كيانات وهمية تُعيد إشعال البلاد من جديد.
لسنا بحاجة إلى قادة جدد،
بل إلى عقلاء،
يعرفون أن الوطن لا يُبنى بالكراهية،
ولا بالتخوين،
ولا بالتسابق على المؤتمرات الفتنوية،
بل بالبذل، والصبر، والإيمان بأن سوريا واحدة لا تُقسّم، وشعبها أوعى من كل الفتن ..
__________________________
*مدير المشاريع الهندسية لادارة الصحة في نيويورك
المنسق العام لرابطة المهندسين السوريين للبناء والتعمير