الرئيسة \  مشاركات  \  من أصول المعارضة السياسية

من أصول المعارضة السياسية

27.04.2019
د. أحمد محمد كنعان




في سياق "الربيع العربي" تباينت الآراء والمواقف السياسية في الساحة العربية، وبدأت مصطلحات جديدة تطرق الأذن العربية، كان من أبرزها مصطلح "الدولة المدنية" ومصطلح "المعارضة السياسية" وهي في الحقيقة مصطلحات قديمة يرتبط ظهورها تاريخياً بتاريخ الديمقراطية في اليونان القديمة، وقد سبق أن تحدثنا طويلاً حول الدولة المدنية، ولهذا سوف نتحدث في هذه الوقفة عن المعارضة السياسية وأصولها ..
تعريف :
مصطلح "المعارضة" مشتقة من الكلمة اللاتينية  Oppositusالتي تعني العرقلة أو الوقوف في وجه الحكومة، وقد أصبحت المعارضة في أيامنا عنصراً أساسياً في أي نظام ديمقراطي، لكن لكي يكون للمعارضة السياسية مبرر وتأثير في ميدان السياسة، يجب أن تمتلك برنامجاً مدروساً جيداً يؤهلها لاستلام السلطة والحلول محل السلطة القائمة؛ فالهدف الأساسي للمعارضة هو الوصول إلى السلطة لتنفيذ برنامجها الذي يفترض أن يكون أكمل وأفضل من برنامج السلطة القائمة، وأقدر في حل المشكلات التي استعصت على هذه السلطة .
 
أساليب المعارضة السياسية :
في الأنظمة الديمقراطية تمارس المعارضة في إطار الدستور، ومن خلال مؤسسات يحكمها القانون، ولاسيما منها "البرلمان" .
وتتبع المعارضة وسائل وأساليب شتى لطرح أفكارها وبيان مواقفها من ممارسات الحكومة، ومن هذه الأساليب توعية الرأي العام بما ترتكبه الحكومة من فساد أو تجاوزات، أو أخطاء، ويشترط في المعارضة في النظم الديمقراطية عدم استخدام العنف أو السلاح، وتحت هذا الشرط تسمح الأنظمة للمعارضة بممارسة نشاطها في حرية تامة، كما هي الحال مثلاً في الأنظمة الديمقراطية العريقة في أوروبا والولايات المتحدة واليابان وبلدان أخرى كثيرة، على العكس من الأنظمة الدكتاتورية التي لا تسمح مطلقاً بوجود أي شكل من أشكال المعارضة، كما هي الحال في غالبية بلداننا العربية، وبلدان أخرى كثيرة في العالم !
وتقترن ظاهرة المعارضة عادة بالأحزاب والجماعات والتيارات السياسية، وتختلف درجة المعارضة من بلد إلى آخر، ومن نظام سياسي إلى آخر، كما ذكرنا آنفاً.
وقد تضطر المعارضة السياسية في بعض الظروف إلى التطرف والعنف، لمواجهة الدكتاتورية حين تبالغ في طغيانها، مما قد يدفع الصراع نحو "الحرب الأهلية" التي تدمر البلاد وتشرد العباد، كما حصل في بعض بلدان الربيع العربي !
 
حقوق المعارضة السياسية :
يتيح النظام الديمقراطي للمعارضة جملة من الحقوق التي ينص عليها الدستور عادة، من أبرزها : 
1 - الحق في حرية العمل السياسي .
2 - الحق في الحصول على المعلومات المتعلقة بأنشطة الحكومة، والحق في انتقادها بما يخدم المصلحة العليا للبلاد .
3 - حق المعارضة بممثلين في مؤسسات الدولة .
واجبات المعارضة السياسية :
وفي مقابل الحقوق التي يحددها الدستور للمعارضة، فإنه يوجب عليها جملة من الواجبات، منها :
1. احترام الدستور وما يتفرع عنه من قوانين .
2. المساهمة برفع الحوارات العامة المتعلقة بالحكومة والمواطنين .
3. التحضير والاستعداد للوصول إلى السلطة، بوضع برامج بديلة تحل محل برامج الحكومة المغادرة .
4. مراقبة عمل الحكومة وانتقادها في إطار الدستور، في إطار الموضوعية .
وسائل المعارضة للوصول إلى السلطة :
ذكرنا أن من حق المعارضة استخدام كل الوسائل للوصول إلى السلطة باستثناء العنف والسلاح، ومن الوسائل التي تتوسل بها لتحقيق هذا الهدف :
* استجواب الحكومة داخل أروقة البرلمان، لتبرير حلولها مكان الحكومة .
* انتقاد القوانين والقرارات التي تصدرها الحكومة، وكشف أسباب النقد، وأوجه القصور أو الفساد في ممارسات الحكومة، مع الالتزام بالموضوعية وتقديم الأدلة والوثائق التي تثبت دعواها  .
* كشف قضايا الفساد التي تمارسها الحكومة، وعرض ذلك على القضاء والرأي العام .
* وقد تلجأ المعارضة أحياناً إلى نشر الفضائح الجنسية التي كثيراً مت تقضي على المستقبل السياسي للشخص .. كما فعل مثلاً "الحزب الجمهوري" ضد الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" مرشح الحزب الديمقراطي مما اضطره للانسحاب من السباق الرئاسي في حينه !
* والمعارضة ليست حكراً على طرف دون طرف، بل هي حق للجميع، وفي العادة يتناوب أطراف عديدة في ممارسة المعارضة تبعاً للظروف السياسية، فنلاحظ مثلاً أن وصول الحزب المعارض إلى السلطة يجعل الحزب الذي غادر السلطة يتحول إلى المعارضة، كما نراه واضحاً مثلاً من سلوك الحزبين الرئيسين في بريطانيا : "حزب العمال" و "حزب المحافظين" فعندما يكون أحدهما في السلطة يأخذ الآخر دور المعارضة، وهكذا هي حال الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة : الجمهوري والديمقراطي .
دور المعارضة في دعم الديمقراطية :
تعد المعارضة جوهر الأساس في الأنظمة الديمقراطية؛ وهذا ما أدركته الدول الديمقراطية، فصارت شديدة الحرص على وجود المعارضة، وتنظيم عملها بما يحقق صواب المسار السياسي، ويمنع الانحراف والفساد، ويحقق المصالح العليا للبلاد.
ومن هنا وجدنا "الإعلان الدستوري" لعام 2008 في فرنسا ينص على منح حقوق خاصة لجماعات المعارضة والأقليات في البرلمان؛ ومن هذه الحقوق تحديد جدول أعمال البرلمان، وتشكيل لجان للمراقبة والتقييم والرصد .
وللمعارضة في الدول الديمقراطية دور مهم في مساعدة المواطنين قبيل الانتخابات؛ وذلك بتقديم المعلومات التي تساعد المواطن لكي يبني اختياره على علم وبصيرة.
وهكذا نرى أن المعارضة السياسية هي حجر الأساس في النظام الديمقراطي، وهي مفتاح التعددية السياسية حيث تقدم للمواطن خيارات بديلة عن السلطة الحاكمة، وتضع السلطة الحاكمة أمام مسؤولياتها، فإذا أخطأت حلت المعارضة محلها .
ولا شك بأن الإعلام النزيه الحر هو ركن أساسي في هذه القضية، وهو وسيلة لا غنى عنها في الممارسات الديمقراطية، لما له من دور في كشف برامج الطرفين : الحكومة والمعارضة، وعرض الحقائق للمواطن الذي من حقه معرفة الحقائق لكي يبني موقفه واختياره على بينة، وأن تترك له الحرية التامة في الاختيار .