الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا لو مات حافظ الأسد؟

ماذا لو مات حافظ الأسد؟

15.10.2018
محمود إبراهيم الحسن


العربي الجديد
الاحد 14/10/2018
أحد زملاء الدراسة كان يحب السخرية، ويحب اللعب بأعصابنا. عندما توفي، جميل الأسد، شقيق الدكتاتور السوري السابق حافظ الأسد، علّق (الزميل) على الخبر ساخراً: ألم يدرّسونا أنهم إلى الأبد؟ كيف يخطفهم الموت تباعاً؟
كان هذا الذي قاله صديقي أوّل تعليق سياسي سوري أسمعه في حياتي، لذا دوّنته في ذاكرتي حتّى هذه اللحظة التي لم يعترف فيها أيّ مؤيد للثورات المضادة بأنّ خروج هذه المكبوتات التي لم نكن نجرؤ على البوح بها هي إحدى أهم نتائج الربيع العربي.
لحسن الحظ، لم يكن بيننا أحد من أصحاب "الخطوط الجميلة" التي لا يفهمها سوى الملحق الأمني في السفارة التي كنا وما زلنا ندخلها بريبة وحذر، وكأنّنا في فرع أمني أو في شعبة تجنيد، مع أنّنا كنّا طيبين جداً، وعاديين جداً، وغير مهمين أبداً، ونحبّ الوطن والقائد "الرمز"، ولا ننتقدهما أبداً، ولم تكن الضفادع البرية حينها قد ظهرت.
في أثناء امتحانات الثانوية العامة، اقتحم أحد الجيران غرفتي، وقال: "لقد مات حافظ الأسد".
أغلقنا الكتب والدفاتر، الخطب جلل، والمحنة كبيرة، لا وقت حتّى لتأجيل الامتحانات.
"راحت سورية"، يصرخ أحد اليساريين بأعلى صوته، المذيع الرصين يبكي بحرقة، مئذنة السيدة عائشة تشتاق إليك يا سيدي الرئيس المؤمن..
يخرج محلل أجنبي متفائل جداً على قناة من قنوات "الفتنة"، ليقول: "ستحدث فوضى بعد رحيله، وستنتصر الأكثرية بنهايتها".
كان المحلل طائفياً بامتياز في لغة تلك الأيام، وكنّا طيبين إلى درجة أنّنا كنّا نؤمن بالحرية والاشتراكية والوحدة الوطنية، وغيرها من شعارات البعث التي زرعوها في أذهاننا منذ الصغر.
يرتّب الاستبداد أوراقه، ويكتب على رأس الصفحة الأولى: تعلّم كيف تغيّر الدستور في خمس دقائق، ففي اللحظة التي رحل فيها "القائد"، يترجل النائب الأكبر سناً في المجلس: "إلى الأبد إلى الأبد.. يا ابن حافظ الأسد"؛ فالطبيب الذي أصبح رئيساً هو نفسه الفيلسوف والضابط، وقبل كل شيء هو الطاغية.  يصفّق الجميع، ويعود حافظ الأسد إلى الحكم بعد شهر من وفاته، لكن هذه المرّة بروح شبابية شعارها "التطوير والتحديث".
أستمع من الجوال لإذاعة لبنانية تسمّي الجماعات الإرهابية المسلحة "قوات المعارضة"، يدخل زميلي الضابط العامل، وعلامات الذهول والخوف بادية على محياه. قلت: ربّما يقرأ الأفكار، ويعرف النوايا مثل العميد قائد اللواء حينما خاطب العساكر: أعرف من منكم سيهرب (كان سيلفظها ينشق).
يقول الضابط العامل لي: لقد قتل وزير الدفاع، وآصف شوكت وغيرهم من كبار الضباط في التفجير الشهير، نهاية شهر تموز 2012.
العاصمة تحاصر، يصل الجيش الحر إلى مشارف العباسيين، مساعد من ريف حلب يهمس لي: "شعرت وأنا في شوارع العاصمة أنّ الدولة غير موجودة، لكن لا تخبر أحداً".
قوافل النازحين من قلب دمشق باتجاه الأرياف، ولبنان وغيرها.. تصل إلي رسالة معارضة على الجوال: "كيف هو الوضع عندكم؟ أجبته: "تكبير، صدّق أو كما تشاء: سيموت حافظ الأسد".
بعد فترة وجيزة؛ يرتب الاستبداد أوراقه من جديد، ويظهر المحللون، هذه المرّة، بلغة التهديد والوعيد: سنطهّر كلّ المناطق.
تصل إلى الإعلام، ومنظمات حقوق الإنسان، قائمة بأحد عشر شهيداً قضوا تحت التعذيب، لكن  القائمة المرعبة لم تكن كافية هي الأخرى لإعلان وفاة حافظ الأسد.
المرّة الأولى التي تسقط فيها طائرة عسكرية كانت نيران صديقة، حتى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والذي لا ينحني لأحد، أرجأ الرد إلى الزمان والمكان المناسبين، أحدهم يقول: "الرئيس بوتين سكت حفاظاً على تقاليد البلد".
توقع المحلل والخبير الاستراتيجي أن تقتله إسرائيل إن فضّل إيران عليها، ضحكت مشفقاً على هذا المحلّل، من أين تأتي إسرائيل بمثله؟ ومن أين يأتي كل هؤلاء المحللين الاستراتيجيين؟
شاهدت في الحلم أو في "فيسبوك" لم أعد أذكر، شاهدت أنّ حافظ الأسد قد مات، والمحلل الأجنبي يتحدث من جديد عن انتصار الأكثرية، يأتي حافظ الأسد مسرعاً تاركاً دوره في الطابور في دائرة النفوس، وقبل أن يغيّروا الدستور استيقظت، زميلي الساخر يقول إنهم ليسوا "إلى الأبد".
فعلاً، تخيّلوا معي ماذا سيحدث لو مات حافظ الأسد؟