الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مصالح الأمن القومي لروسيا في الشرق الأوسط

مصالح الأمن القومي لروسيا في الشرق الأوسط

13.02.2020
إبراهيم نوار


القدس العربي
الاربعاء 12/2/2020
يمكن القول بشكل عام إن سلة المصالح القومية الاستراتيجية لروسيا في الشرق الأوسط الكبير تشمل الحرب على الإرهاب، والوصول إلى المياه الدافئة، وإقامة رأس جسر عسكري لمنع توسع الناتو والولايات المتحدة بالقرب من حدودها، والاستفادة من رأس الجسر أيضا في مجالات التفاعل داخل المنطقة وخارجها، وتأمين المصالح الاقتصادية الروسية، بشأن التنسيق في تصدير النفط والغاز مع دول الخليج، وتأمين وتوسيع أسواق صادرات السلاح الروسية والقمح في المنطقة الأكثر إنفاقا على استيراد السلاح والقمح في العالم، وتوسيع مصالح الشركات الروسية. كما أن لروسيا أيضا مصلحة في جعل المنطقة أكثر هدوءا تنعم شعوبها ودولها بثمار التعاون من أجل، حل الصراعات التاريخية العالقة مثل القضية الفلسطينية، والنزاعات الجديدة مثل ترتيبات أمن الممرات المائية.
ويبدو لنا من متابعة تطورات السياسة الخارجية الروسية تجاه الشرق الأوسط ، أن أهم معالم خريطة المصالح القومية لروسيا في المنطقة يتمثل في ما يلي:
أولا: إقامة وتأمين رأس جسر إلى البحار والمحيطات الدافئة، ومن هنا تبدو أهمية القاعدين العسكريتين اللتين أقامتهما روسيا في سوريا، قاعدة طرطوس البحرية، وقاعدة حميميم الجوية. قاعدة طرطوس تم الاتفاق بشأنها أولا كنقطة بحرية للتسهيلات اللوجستية عام 1983 على أساس معاهدة الصداقة السوفييتية – السورية الموقعة عام 1980، أي بعد أقل من 10 سنوات من قرار الرئيس المصري أنور السادات بإلغاء معاهدة الصداقة مع السوفيتيت وترحيل خبرائهم من مصر. وقد تم تطوير الاتفاقات الروسية مع سوريا بشأن القاعدتين، طرطوس وحميميم، بعد دخول القوات العسكرية الروسية في الحرب السورية إلى جانب بشار الأسد. وتعتبر القاعدتان حاليا من أهم مراكز الوجود العسكري الروسي خارج الحدود، وتستخدمهما أحدث القوات الروسية، بما في ذلك القطع البحرية العاملة بالطاقة النووية، وأحدث الطائرات المقاتلة وصواريخ الدفاع الجوي. وتستخدم القوات الروسية قاعدتي طرطوس وحميميم، لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، وأيضا كمراكز للحماية العسكرية المتقدمة للأراضي الروسية. وهذا يعني أن سوريا تمثل قطعة شديدة الأهمية للاستراتيجية العالمية لروسيا، في مجالات الوصول إلى المياه الدافئة، وفي توفير رأس جسر عسكري للهجوم والدفاع الاستراتيجي الروسي لصالح الحلفاء وضد الأعداء.
ثانيا: المحافظة على مصالح روسيا في تعظيم العائد من تصدير ثرواتها ومنتجاتها من النفط والغاز والسلاح والقمح، وذلك عن طريق التنسيق مع دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط والغاز، وتوسيع أسواق السلاح الروسية في هذه المنطقة، التي تمثل أهم أسواق السلاح في العالم. هذا التنسيق الذي كان قد بدأ مبكرا من خلال قنوات مختلفة دبلوماسية وتجارية، في أعقاب غزو العراق للكويت، وحاجة الدول الخليجية إلى مساندة كل من روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي، لإصدار قرارات ملزمة ضد النظام الحاكم في العراق في ذلك الوقت بقيادة صدام حسين.
وعلى الصعيد النفطي، فإن روسيا أدركت منذ انهيار أسعار النفط في منتصف عام 2014، انها يمكن أن تتعرض لأضرار شديدة ، في حال الاستمرار في اضطراب سوق النفط. وفي إطار السعي لتحقيق استقرار إيراداتها من تصدير النفط، فقد وجدت طريقا للتنسيق مع المملكة العربية السعودية والدول الأعضاء في أوبك. ويعتبر الاتفاق بين دول أوبك وروسيا على التنسيق المشترك، وتحديد كميات الإمدادات إلى الأسواق العالمية، حجر الزاوية في الاستقرار النسبي للأسعار في الأعوام الثلاثة الأخيرة، منذ عقدت روسيا اتفاقا بهذا الخصوص مع أوبك في أواخر عام 2016. وتقدر روسيا مكاسبها من هذا الاتفاق بنحو 60 مليار دولار سنويا.
ثالثا: الحد من دور الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي في المنطقة، التي شهدت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أكثر وأسوأ الصراعات، امتدت إلى العلاقات الدولية بشكل عام، خصوصا في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي. وقد تعرضت روسيا (الاتحاد السوفييتي قبل ذلك) للكثير من الضرر، بسبب نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. وتشير التطورات في الوقت الحاضر إلى اتساع نفوذ روسيا في الكثير من الأماكن التي كانت تعتبر ضمن نطاق حزام النفوذ الأمريكي من أفغانستان إلى غرب آسيا وشمال افريقيا.
 
استراتيجية أمريكا وروسيا تلتقيان على أرضية أولوية المصالح القومية على ما عداها
 
رابعا: العمل على تطهير المنطقة من مقومات وأسباب الإرهاب والتطرف السياسي باسم الإسلام. وقد دفعت روسيا ثمنا فادحا للمواجهة مع التنظيمات الإرهابية ذات الطابع الإسلامي، وقد تعرضت منذ حربها في أفغانستان لضربات شديدة، بواسطة الجماعات الإرهابية، بلغت ذروتها بوصول هذه الهجمات إلى قلب العاصمة الروسية موسكو، مثلما حدث في تفجيرات مترو موسكو في نهاية مارس/آذار 2010 التي راح ضحيتها 39 شخصا، وأثارت حالة من الاضطراب في منظومة النقل العام في المدن الروسية الكبرى. وعلى الرغم من أن روسيا من الدول الرئيسية ذات المصلحة في الحرب على الإرهاب، فإن الولايات المتحدة استبعدتها من التحالف العالمي للحرب على الإرهاب، تماما كما حدث مع الصين، فأصبح التحالف يمثل المصالح الغربية فقط. لكن ذلك لم يمنع روسيا من تطوير استراتيجيتها الداخلية والخارجية للحرب على الإرهاب. وتنطلق هذه الاستراتيجية من أربعة محاور، المحور الأول هو محاصرة وتصفية الجماعات الإرهابية والمتشددة، في مناطق مثل القوقاز وداغستان وأبخازيا والشيشان، التي تتمركز فيها هذه الجماعات، وتنطلق منها لتهديد المصالح الروسية في الداخل والخارج. المحور الثاني هو شن حرب ضد الجماعات الإرهابية بالتنسيق مع قوي أخرى، مثلما هو الحال في سوريا، بالتعاون مع سوريا وإيران والتنسيق مع الولايات المتحدة. المحور الثالث هو إقامة قنوات استخبارية مع دول أخرى، مثل الولايات المتحدة، لتبادل المعلومات عن الشبكات والتنظيمات والأفراد المتورطين في أنشطة إرهابية، أو الذين من المحتمل ان يشاركوا فيها. المحور الرابع في استراتيجية روسيا للحرب على الإرهاب هو محور غير مباشر يتمثل في العمل على خلق منطقة للسلام والتوافق الإقليمي في الشرق الاوسط، بما يسمح بتعظيم العائد الذي تحصل عليه من المنطقة، على أساس مبدأ تبادل المكاسب، وتوسيع نطاق المصالح المشتركة المترابطة بين الحكومات القائمة. وقد اكتسبت الدبلوماسية الروسية خبرات كبيرة من خلال تطبيق أسلوب جديد في إدارة الحرب الأهلية السورية، عن طريق ابتكار دبلوماسية "مناطق خفض التصعيد".
خامسا: حماية الاستقرار والسلام في المنطقة. وتعتبر الدبلوماسية الروسية أن منطقة الشرق الأوسط تعاني من عدد من المشاكل المزمنة والجديدة، التي تهدد أمن المنطقة، ويمتد أثرها إلى تسميم العلاقات الدولية بشكل عام، بسبب الاستقطابات الحادة الناتجة عن تباين مواقف القوى الرئيسية في العالم بشأنها. ويأتي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على رأس هذه القضايا. وتتمسك روسيا بشكل عام بضرورة حل هذا الصراع المزمن، على أساس حق الفلسطينيين في إقامة دولة ذات سيادة تعيش في سلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل، والتكيف مع الحقائق السياسية القائمة، بعيدا عن الإدعاءات التاريخية. كما تدعو روسيا إلى تخفيف حدة التوتر الإقليمي بين الأطراف المتصارعة على النفوذ في الخليج، خصوصا بين السعودية وإيران، وتدعو إلى إنشاء آلية مشتركة للدفاع والأمن المتبادل، تضم الدول المعنية في المنطقة، بعيدا عن الاستقطاب الإقليمي أو الدولي، لضمان أمن الملاحة في الممرات البحرية الحيوية في المنطقة مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب.
وعلى الرغم من العداءات التاريخية بين كل من إيران وتركيا، فقد استطاعت روسيا ان تخلق مناخا ملائما للتعاون المشترك المثمر بين البلدين، اللذين يتصدران قيادة العالم الإسلامي (تركيا السنية، وإيران الشيعية)، كما نجحت أيضا في دفع العملية السياسية في سوريا إلى مسار مستقر، عن طريق الجمع بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة ذات الطابع السياسي المعتدل البعيدة عن الإرهاب. وهي الآن تتقدم لمحاولة لعب دور أكثر أهمية في الصراع داخل ليبيا، بما يجعل من اليسير استئناف الحياة الطبيعية في البلاد وتنمية مواردها، بما في ذلك النفط، حيث تلعب الشركات الروسية دورا مهما. إن المشروع الروسي في الشرق الأوسط، وإن كان يستهدف مصالح قومية روسية، فإنه يلتقي أيضا مع الكثير من مصالح دول المنطقة، وليس على حسابها، خصوصا مصالح الحكومات القائمة بالفعل، التي تسعى روسيا لتكريس نفوذها وزيادة قوتها، حتى لو كان ذلك على حساب قوى سياسية تقدمية وديمقراطية. ومن المفارقات المثيرة التي يجب أن نسجلها هنا، هي أنه على الرغم من الصدام الاستراتيجي بين مصالح الولايات المتحدة وروسيا، إلا أن استراتيجية كل من الطرفين تلتقيان على أرضية أولوية المصالح القومية على ما عداها؛ فالسياسة الخارجية للولايات المتحدة تحت حكم ترامب تبدأ وتنتهي عند شعار "أمريكا أولا" ، كما أن السياسة الخارجية لروسيا تحت حكم بوتين هي كذلك، تبدأ وتنتهي عند شعار "روسيا أولا"!